الجامعة العامة للتعليم, الإتحاد, والحكومة: صراع مفتعل، يمتص غضب الشعب ويعمي عن الحل

الجامعة العامة للتعليم, الإتحاد, والحكومة: صراع مفتعل، يمتص غضب الشعب ويعمي عن الحل

عندما يبنى المجتمع على أساس عقيدة باطلة فاسدة ، تضع المصلحة والمنفعة مقياسا لقوانينها، لا يمكن أن ينشأ عنها أفكار صالحة ترعى المجتمع وتأخذه إلى الرقي الفكري والحضاري, فعقيدة فصل الدين عن الحياة عقيدة باطلة عقلا، لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة. لذلك ليس غريبا علي النظام الرأسمالي أن تقوم أفكاره على التضليل والخداع والكذب واللف والدوران وقلب الموازين والحقائق واستغلال الشعوب والمتاجرة بهم وبعقولهم وجهودهم وأموالهم ومصيرهم ومصير أبنائهم.

منذ فترة والتعليم في تونس يشهد إضرابات ومفاوضات متتالية ، مسيرات حاشدة قام بها التلاميذ في مختلف الولايات للمطالبة بإصلاح المنظومة التربوية واستئناف المسار العادي للدروس والفروض، مستقبل مجهول ، دروس تعطل ، أولياء تنتظر ..

شيئا فشيئا تخرج النقابات وعلى رأسها الجامعة العامة للتعليم تلبس لباس البطولة والدفاع عن حق التلاميذ ، ويشتغل على إيصال صوتها الإعلام المنحاز والمأجور في غالب القائمين عليه, للإيهام بأنها قوة فاعلة في البلاد متأصلة منذ الاستعمار “العسكري” وأنها العمود الفقري للبلاد والأمل الوحيد المنتظر, كما سوّقت وتسوّق لصورة “الاتحاد”, الذي يتمتع بٱزدواجية الخطاب والقدرة علي المراوغة  ويلوم الحكومة على تعاملها مع صندوق النقد الدولي ونعتها بالعمالة والخيانة. في خطابات تسويقية للإستهلاك المحلي، علما أنه في وقت مضى كان له السبق في التفاوض مع صندوق النقد الدولي حيث أن أمينه العام “الطبوبي” إلتقى مع صندوق النقد الدولة وكان من مجمل الحديث القسط الثالث المتبقي من القرض..

إن المتمعن في حقيقة دور المتحدثين باسم القطاعات الحيوية في تونس يجد انه متمثل في حماية النظام من خلال امتصاص غضب الناس وإحتواء الإحتجاجات وحماية الحكومة والنظام من السقوط عبر حصر مشاكل العمال في المطلبية المادية عبر المفاوضات علي زيادات ضئيلة تصرف الناس عن التفكير في المنظومة السياسية الرأسمالية الفاسدة التي تطبق عليهم وتبيد ثرواتهم وتقلل من قيمتهم ، ففي مقابل المطالبة بالزيادة في الأجور تجد الحكومة أنها أمام ضرورة الإقتراض مع هذه الأزمات الإقتصادية والغلاء المتواصل للمعيشة .

بين المسرحية والتوظيف الحزبي

إن الإضراب العام والمسيرات والخطابات الرنانة التي يعمل على إنجاحها الإتحاد والنقابات على حد السواء ما هي إلا مشاهد من مسرحية الدفاع عن العمال والقطاع العام . وضمن هذا السياق فقد نشرت جريدة le monde الفرنسية مقالا أكدت فيه أن ” الإضراب العام يأتي في سياق سياسي خاص مع اقتراب موعد الإنتخابات نهاية هذه السنة ” وٱعتبرت الجريدة الفرنسية أن ” موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يمكن أن يوضح خطورة التلاعب الحزبي في هذا الصدد بعد خلافه مع يوسف الشاهد فالباجي قائد السبسي لم يتوقف منذ أشهر وبشكل سري على تشجيع الإتحاد للتصعيد ضد رئاسة الحكومة ”
مسرحية قذرة ذات غايات سياسية، إذ يطالبون بالزيادة في الأجور والحفاظ على القطاع العام.. في حين يدفعون الأولياء نحو الذهاب إلى التعليم الخاص دفعا, ويغضون الطرف عن المطالبة بٱسترجاع الثروات المنهوبة كبديل تمويلي من صندوق النقد الدولي, ولا عن مضمون المنظومة التعليمية التي صارت تُخرج أجيالا من المستهلكين على المقاس الغربي الفاقد للشخصية الإسلامية القويمة التي تنهض بأمتها..
إن هذا الأمر وحده كاف لأن يبعث الشك والحيرة لدى المتابعين للوقائع ويدفع للحكم بعدم جدية التحركات ويؤكد أن الوظيفة الأساسية للاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من النقابات التي تتكلم باسم القطاعات الحيوية في البلاد وعلى رأسها الجمعة العامة للتعليم, واضحة كوضوح الشمس وهي التنفيس عن النظام وامتصاص غضب الشعب والتعمية عن الحل الجذري والأنسب لهذه الأزمات والمشاكل التي تضرب العمود الفقري للأمة, ناهيك على أنها تؤكد خدمتهم للأحزاب السياسية الموغلة في التواطؤ مع ناهبي تونس.

الدولة الرأسمالية, الوريث البشع للاستعمار الغربي

لا وجود لرعاية شؤون الناس في النظام الرأسمالي ، ومن قال لكم غير ذلك لا تصدقوه. إن كان عالما فهو كاذب وإن كان جاهلا فحسبكم جهله.

دولة الضرائب والتفريط في الثروات للأجنبي المستعمر لا يمكن أن تكون يوما راعية للتعليم أو الصحة أو الفقراء, هي فقط خادمة لرؤوس الأموال ، فالدولة الرأسمالية تقوم علي النفعية والفردية فهي الوريث البشع للإستعمار الغربي ، بل هي الإستعمار بعينه ، سوقه الغرب كبديل للمشاكل الاقتصادية قصدا من أجل التحكم في الثروات والخيرات.

إن أخبث ما في الرأسمالية أن خبثها شديد الخفاء شديد الوضوح في آن، لا يحس الناس شرها إلا بعد أن يبلغ أشده. واليوم تشهد البلاد شللاً تاما في عمودها وتلك هي غاية الغرب المستعمر فمنذ أن هدمت الخلافة عمل الغرب وعملائهم من رؤساء العرب على إخراج المسلمين من ساحة التاريخ من خلال ضرب ثقافتهم وأفكارهم وتمييع عقولهم عن طريق وسائل الإعلام والأخبار التافهة التي تعيق عن التفكير المستنير وعن النهضة.

لقد أدرك الغرب أهمية العلم ومنزلته في النظام الإسلامي ، وأدركوا أنهم لو ناظروا المسلمين الأكفاء الأعزاء بعقيدة التوحيد لكانت الهزيمة ساحقة ماحقة ، لأن الإسلام هو النظام الوحيد الذي يُعلي من قيمة العقل ومنزلة العلم . لذلك فإن غايتهم الوحيدة هي ضرب هذا العلم عن طريق خلق مشكلات إفتراضية كالتي يعيشها التعليم اليوم ، لقد لوثوا العقل وشوهوا الروح إلي أن هان على المسلمين هدم حصونهم بأيديهم والتفريط في أحكام الله الشرعية الشافية الكافية .

لقد عمل الغرب على تشويه تاريخ الإسلام وتاريخ الحكم بما أنزل الله ، فنظرة واحدة على الازدهار الفكري والثقافي الذي شهده العرب المسلمون في ظل دولة الخلافة الإسلامية كافٍ ليقتنع الناس أن الحكم بما أنزل الله هو الحكم السياسي الوحيد الذي يسعى لإدارة شؤون الناس من غنيهم إلى فقيرهم ومن كبيرهم إلى صغيرهم ، لأن الحفاظ على ثقافة الأمة وتنوير عقول أبنائها من المسؤوليات الرئيسية للدولة وللحاكم وهذا ما يفتقر إليه النظام الرأسمالي الذي يسعى لخدمة مصالح الغرب المتوحشة واللامتناهية ، الذي يقبل أصحابه بشروط صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح الهيكلي التي تقضي بضرورة ” التقشف في الميزانية العمومية وخفض النفقات الاجتماعية وخوصصة المؤسسات العمومية ” .
أن مشكلتنا اليوم لا تقتصر على زيادات في الأجور أو في ميزانية المؤسسات التربوية، فضغط الواقع يدفع للترقيع وقصور القدرات العقلية يمنع من إدراك أصل المسألة وأصل المشكلة ، مشكلتنا اليوم مشكلة نظام كامل يجب أن يقتلع من جذوره ويستبدل بخلافة راشدة على منهاج النبوة, ترعى شؤون أبنائها وتحرص على غرس الثقافة الإسلامية فيهم ، فالتعليم هو الطريق لحفظ ثقافة الأمة في صدور أبنائها وسطور كتبها .

شواهد العلم والتعليم من عصر الخلافة الذهبي

والدليل القاطع على ما سبق ذكره هو ما وصل إليه المسلمون في فترة الخلافة وتحديدا في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أنشأ مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم وأسماها بيت الحكمة وأضاف إليها ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة ، ثم في عهد المأمون فقد عاش بيت الحكمة عصره الذهبي في ذلك الوقت إذ احتضن كتب متنوعة من الفلك والطب والفلسفة ترجمة وتأليفا.

إن ما نملك عظيم لو أدركناه ، إن ما وصل إليه المسلمون سابقا لا يحصى ولا يعد من ثراء أدبي وفقهي وطبي وعلمي وكل ذلك نتيجة لأنظمة كانت تطبق والخليفة يعرف قيمة طلب العلم في نحت كيان الأمة، فالنظام السياسي والاقتصادي الذي يطبق في دولة هو الذي يحدد درجة تثقفها ووعيها .
والحل الجذري الوحيد لما نعيشه من أزمات متتالية في التعليم والصحة وشتى المجالات هو التغيير الكامل للقوانين والأحكام ، تغيير لديمقراطية ربها الأنا ونبيها الهوى وقبلتها المصلحة ، ديمقراطية تقصي الله عن الوجود ليصبح الإنسان رب نفسه وفي ذلك الحين لن يقف أمام إفساده شيء, وحين يستأثر الإنسان بحق التشريع يفسد نظام الدنيا بأهوائه المتقلبة ومصالحه المتباينة فلا يبقى مرجع يرجع إليه سوى الهوى والمصلحة ، يقول تعالى في كتابه الكريم {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ}.

تتلاطخ رغبات الحكومة ورغبات المتلاعبين بالأجيال ويظل التلميذ في المنتصف يجهل مصيره ومستقبل دراسته ، من سيأبى لمصلحته ؟ والكل يسعى لإشباع أكبر قدر ممكن من ملذاته الدنيوية الفانية، الكل يسعى لإرضاء سيده القادم من وراء البحار .
قد تُرقع هذه المشكلة في التعليم لكن بالتأكيد ستليها مشاكل أكبر وأعظم تكشف أكثر عن خور هذه الأنظمة الوضعية التي تحكمنا ، ولن نرى النور إلا بخلافة راشدة على منهاج النبوة تمحي دساتير الكفر والإفساد . {ومَن أحسَن من اللٌـه حُكْماً}

نرجس الخياري

CATEGORIES
TAGS
Share This