لحقت ليبيا الثلاثاء 13 أكتوبر بقطار المعتذرين عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، بعد تخلي فلسطين عن رئاستها، واعتذار كل من قطر، وجزر القمر، والكويت، ولبنان، رداً على إعلان التطبيع الإماراتيّ والبحرينيّ مع كيان يهود.
التعليق:
في آذار/مارس من العام 1945م نشأت جامعة الدول العربية، حيث كانت البلاد العربية تحت الاستعمار، مسلوبة من الإرادة السياسية، وهذا ما يؤكد أن هذه الجامعة قامت بإرادة المستعمر، وذلك لتحقيق أهداف استعمارية، لا لتحقيق ما أسموه ميثاق الجامعة العربية الذي لم يتحقق منه شيء طوال السبعة عقود التي مضت منذ تأسيس الجامعة العربية وحتى حان موعد تصفيتها.
إن فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية التي طرحها السلطان عبد الحميد، والتي وصفها المؤرخ والفيلسوف وعالم الاجتماع البريطاني أرنولد توينبي بقوله إن “السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، كان يهدف من سياساته الإسلامية تجميع مسلمي العالم تحت راية واحدة، وهذا لا يعني إلا هجمة مضادة، يقوم بها المسلمون ضد هجمة العالم الغربي التي استهدفت عالم المسلمين”، إن مشروع الجامعة الإسلامية هذا استمر زخمه حتى بعد إسقاط الخلافة العثمانية، مما أوحى لبريطانيا أن تطرح مشروعاً موازياً تصرف به الأذهان عن أي نوع من التكتل الإسلامي، فكان مشروع الجامعة العربية الذي ولد سفاحاً من رحم الاستعمار، وبهذا التكتل الغريزي وبشعاراته الوهمية نفّست مشاعر المسلمين في البلاد العربية التي كانت تتوق للوحدة. وما إن جاء عام 1948م حيث مولد القضية الفلسطينية حتى تلقفتها الجامعة العربية لا لتجمع جيوش المسلمين عربا وعجما، وتحرر بها فلسطين من البحر إلى النهر كما كانت شعاراتها بل لتصفيتها.
وبعد نكبة 1967م رفعت شعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف)، وبعد نحو خمسين عاماً من هذه اللاءات ترفض الجامعة العربية مشروعاً تقدمت به السلطة الفلسطينية لإدانة التطبيع مع كيان يهود. وقد رفضت ست دول رئاسة الجامعة العربية، وهذا مؤشر بأن هذه الجامعة قد وصلت إلى نهايتها المحتومة بعد أن أدمنت مواقف الخزي والعار كتلك التي ظلت تقفها والتي لا تعدو مجرد الشجب والإدانة والاستنكار لكافة القضايا الكبرى التي مرت بها البلاد الإسلامية بأسرها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قضية البوسنة والهرسك، والشيشان، والعراق، وسوريا، واليمن، والسودان، والقضية الكبرى قضية فلسطين، التي نجحت في السعي إلى تصفيتها نجاحا منقطع النظير… وبذلك تكون قد قامت بالدور الذي صنعت من أجله خير قيام.
إن الناظر لتاريخ العرب منذ الجاهلية لم يجد لهم مجداً أو مكانة بعيداً عن الإسلام، ففي الجاهلية الأولى كان بعضهم يوالي الروم، وبعضهم يوالي الفرس، وبأسهم بينهم شديد، ثم جاء الإسلام فرفع شأنهم، وعلت رايتهم حتى كانوا في مقدمة الأمم والشعوب. وما أشبه الليلة بالبارحة، فما إن ابتعدوا عن الإسلام حتى عادوا إلى حياة التبعية والذل، فصار بعضهم عملاء لأمريكا وآخرون لبريطانيا أو فرنسا.
فإن اعتذر بعضهم أو كلهم عن رئاسة الجامعة العربية، أو قبلوها، فستظل التبعية سمتهم حتى تقوى شوكة المسلمين بخلافة راشدة على منهاج النبوة.