الجزائر…أزمة النظام المقعد

الجزائر…أزمة النظام المقعد

أنهى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، يوم الثلاثاء 15-08-2017، مهام الوزير الأول عبد المجيد تبون، وعيّن، أحمد أويحيى خلفا له. وباتت حكومة، تبون، الأقصر من نوعها في تاريخ الجزائر، حيث غادر، تبون، منصبه بعد 79 يوما فحسب على تعيين الحكومة الأخيرة في 25 ماي الماضي .

يدل تغيير الحكومات بوتيرة متسارعة في الجزائر على عدم الاستقرار السياسي للدولة فحصيلة المشهد السياسي في الجزائر من جملة التحويرات هو  18 عشر حكومة في ظرف 18 سنة أي بمعدل حكومة كل سنة و هو ما يدعونا إلى الاستنتاجات التالية.

أولا يلجأ النظام السياسي إلى التحوير الوزاري في حالتين,إما أن القائم على تسيير دواليب الدولة قد أضر بمصالح رؤوس الأموال,و بالتالي أساء للدول الاستعمارية,أو أن النظام قد كشفت سوءته أمام شعبه مما يقتضي عملية قيصرية عاجلة يقدم فيها رئيس الوزراء و بعض المسؤولين الفاسدين” ككبش فداء”. و لأن أغلب دساتير الدول الإسلامية  إما أن تكون تحت رعاية الدول النافدة تمويلا و إشرافا أو تكون في الغالب ترجمة حرفية جاهزة للاستعمال, فان هذه الدول الخبيثة و من أجل الحفاظ على نفوذها الاستعماري تترك لعملائها من الحكام مسافة الأمان بينها و بين شعوبها الثائرة,حيث يتم في هذه المسافة التشريعية القيام بجميع أشكال “المراوغة السياسية” و منها التحوير الوزاري, ومن هنا تستمر اللعبة الديمقراطية في نهب الثروات الطبيعية والبشرية, و يبقى للحكام كرسيهم المعوج, ويمتص غضب الشعوب تحت طائلة القانون و المؤسسات و”الانتخابات النزيهة والشفافة”. و في الحالتين التي يتم من خلالها التحوير الوزاري,فان التحوير لن ينتهي أبدا, و يعتبر هذا التحوير من جنس الفكرة السياسية للرأسمالية, و رغم هذه السلبيات تقدم لنا هذه الدول و كيفية رعايتها لشؤون الناس على أساس أنها النموذج الأرقى للبشرية.

ثانيا إن تغيير الحكومات في الجزائر كعلاج لأزمة البلاد يحدث مثله في تونس و الأردن و مصر وغيرها, وهو ما يعكس أن الحاكم الفعلي للبلاد -ونقصد الغرب الكافر- أصبح فارغ الوفاض, ولا يمكنه ضمان الاستقرار السياسي إلا لوقت وجيز جدا, و في هذا رسالة واضحة إلى أولئك الذين مازالوا يعتمدون على قوة الغرب, فالغرب  الكافر لم يعد في الواقع ظهر إسناد جيد يمكن أن يعول عليه في الأزمات.

ثالثا تتغير الحكومات في الجزائر وفي غيرها من البلدان الإسلامية, لكن الواقع المعيشي بكل ماله وآلامه لازال تحت وطأة الفساد المالي والإداري, و يزداد الوضع الاقتصادي تأزما, و تتفاقم البطالة والمشاكل الاجتماعية, وهذا يحيلنا إلى القول بأن المشكلة الأساسية إنما تكمن في النظام, نظام الحكم. ومن أجل إنهاض الجزائر لا بد من توجيه النظر إلى تغيير النظام, فتتغير الأحوال و ينتهي كل شيء و مجرد تغيير الوجوه السياسية مع بقاء أصل الداء لا يسمن ولا يغني من جوع.

إذا, الجزائر لا تحتاج إلى دستور جديد, ولا إلى انتخابات مبكرة,كما لا تحتاج إلى استبدال عميل أمريكي إلى عميل أوروبي, أوالعكس. بل تحتاج إلى قيادة قوية, ومشروع سياسي ينبثق من عقيدة الأمة ولا يرتهن مُطبِّقوه للغرب.

وكلامنا هذا ينطلق من ممكنات سياسية جزائرية واضحة, كالموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يُطلُّ على القارة العجوز, والذي يمكن أن يشكل واجهة مؤثرة في الساحة الدولية, بالسيطرة على البحر المتوسط, وما يشكله من أهمية في التجارة البحرية, كما أن الجزائر تتمتع بمصادر إمداد طبيعي تمثل محركا للنهضة الاقتصادية والصناعية وقطع شريان التبعية, ومن ناحية أخرى, فان بلد المليون شهيد له مخزون تاريخي ثقيل في قطع أيادي المستعمر وطرده من ساحات بلاد المسلمين, بالإضافة إلى كثافة التيار الإسلامي في الجزائر المتعطش إلى استئناف الحياة بالإسلام, وقد يحق لنا القول بأن بلد الجزائر هو “الأسد المتأهب” عدة وعتادا.

ولكن, في مقابل عوامل القوة توجد بالجزائر ألغام سياسية أيضا, فالجزائر في مرمى أهداف الانتهازيين داخليا و خارجيا مما يشكل حالة من الطوارئ الدائمة.ففي الخارج تتداعى الأكلة من كل صوب فرنسي وبريطاني وأمريكي, أوروبا ترى في الجزائر الحديقة الخلفية والحليف التقليدي ومنبع الثروة الافريقية ومنفطها لها, وأمريكا ترى أن الجزائر دولة مفتاحية لتركيز مشاريعها في المنطقة, وهي تعمل على إدخال الجزائر “بيت الطاعة” من خلال “فزاعة الإرهاب”. كما تحاول “الذئاب المنفردة” أمريكا وأوروبا تقوية الاضطرابات في محيط الجزائر وإبقائها متحركة ساخنة, من أجل مزيد إضعاف الجزائر اقتصاديا وإرهاقها عسكريا.

أما الخطر الداخلي المحلي, فيكمن في رويبضات السياسة, والحكام المطايا, إضافة إلى أولئك الذين وقع عزلهم من مواقع القرار السياسي, أو من السلك الأمني والعسكري أمثال الجنرال توفيق والاسم يغني عن كل ألفاظ الترهيب.

إنه صراع حاد على أرض الجزائر, وكما يقول المثل إذا تصارعت البغال أفسدت الزرع, وكذلك إذا تصارعت قوى الشر أفسدت الجزائر, أهلها, ثرواتها, وخيراتها.

إذا, نحن أمام استحقاقات تاريخية, وأوّل هذه الاستحقاقات أن يكون ميثاق العمل السياسي في الجزائر وفي غيرها من البلاد الإسلامية “تغيير النظام الديمقراطي الرأسمالي هو الحل”. ومن استحقاقات المرحلة أيضا التموقع الصحيح مع “القضية الحق” وهاهو  “سنمار الجزائر” الجنرال توفيق مثلا, أخرج من موقعه بجرة قلم بعد 25 سنة من العمل المخلص للنظام الجزائري الموالي للغرب, وقد سبقه إلى هذا المقام المخزي آخرون و سيلحقه بالتأكيد آخرون من جميع الانتماءات السياسية و الرتب العسكرية طالما أنهم لا يدركون أين يصطفون في المعركة الصحيحة, وطالما أنهم لا يرون من هو الخصم السياسي للجزائر ولسائر البلاد الإسلامية والذي يجب أن تقطع خيوطه وتتخذ معه حالة التأهب القصوى.

بقلم محمد السحباني.

CATEGORIES
TAGS
Share This