أصدرت الخارجية الأمريكية يو م الجمعة 20/04/ 2018 تقريرها السنوي حول وضعية حقوق الانسان في العالم و الذي تضمن انتقادات للجزائر وهو التقرير الذي اعتبره المتابعون للشأن الجزائري الأشرس من بين التقارير الأمريكية السابقة في إشارة إلى تصعيد الخطاب الرسمي لإدارة البيت الأبيض, وقد تعرض التقرير إلى النقاط الساخنة التالية: عدم استقلال القضاء, الفساد الرسمي للدوائر والمؤسسات الحكومية, العنف المنزلي, العمل السياسي والناشطين السياسيين والأقليات العرقية وخاصة الطائفة اليهودية وعدم المساواة بين الجنسين وحقوق المثليين, وهي نفس النقاط التي تثيرها الدوائر الاستعمارية الغربية في كل مرة تريد فيها الضغط على بلد ما أو احتلاله مباشرة من أجل سلب ثرواته والغريب في الأمر أن هذا التحرش الغربي والاعتداء الصريح على الشعوب في بلاد المسلمين يواجهه الحكام ببرودة شديدة فلا يمنعون يد لامس وأعلى قراراتهم تكون على وقع المثل العربي اسمع جعجعة ولا أرى طحينا.
وهذا الموقف السياسي من قبل الماسكين بدفة الحكم في الجزائر وعدم القيام برد صريح وواضح أمام هذه الخروقات الأمريكية يؤكد من جديد غياب المعنى الحقيقي للسيادة ومما يزيد الطين بلة أن الرئيس المنتظر بوتفليقة لا يزال في سردابه وقد لا يخرج إلا في انتخابات ولاية الأشباح السادسة.
ومن جهة أخرى فان هذا التقرير يكشف بوضوح المحاولات الأمريكية المتجددة من أجل أن يكون لها موطئ قدم في بلد المليون شهيد لتزاحم بذلك النفوذ الأوروبي الفرنسي البريطاني تحديدا وذلك بتأزيم الأوضاع الداخلية وإيجاد تململ شعبي مع تحريك العملاء المحليين ليأتي بعد ذلك المخلص الغربي فيطرح حلوله السحرية وتأكيد ذلك مع فعله خبراء صندوق النقد الدولي بالتخطيط مع البنك الدولي (الأذرع الاستعمارية للغرب في الجانب الاقتصادي) حيث طلبا من الجزائر الاتجاه مباشرة إلى الاستدانة الخارجية لمواجهة نقص عائدات النفط وهددا الجزائر بأن البلد يتجه مباشرة نحو أزمة مالية حادة, كما لم تنسى لمديرة الصندوق لاغارد ضرورة تعويم العملة (تقرير صندوق النقد الدولي حول الجزائر بعد زيارة دامت لأسبوعين واختتمت يوم 12 مارس2018
كما أن التحرش الأمريكي لا ينتهي عند حدود المجالات الاقتصادية بل يتعداها إلى قطاعات حساسة مثل الجيش وهنا يصبح المشهد أكثر صفاقة, فقد ذكرت مجلة “موند أفريك” الفرنسية أن الإدارة الجديدة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي أصبحت تحت قيادة الجمهوري مايك بومبيو تعمل على قدم وساق من أجل ربط علاقات متينة مع جهاز المخابرات الجزائري الجديد.. وطبعا تبدأ الخطيئة السياسية بتبادل الخبرات إلى أن تنتهي إلى التنسيق الكامل كما يحصل ذلك اليوم مع سلطة يهود في المسجد الأقصى, وهذا طبعا شكل من أشكال الاستعمار المزين.. كما تضيف نفس المجلة أن الأحداث التي وقعت سنة 2013 بمنطقة أميناس بقاعدة تيغنتورين والتي بدأت بخطف رهائن وانتهت بمقتل ما لا يقل عن سبعين شخصا بيد أربعين مسلحا كان لها تأثير كبير على الشأن الداخلي للجزائر فبعد تقرير الأمريكان والانجليز (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالة المخابرات البريطانية ومكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية وشرطة سكوتلنديار أرادو) واثر الاجتماع بالمخابرات الجزائرية فرض الاستعمار الأنجلو-أمريكي املاءاته على السلطة الجزائرية وهو ما أثمر بالإطاحة بالعديد من قيادات الجيش إرضاء لإرادة الغرب, إضافة إلى تمرير تغييرات عميقة في هيكلية الجيش الجزائري عقيدة وعتادا (فقد أعلن نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح في تصريح مقتضب عن احتمال تعديل أو تغيير العقيدة القتالية للجيش الوطني حسب الظروف التي تحيط بالجزائر ، وهو ما يشير إلى قناعة القيادة السياسية والعسكرية بضرورة تغيير طبيعة العقيدة الدفاعية والقتالية للجيش الوطني الشعبي وللجزائر وقال نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، بأنّ “العقيدة العسكرية تتم مراجعتها وتحيينها، كلما تطلب الأمر ذلك، لتتكيف مع متغيرات المعطيات الجيو – سياسية، وهي بذلك تمثل أسس سياسة الدفاع الوطني، ومرتكزًا رئيسيًا لصياغة الإستراتيجية العسكرية”) وكانت هذه الاملاءات وتنفيذها رسالة واضحة من الاستعمار الغربي بأن مناطق الثروات خط أحمر لا يتسامح في تجاوزه كائنا من كان وإن كان عميلا مخلصا.
نرى مما تقدم سفور أمريكا والغرب عامة وتجرؤهم على استعمار بلاد المسلمين علنا أما صراعهم على مناطق النفوذ فيما بينهم فان ذلك لا يدفعنا إلى الاصطفاف وراء أحد الفريقين فالغرب غرب وإن تجمل بالأساور إلا أن ما يجمعهم هو الحيلولة دون صعود مشروع الأمة إلى سدة الحكم, ولعل تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية في التسعينات خير دليل على هذا, وحينها صرح رئيس فرنسا الديمقراطية “اذا فاز الإسلاميون بالانتخابات في الجزائر فاني سأتدخل عسكريا كما تدخل بوش في بنما”… وفعلا دبر انقلاب بليل وعوقب المسلمون على محاولة العودة إلى جذور هويتهم الإسلامية, وكان العقاب شديدا من طرف الدوائر الاستعمارية حتى لا يفكر المسلمون من جديد في إعادة الكرة.
إن الذي سيمنع يد لامس من أن تعتدي على الأمة ومقدراتها لن يكون من بطانة السوء الغربي وهذه حقيقة واضحة…والذي سوف يقطع دابر الاستعمار سيكون ممن يعي فعلا حقيقة المقدرات التي تتمتع بها الجزائر من ثروات باطنية وبشرية وموقع استراتيجي ممتاز, إضافة إلى الجيش الجزائري الذي يتصدر المرتبة الثانية من بين أقوى الجيوش في القارة السمراء بحسب منظمة “غلوبال فاير باور” الأمريكية التي أجرت الدراسة على أربعة و ثلاثين جيشا إفريقيا لسنة 2018.
كما أشار تقرير معهد “غلوب” الأمني الأمريكي بتاريخ 17 سبتمبر2017 إلى أن مهندسي صيانة الطائرات الجزائريين كانوا قد سبقوا إلى كشف عيوب خفية بإحدى أحدث الطائرات الروسية “ميغ 29”, الأمر ذاته الذي أشارت إليه المجلة العسكرية الأمريكية “ناشيونال انترست” مما لفت المزيد من الأنظار إلى قدرة وقوة الجيش الجزائري. إذا ثنائية الطاقة والقوة هي التي تحدد التاريخ المشرف لبلد المليون شهيد وليست سياسات صندوق النقد الدولي ولا املاءات الدول الاستعمارية.