الجفاف في تونس: من آثار نقض عرى الإسلام في حياة المسلمين
تونس: شهر أكتوبر 2022 الأكثر جفافا منذ سنة 1960
صنّف المعهد الوطني للرصد الجوي، شهر أكتوبر من السنة الحالية ثاني شهر أكتوبر الأكثر جفافا منذ عام 1960. وأشار معهد الرصد الجوي إلى بلوغ إجمالي الأمطار خلال أكتوبر 2022، حوالي 92.8 ملمترا، وهو ما يمثل 9 بالمائة فقط من المعدل المرجعي للشهر والمقدر بـ835 ملمترا، وبذلك يبلغ النقص نسبة 90 بالمائة، وفق ما ورد في الملخص المناخي للمعهد.
كما احتلّ شهر أكتوبر للسنة الحالية المرتبة الثامنة لشهر أكتوبر الأشد حرارة منذ سنة 1950، حيث بلغ المعدل العام لمتوسط درجات الحرارة 23.3 درجة، ليتجاوز المعدل المرجعي (1991-2020) بمقدار 1.4 %..
وكانت معدلات درجات الحرارة القصوى والصغرى خلال شهر أكتوبر 2022، أعلى من المعدل الطبيعي، في حين شهدت درجات الحرارة الصغرى اليومية انخفاضا نسبيا خلال العشرية الأخيرة من الشهر.
الجفاف من آثار نقض عرى الإسلام في حياة المسلمين..
إنّ كل حكم من أحكام الله إن غاب كانت له آثار تعقبه، وكل تفريط وتغييب لحكم شرعي لا محالة يقود إلى خلل في الحياة وضنك، وله أثر مادي وواقع في حياة الناس مصداقا لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً …﴾. وهذا الأثر المادي عبّر عنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف بالانتقاض وهو بمعنى النقصان والزوال والضياع وذلك بقوله: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنُّ نَقْضاً الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ». وهذا الانتقاض والنقصان قد بدأ فعلا في عرى الإسلام بالحكم والسلطان، وقد كان ذلك بزوال الخلافة، إذ إن الحكم هو الناحية التي تمسك بمجامع الأحكام الشرعية المنظمة لشؤون الحياة كافة في الاقتصاد والاجتماع والتعليم والعقوبات والمعاملات والسلوكيات، وإن ما قد يقال عن نواحي الاقتصاد والعقوبات بالابتعاد عن شرع الله الحكيم يقال كذلك عن سياسات الدولة التونسية في التعامل مع موضوع الماء كما يوجبه الشرع الحنيف وما يؤدي بالضرورة إلى نقصان الخيرات وزوال والتالي إلى العطش والجفاف، كلّ ذلك بسبب الابتعاد عن أحكام الله تعالى ويستتبعه من المعيشة الضنك.
تونس باطنها ثروات وخيرات، وظاهرها فقر وعوز وجفاف…!
رغم امتلاك البلاد لموارد مائية تعتمد في توفيرها أساسا على خزاناتها الطبيعية من السدود والبحيرات الكبرى، فإن ذلك لم يبدد المعاناة اليومية للتونسيين من الانقطاع المتكرر للمياه. إذ تتعالي صيحات الفزع في كل المناطق تقريبا مطالبة الحكومة بتدخل عاجل لمعالجة هذه الأزمة، حيث يقر خبراء ومختصون بأنها مشكلة هيكلية تجب معالجتها قبل أن تتحول إلى معضلة تصعب السيطرة عليها وتطويقها مع تزايد الطلب على مياه الشرب وقلّة التساقطات وارتفاع درجات الحرارة.
إنّ غياب الحكم الإسلام وسلطان المسلمين أدّت إلى غياب بقية أنظمة الإسلام في الحياة وهي التي استبدلت بها قوانين الغرب العلمانية، حيث صار الناس يعانون من آثار تطبيق تلك القوانين عليهم التي أنتجت في حياتهم الفقر والضر والبؤس والشقاء. وبفقدان الحكم بما أنزل الله تعالى فقد المسلمون كل منافع القوة وقيمة الثروة الهائلة الموجودة لديهم، وصار – والموضوع عن الماء والجفاف- القطر يعاني العطش والجفاف رغم وجود الأنهار في القطر المجاور.
قال تعالى :{وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}: لو استقام الناس على صراط الله المستقيم وطريقة الأنبياء المثلى لأغدق الله عليهم البركات من السماء والأرض, ليختبرهم اختبار العطاء وفتنة السراء ليعلم الله من يشكر نعمه ولا يعصيه.
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون﴾
إن الماء من أعظم النّعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده، وهو سرّ الحياة لجميع الكائنات الحية، والسبب الذي يجعل الحياة ممكنة على الأرض، وقد وصف الله تعالى الماء في القرآن الكريم بوصفٍ مختصر، وكيف أنه جعل كلّ شيءٍ حيّاً من الماء بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾، وهذا يدلّ على أهمية وجود الماء في أيّ مكان، فهو امتداد لوجود كلّ الكائنات في الحياة ولا يُمكن الاستغناء عنه أبداً.
السياسة الشرعية في المياه
لقد عدّ الإسلامُ الماء من الملكيات العامة لجماعة المسلمين، وجعلها مشتركة بينهم، ومنع الأفراد من تملكها لتمكين جميع الرعية من الانتفاع بها، جاء في سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «ثَلاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: المَاءُ والكَلأُ والنَّارُ». وفي سننه أيضاً عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ؛ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ». وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: رسول الله ﷺ: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ…» رواه مسلم.
فالواجب على الدولة أن تحرص على توفير الماء وصونه من التلوث وضمان إيصاله للناس فردا فردا وأن يحظى توزيعه بالعناية اللازمة مالياً وتقنياً حتى تضمن توفيره للناس باعتباره حقا لهم لا بضاعة تُباع وتشترى كما في النظام الرأسمالي. فالماء عامل أساسي وحيوي في بناء الدولة والمجتمع، وقد أدرك المسلمون هذه الأهمية للماء منذ نشوء الدولة الإسلامية. عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قَالَ: أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِئْرٌ يُسْتَعْذَبُ مِنْهُ إِلَّا رُومَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ» رواه أحمد.
كيف تحلّ قضية نقص المياه في تونس..؟
إن حل قضية نقص المياه في تونس حلاً جذرياً يجب أن يكون على مستوى الأمة وليس على مستوى محليّ أو إقليميّ. فالثروة المائية الموجودة في المنطقة هي ملكية عامة للأمة ويجب أن ينتفع جميع أفرادها منها، كما قال ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلِ الْجَسَدِ الوَاحِد؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، فيجب أن يتوحد هذا الجسد الواحد في كيانٍ سياسيٍّ واحد، ليزيل هذه الكيانات الهزيلة وبذلك تحل مشكلة المياه حلاً جذرياً في تونس والمنطقة كلها.
فمشكلة المياه مشكلة جزئية وقضية فرعية تصغر أمام القضية المصيرية، التي يجب أن يتخذ المسلمون حيالها إجراء واحداً؛ الحياة أو الموت، وهي قضية عودة الإسلام إلى واقع الحياة بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
أ, محمد زروق
CATEGORIES محلي