الحركة القضائية الأخيرة … النظام يمارس ضد القضاة سياسة فرق تسد …

الحركة القضائية الأخيرة … النظام يمارس ضد القضاة سياسة فرق تسد …

الحركة القضائية.. الظرفية الزمانية:

صادقت الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء التونسي مساء يوم الإثنين 04-09-2017 على أول حركة قضائية أعدّها المجلس الأعلى للقضاء العدلي.

حيث شهدت الحركة القضائية لسنة 2017/2018 بطأ أثار انتباه جميع المعنيين بالشأن القضائي والعاملين في القطاع من محامين وكتبة محاكم وعدول تنفيذ وعدول إشهاد وخبراء وغيرهم .. حيث أعلنت الحركة القضائية أياما قليلة قبل بداية السنة القضائية 2017-2018 خلافا لما يفرضه القانون من صدورها قبل بداية العطلة القضائية.

تأخر وبطأ في الإعلان أنتج تململا وتساؤلا, وجعل أصابع الاتهام تتوجه مباشرة للأسباب الحقيقة وراء هذا التململ والتردد في إعلان النتائج ، وبمجرد إعلان الحركة القضائية زال كل إبهام بخصوص التأخير الذي شاب العملية, حيث سجّل المعنيون بالشأن القضائي الخروق والتجاوزات القانونية والمحسوبية في اختيار القضاة التي لم تقم على أساس النزاهة والكفاءة والجدية بقدر ما شابتها الحسابات الضيقة والتي تجعل نزاهة القضاة محل شك عموما.

بيان جمعية القضاة التونسيين:

(تجاوزات خطيرة بالجملة في الحركة القضائية )

 بينت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها اليوم الجمعة أن الحركة القضائية لسنة 2017/2018 عن نتائجها الاثنين الماضي تضمنت “خروقا و تجاوزات خطيرة” مثلت “تراجعا عن مقتضيات الإصلاح القضائي وضربا لمكتسبات استقلال القضاء”.

وعددت الجمعية في بيانها جملة الخروق والتجاوزات التي شملت حركة القضاة التونسيين وقالت انه سجل غياب ” لقواعد الشفافية وتعتيم تام على أعمال مجلس القضاء العدلي بخصوص الحركة ومدى التقدم فيها وتاريخ الإعلان على نتائجها لافتة إلى انه تم تسجيل ، بعد الإعلان عن الحركة القضائية خرق جوهري تمثل في عدم تمكين الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء من إجراء رقابتها على معايير إقرار الحركة القضائية من حيث الشكل ومن حيث المضمون ومدى استجابتها لتحقيق ضمانات استقلال القضاء والقضاة ومقتضيات الإصلاح القضائي رغم تحفظ عدد من أعضاء المجلس الأعلى بتلك الجلسة على الطريقة الصورية والمرتجلة للمصادقة على الحركة.
وبخصوص إسناد الخطط القضائية لاحظت الجمعية انه تم تسجيل “خروقات جوهرية “من بينها “بروز أفضلية في إسناد الخطط القضائية الحساسة كرئاسة الدوائر التعقيبية والخطط المنظرة بها ورئاسات محاكم الإستئناف وخطط الوكلاء العامين بها ورئاسات المحاكم الإبتدائية ووكلاء الجمهورية بها لفائدة حلقات ضيقة من قضاة موالين لنظام الإستبداد أو مورطين في انتهاك حق القضاة في الإجتماع والتعبير اوممن تعلقت بهم شبهات عدم النزاهة والتتبعات والعقوبات التأديبية وذلك على حساب عموم قضاة الرتبة الثالثة وكفاءات القضاء المستقل المحايد النزيه سواء بمحاكم تونس الكبرى أو بالمحاكم الداخلية.
ولاحظت الجمعية أن هذه الحركة ” لا تدعم دور القضاء في الإضطلاع بالمهام المنوطة به في حماية الانتقال الديمقراطي بالتصدي للجرائم الخطيرة كجرائم الإرهاب والفساد وبصيانة الحقوق والحريات وبتحقيق التوازن بين السلط ضمن آداء مؤسسي شامل ومستقر “.
كما اعتبرت أيضا أن الحركة القضائية “لا تضمن حسن سير القضاء عبر المحاكم والمؤسسات القضائية” ودعت في المقابل القضاة المتظلمين منها ” إلى رفع اعتراضاتهم وتوجيه نسخ منها لجمعية القضاة والإستعداد للطعون القضائية في نطاق مواصلة متابعة تداعيات الحركة القضائية وتقييمها .

موقف الفرع الجهوي بسيدي بوزيد:

(تجاهل وزير العدل ورئيس القضاء العدلي بتعهداته تجاه المرفق القضائي بسيدي بوزيدي.)

كما رفض الفرع الجهوي للمحامين بسيدي بوزيد الحركة القضائية الأخيرة معلنا قراره بمقاطعة كافة الجلسات بكافة محاكم سيدي بوزيد من ناحية وابتدائية واستئناف وعقارية مؤكدا رفضه للتعيينات المترتبة عنها كرفضه لخطة “مصلحة العمل” . كما ندد الفرع الجهوي بتجاهل وزير العدل و رئيس القضاء العدلي بتعهداته تجاه المرفق القضائي بسيدي بوزيد.

المرصد الاعلامي للقطاع الامني التونسي:

(مؤاخذات حول استقلالية القضاء في الحركة القضائية الاخيرة.)

حيث لاحظ المرصد بكون الحركة القضائية اشتملت على 28 مقرر نقلة لمصلحة العمل، ويعود الاعتماد على هذه الآلية التي تعد استثناء على مبدأ عدم نقلة القاضي بدون رضاه، لما يسجل من عزوف لدى القضاة عن العمل في محاكم المدن الداخلية. وكانت تجربة السنوات الماضية قد أكدت عدم فاعليتها إذ أن من تشملهم يبادرون بمجرد نهاية مدتها القانونية بطلب الانتقال. كما أكد المرصد تضمن مقررات الحركة القضائية تكليفا لبعض القضاة بخطط معينة، رغم أنه لا يتوفر فيهم شرط الأقدمية اللازم لشغلها. وعليه، يعد هذا الأمر إجراء يناقض ضمانات استقلالية القضاء، كما يمس التكليف بحق المتقاضي في المحاكمة من جهة قضائية لها ما يفرضه القانون من شروط شكلية لتحقيق الكفاءة المهنية.

القضاء أمانة واستقلالية القاضي الحقيقية لا تضمنه إلا دولة الخلافة الراشدة:

إن ما يعيشه القضاة اليوم من تعسف وتجاوزات خطيرة تمس من استقلالية القاضي ونزاهته وحقه في أن يمارس أشرف المهن بضمير وشرف، بسبب ما يتعرض له القاضي من ضغوط وهرسلة تمارسها السلطة التنفيذية الممثلة في رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية وتطبيق القوانين المنحازة التي تضعها السلطة التشريعية وفق الأهواء ونتيجة الصراعات السياسية ومصالح اللوبيات المتنفذة ليقدم دليلا قاطعا على العجز الذي تعاني منه هذه المنظومة القانونية التي تقوم على التشريع الذي لا ينبثق من الكتاب والسنة بل ينبثق من الفلسفة الغربية التي تلتزم بنظرية الالتزام القاصرة والعاجزة والمحدودة المنتجة للتناقضات, والتي تمهد لهذه الحسابات السياسية التي تقتحم عرين القضاء لإحكام قبضة سياسيين فاسدين عليه, وإخضاعه لأهواء المتنفذين من أصحاب المصالح المادية.

فالملاحظ أن استقلالية القاضي تنتهك أولا وأساسا في لحظة التشريع والتقنين ثم يأتي دور التطبيق والتنفيذ لتكشف حقيقة التدخل القسري والحتمي للسلط في مهام القاضي, وما الخلاف حول إرساء المجلس الأعلى للقضاء إلا أبسط دليل من بين عدة أدلة على ذلك وهو معلوم بالضرورة عند كل قاض نزيه.

ولذلك فان الاستقلالية الحقيقية للقاضي لا تضمنها إلا عقيدة صحيحة أولا لا تفصل الإسلام عن الحياة كما هو الحال اليوم، عقيدة تنبثق عنها دولة تسير بقوانين من عند رب العباد, تعطي للقضاء دوره في المجتمع كضامن حقيقي للعدالة وتضمن حقوق الإنسان وفق القواعد القانونية الصحيحة والفلسفة التشريعية التي تعالج الواقع وتحل مشاكله,فلسفة تقوم على الدور الصحيح للعقل في الفهم والاستنباط من النصوص التشريعية التي سنها المولى تعالى, بدل جعله مقلدا يقتبس من التجارب االغربية الفاشلة، ومن ثم النهوض بالناحية القانونية والتشريعية التي لم يزدها التقليد والمحاكاة للشريعة الغربية المقتبسة إلا ضياعا وتيها.

جلال العرفاوي

CATEGORIES
TAGS
Share This