الحكومة الجديدة, تبجحوا بكفاءتها فماذا عن ارادتها؟

الحكومة الجديدة, تبجحوا بكفاءتها فماذا عن ارادتها؟

حكومة مقبلة وأخرى مدبرة. أسماء تخلف أسماء. جلبة وضجيج قبل الانتخابات وإثرها. شدّ وجذب وتطاحن من أجل الفوز بفتات مبعثر هنا وهناك حول كراسي الحكم وفي ساحات القصور الثلاث قرطاج وباردو والقصبة, وعلى أرصفة الطرقات تصطف الجوقات وفرق التهريج لتغطي بسخبها على دوي فشل كل حكومة مدبرة كانت أو مقبلة وتطبل للأسماء وتنعق بما يضلل الناس ويصرف أنظارهم عن مكمن الداء العضال الذي فتك بالبلاد والعباد.

هذا هو المشهد الطاغي طيلة السنوات التسع التي مرت على الثورة في تونس والتغيير الوحيد الذي كان يطرأ عليه من حين إلى آخر هي اللافتات المعلقة على واجهة دكان الحكومة والتي تتغير بتغيير العاملين فيه والمسؤول على تسييرهم والذي بدوره ينفذ تعليمات “المسؤول الكبير” الذي يقع مقره خلف البحار.

لقد تعددت اللافتات والتسميات وحدث أن تغيرت واجهة الدكان وتم استبدال رفوفه بأخرى, ولكن الدكان أبقى على نفس البضاعة ولم يغيرها فهو لا يملك غيرها والأهم أنه لا يملك القدرة والجرأة على رفض البضاعة التي ترغمه الأوامر القادمة من خلف البحار على الالتزام بتسويقها حتى وإن امتلأت بطوننا جوعا ولبست اجسادنا العراء واستوطن الجهل عقول أجيال بأكملها. وحتى لا تتم مقاطعة بضاعتهم بعد التفطن لفسادها كان لابد من تسمية يكون لها وقع في نفوس وأذهان الناس وبعد أن أغووهم  بسراب الانتخابات, أغووهم هذه المرة بعنوان يوحي بأنهم قطعوا مع غييهم وجاءوا بحكومة سموها “حكومة كفاءات”, وهذا يعطي انطباعا بأن التسع سنوات العجاف التي مرت على البلاد مردها نتيجة افتقار كل الحكومات المتعاقبة لكفاءات قادرة على السير بالبلاد وأهلها نحو الرقي والازدهار وتحجز مكاننا بين الدول الكبرى.

وهنا لن نناقش كفاءة هذه الحكومة من عدمها بل سنفترض جدلا أنها على أعلى درجات الكفاءة, وأن أعضاءها لم يجد الزمان بأمثالهم وبأنهم قادرون بين عشية وضحاها على تحويل القحط الذي استبد بجميع المجالات والقطاعات إلى خصب ودرّ. نعم سنغض الطرف على كفاءتهم المزعومة ونسايرهم في ادعاءاتهم, ولكن, عليهم أن يقولوا لنا هذه الكفاءات التي بشرنا بها رئيس الحكومة المكلف “الحبيب الجملي” هل تملك من الارادة ما يكفي لتخلص البلاد من براثن المستعمر وهل من القدرة ما يخولها بأن تشق عصا الطاعة وتضرب بأوامر المسؤول عرض الحائط؟ هل باستطاعة هذه الكفاءات أن تشيح بوجهها عن املاءات صندوق النقد الدولي وتسلك غير سبيل التسول والاستجداء وتحمي ثروات البلاد ولا تتركها عرضة للنهب والاغتصاب؟ هل تنحاز هذه الكفاءات لقضايا الأمة وتخلع عنها رداء المذلة والهوان ولا تكون كالتي إذا جاعت أكلت بثدييها؟ هل بمقدور هذه الكفاءات أن تضع تحت أقدامها القوانين الوضعية وترفض التشريع من دون الله وتهجر نهائيا معبد النظام الديمقراطي وتنسف بنيانه الضرار؟ هل تقدر تلك الكفاءات على كل هذا؟

الجواب قطعا لا. فهذه الحكومة وغيرها من الحكومات السابقة تربى أعضاءها في محاضن الغرب المستعمر وشربت من مستنقعاته حتى أُسنوا إلى درجت أنها تحولت إلى دمى تتلاعب بها أيادي المسؤولين الكبار الماسكة بخيوطها هناك, إما في واشنطن أو لندن أو باريس.. وهذا شأن كل من جيء بهم إلى سدة الحكم في بلاد المسلمين من جاكرتا حتى شواطئ تطوان، لذا فالحديث عن الكفاءة في هذه الحالة لا قيمة له, والخبرات والطاقات التي يتبجحون بها لا يقام لها وزن ما دامت الارادة منعدمة وما دام الولاء لأفكار ومفاهيم وسياسات الغرب المستعمر. فهم صم لا يسمعون إلا أوامر الغرب الكافر، وبكم لا ينطقون إلا بلسانه، وعمي لا يرون إلا ما يراه هو. هم قصر فاقدين للأهلية لا يقدرون على شيء إلا إذا وجههم, -وهذا باعترافهم جميعا في كل مجالات الحكم وتسيير شؤون البلاد- ويستحيل أن تكون الوجهة غير مصالحه وأطماعه وبمجرد أن يحرك سبابته تراهم  يهرعون ركضا و حتى زخفا لتلبية أوامره.

هذا وسواء مرت هذه الحكومة الزاخرة بالكفاءات الوهمية طبعا أو يسقطها أعضاء مجلس نواب الشعب والذي هو على شاكلة كل الحكومات، لن يتغير الوضع, اذ سيتم تشكيل حكومة أخرى تحمل اسما جديدا ويكون جذابا أيضا, ولكنه بلا معنى, لأن الارادة كما هو الحال منذ الاستقلال الكاذب إلى اليوم, كل من تسللوا إلى الحكم تنعدم لديهم الارادة وجميعهم وبزعامة “بورقيبة” لا يعصون “للمسؤول الكبير” أمرا..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This