الحكومة والبنك المركزي وجهان لعملة واحدة
بحسب تصريح وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي علي الكعلي يوم الإثنين 19 أكتوبر 2020 فإن الدولة تحتاج إلى تعبئة مالية ضرورية لا تقل عن 11 مليار دينار في شكل قروض، حيث ينتظر أن يصل حجم الدين العمومي في نهاية سنة 2020 إلى 100 مليار دينار وهو رقم مرعب يعادل 90 بالمائة من الناتج المحلي الخام تقريبا. وكان مسؤول في الحكومة صرح في 16 أكتوبر 2020 لرويترز بأن احتياجات البلاد من الاقتراض في العام المقبل تقدر بنحو 19.5 مليار دينار منها 16.5 مليار دينار قروض أجنبية وهو ما لم تجرؤ أي حكومة سابقة على اقتراضه.
وقد أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي أن التعبئة المالية ستتم من خلال مواصلة الإصلاح الجبائي والاقتراض من الجهات المانحة، مؤكدا في هذا الخصوص بأن لا مناص من مراكمة علاقة الثقة مع هذه الجهات ويقصد بها المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مع إمكانية الالتجاء للبنك المركزي لتوفير السيولة اللازمة وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تضخم (5.6% حاليا) وتآكل في المقدرة الشرائية للناس.
الالتجاء للبنك المركزي:
وهكذا كان، حيث طلب رئيس الحكومة يوم الثلاثاء 03 نوفمبر 2020 البنك المركزي بالتدخل مباشرة من أجل تمويل عجز الموازنة، لافتا إلى أن “هذا الحل ليس بدعة تونسية وتم اعتماده في اقتصاديات ليبرالية في دول مشابهة لتونس مثل المغرب ومصر” وأضاف أن “البنك المركزي تمكّن من السيطرة على التضخّم وانزلاق الدينار نوع ما في الفترة السابقة، لكن اليوم قوت التونسي مهدد لذلك يجب على البنك أن يلعب دوره”. وأكد المشيشي الحرص على تعبئة الموارد الضرورية لتغطية نسبة العجز من خلال مواصلة الإصلاحات والإجراءات مبرزا أهمية إيجاد صيغ حقيقية تخرج البلاد من الوضع الحالي وتلائم بين ضمان استقلالية البنك المركزي وتعزيز دوره في تطوير المالية العمومية وتحقيق توازناتها وتنمية الاقتصاد الوطني ومعاضدة مجهودات الدولة في مواجهة التحديات المطروحة أمامها.
من جهته حمّل محافظ البنك المركزي مروان العباسي البرلمان والنواب مسؤولية ما قد ينجر عن السماح للبنك المركزي، بالتمويل المباشر لخزينة الدولة، منبها إلى أن هذا الإجراء سيؤدي مباشرة إلى إشكاليات ارتفاع نسب التصخم وانخفاض قيمة الدينار.
إستقلالية البنك المركزي:
وما يجدر ذكره أن دور البنك المركزي يتمثل في رسم السياسات المالية والنقدية للبلاد بالسيطرة على عرض المال وقيمته بإصدار العملات ووضع أسعار الفائدة وضمان سير النظام المالي والنقدي بما يخدم النظرة الرأسمالية للاقتصاد.
والسبب في استجداء الحكومة للبنك المركزي من أجل إقراضها (ثلاث مليارات من الدينارات) هو أن الفصل 25 من القانون عدد 64/2015 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي والذي تمت المصادقة عليه في 11 أفریل 2016 بضغط من الاتحاد الأوروبي وأذرعه المالية يمنع الدولة من الاقتراض من البنك المركزي ویجبرھا على التوجه حصرا للبنوك التجاریّة وھیئات النقد الدولیّة لسد احتیاجاتھا المالیّة. ولذلك منذ أن فرض الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي استقلالية البنك المركزي أصبح الاقتراض الداخلي يتم عبر البنوك المحلية التي تقترض بدورها من البنك المركزي لتفرض فيما بعد شروطها على الحكومة من خلال القروض التي تمنحها بنسبة فائدة مجحفة تثقل كاهل الشعب المثقل أصلا بالديون الداخلية والخارجية.
سرقة مدخرات الناس النقدية:
يبدو من تصريح رئيس الحكومة أن الدولة عازمة على سرقة مدخرات الناس عبر ضخ أوراق نقدية في السوق بدون زيادة الثروة، وهو ما يؤدي الى التضخم وغلاء الأسعار وتدهور في قيمة سعر صرف الدينار، ويبرز هذا في قوله: “البنك المركزي تمكن من السيطرة على التضخم وانزلاق الدينار نوع ما في الفترة السابقة، لكن اليوم قوت التونسي مهدد لذلك يجب على البنك أن يلعب دوره”، فهو يبرر الجريمة التي سيقدم عليها بتهديد الناس، بين تدخل البنك المركزي وقبول التضخم أو فقد مخصصاتهم المالية (قوتهم).
والمشيشي بذلك يريد تحميل الشعب التونسي السياسات العقيمة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، فضخ مليارات في السوق بدون زيادة في ثروة البلاد سيؤدي بالضرورة إلى غلاء الأسعار وتدهور في قيمة الدينار، ما يعني بالضرورة سرقة مدخرات الناس النقدية التي ستتآكل قيمتها الشرائية، ولنا فيما حصل بمصر خير مثال فقد خسر أهل مصر نصف مدخراتهم بسبب التضخم الناتج عن تهاوي العملة، ولذلك فإننا ننصح الشعب التونسي بتحويل مدخراتهم النقدية إلى ذهب أو عقار أو غيرها من الأموال الغير منقولة حتى لا يتعرضوا لسرقة مدخراتهم.
سبب الأزمة:
إن السبب الأساسي للأزمة الإقتصادية في تونس اليوم هو النظام الرأسمالي الذي مكّن من خلال تشريعاته الاقتصادية من وضع اقتصاد البلاد تحت الهيمنة الغربية وأذرعها المالية، حتى فرضت هذه الدول:
-
سياسات اقتصادية عقيمة تحت عنوان الإصلاحات الاقتصادية التي تشترطها المؤسسات المالية عند منح القروض
-
نهب ثروات البلاد ومقدراتها الاقتصادية باسم الاستثمار الخارجي