الحكومة وملف الطاقة: بين الغرق في رمال الإعتصامات المتحركة والإنكسار أمام إرادة التحرّر الثابتة
تحوّلَ وفد حكومي يوم الجمعة 4 أوت 2017 إلى قبلّي وعقد جلسة تفاوض جمعته من العاشرة صباحا وإلى حدود منتصف الليل، بممثّلين عن تنسيقيات اعتصامات دوز والفوار وسوق الأحد وقبلي المدينة، إضافة الى عدد من نشطاء المجتمع المدني وممثلين عن منظمات في الجهة
وضمّ هذا الوفد الذي ترأسّه وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، كلّا من وزيرة الطاقة والمناجم هالة شيخ روحه، وكاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كورشيد، وكاتب الدولة للشؤون المحلية والبيئة شكري بن حسن، إلى جانب كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي، والمستشار لدى رئيس الحكومة سيد بلال.
وبعد مناقشات طويلة وشد وجذب طالت لأكثر من 14 ساعة, فشل الوزراء في التوصل إلى اتفاق يفضي إلى فكّ الاعتصامات وفتح صمامات أنابيب نقل النفط والغاز والسماح للشركات المنتصبة بصحراء الجهة باستئناف العمل.
وفي المقابل أكد كل من الناطق الرّسمي باسم تنسيقية اعتصام دوز فاخر العجمني والناطق الرسمي باسم تنسيقية اعتصام الفوار أيمن بن عبد الله، استمرار غلق صمّامات أنابيب نقل الغاز والنفط بصحراء الجهة مع منع شركات التنقيب من العمل, ما يعني توقّف الضخّ من ولايتي قبلي وتطاوين نظرا لكون هذه الأنابيب هي التي تنقل الغاز والنفط من مناطق الإنتاج في اتجاه مصفاة الصخيرة ومحطة توليد الكهرباء بقابس.
ونشر فاخر العجمني بيانا على صفحته على الفايسبوك قال فيه أنّه “بعد 14 ساعة من التفاوض ألذي باء بالفشل, نفس منظومة ذر الرماد على العيون والوعود المجحفة و سياسة المماطلة والإستفزاز، بعد دراسة كل الطالب تم قبول معضمها، طبعا دون تحديد زمن التفعيل كالعادة بالأحرى تبين بآخر الجلسة أنها فقط هرطقات مثقفة تحت شعار الحلول الجذرية إلا أنها مساعي فقط لفتح الشركات والفانات المغلقة
بالضغط كانت الجلسة ستتحول إلى منحى إيجابي لكن الوفد كان على مستوى متدنّ من المصداقية في التفاوض وإيجاد الحلول، طبعا بعد طمأنتنا بالموافقة على مطالبنا الأساسية بتكوين لجنة مختصة في التحقيق في الغاز الصخري و النفايات النووية و النظر في اعادة العقود و نشرها و كشف حجم و نوعية الإنتاج إضافة إلى بعض المطالب التنموية كديوان التمور، لكن تبين أنها فقط وعود لا أكثر حين أردنا التبين في زمن التنفيذ”.
إضافة إلى ما لقيناه من مهانة عند التفاوض في قطاع التشغيل و التمويل: اقتراح حل بتشغيل 100 فرد لكل ولاية قبلي في شركات البترول مقسمة بين سنتين ، تشغيل 2000 في شركة البستنة على مدى خمس سنوات ،، و ضخ مبلغ مالي قيمته 30 مليار لكل الولاية !!! فقط !! نعم فقط..
سياسة إستبلاه بأتم معنى الكلمة، كتب على هته الولاية أن تعيش شتى أنواع التهميش و التفقير المُمنهج ومقايضتها على تحيين مسار نضالها و مساومتنا على حقوقنا.
رُفعت الجلسة من قبل الوفد بعد أن تبَيّن لهم أننا لسنا أصحاب ” بستنة ” ، ولا من ذوي الإنسلاخ عن مبادئهم.”
هكذا أكّد أحرار هذا العصر أن محاولات الإحتواء التي تسعى إليها الحكومة لم ولن تنجح وأن وعيهم أكبر من أن يُشترى ببضع عناوين خاوية المحتوى أو بوعود ملّ الحجر سماعها قبل البشر, وأكدوا أن “عدم الجديّة ” في اتخاذ القرارات وغياب الحلول المضبوطة والعملية للخروج من حالة النهب العلني واسترداد الحقوق بهذه الربوع واكتفاء الوفد الوزاري بسرد جملة من “عناوين المشاريع” التي روَّجَها سابقوهم للاستهلاك وترضية الساخطين,والتي على كثرتها لم يتم تحديد لا آجال انجازها ولا الإعتمادات المرصودة لها, كل هذا ليس له إلّا أن يزيد من حالة انعدام الثقة بين أعضاء التنسيقيات والطرف الحكومي ويبقي الإحساس بالخيبة عندهم كما كان مع سابقيهم وأكثر, فالحديث نفسه سمعوه من قَبل مع باقي المعتصمين في المناطق الأخرى, والخيارات نفسها وأوضح ما يخرج منها التّسويف والمماطلة والإيهام بالعمل على الإستجابة للمطالب الآنية لأهالي المنطقة, باقتراح انتداب عدد محدود من الاشخاص في شركات ذات طاقة تشغيلية هائلة, اضافة إلى محدودية الإعتمادات التي يتم رصدها للتنمية بالجهة, والهروب من الإقرار بحقيقة الوضع الطاقي في قبلي والمقدرات الإنتاجية, رغم علم الجميع بأن ما يُوفّر من عائدات لميزانية البلاد من أموال لا يساوي ربع ما تنهبه الشركات الأجنبية علنا وبعلم من الحكومة.
إن حكومة الشاهد كمن سبقها من حكومات تونس, تعلم علم اليقين أن مقترحاتها لحل أزمتها أمام المعتصمين تبقى دون المطلوب في أدنى مستوياته, وأنّ محاولاتها لاستهواء نفوس المحتجين ليست إلا محاولات لإيجاد المتنفس لها وللمتحكّم الفعلي في مجال الطاقة في البلاد وإن باءت بالفشل واضطرّت للإستعانة بمن لا صفة حكومية له, كما فعلت مع معتصمي تطاوين من قَبل حين استجلبت لهم نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل علّه يجد مع الثائرين منفذا للإحتواء, وهي تعلم وأنّ تحركات الناس للمطالبة بحقوقهم في هاته البلاد ليست تحركات اعتباطية وإن بدا على أصحابها بعض الإرتجال في أساليبهاو وأن استماتتهم في الحفاظ على عُلُوّ سقف مطالبهم نابع أساسا من يقين عندهم بأن الذي خلقهم قد قدّر لهم في أرضهم تلك أقواتهم وأقوات أبنائهم, وكل من يتحمل مسؤولية في تونس اليوم يرى بعينيه أن تحركات الناس ومطالبهم في تصاعد متواصل, تصاعُدَ ظُلم الحكام للشباب واختطاف أعمارهم وتقديمها هدية لشباب المستعمرين الغربيين, وأن تونس جزء من أمة بدأت تتحرك رمالها من تحت أرجل الخونة والفاسدين, وأن شدّة حرارة الطقس في الصحراء ولفح شمسها الحارقة لم يمنع هبوب تلك الرياح التي تحمل الوعي وتنثره بين جموع الساخطين على الحكام ووفودهم, وبين الشباب الذين طالما همّشتهم دولة الحداثة المزعومة منذ عقود, فصحراء الجنوب اليوم لم تعد ساكنة كما عهدها المُتَسلّلون لواذا من سماسرة الشركات الناهبة, ومن خونة الأمانة من قبل, ولكن هؤلاء الوزراء غافلون ويتغافلون عن حقيقة قُرب الحسم في أمر الاستعمار هذا والعاملين على تأخير انهزامه أمام إرادة الأحرار في تونس وغيرها من بلاد المسلمين عامّة, ليس في تونس فقط, بل في العالم أجمع.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون.
أحمد بنفتيته