الحياة في تونس: جحيم تسعّر أيادي الغرب نارَه, ولن تطفئه إلّا دولة الإسلام وأحكامه
صار حال الناس هذه الأيام في أدناه.. بعد أن أنهكها الجوع وأعيتها الحيل في صراع المعيشة في أدنى متطلباتها وفشلت في كسب معركة البقاء.. فتعددت أوجه المقاومة وتنوعت أساليب التكسّب.. فمن الناس من رضي التأدّم بالكُسيْرةِ الجافة والبُقيْلَةِ الذاوية.
قاعدة الفقر في تونس توسعت، لتشمل 4 ملايين مواطن وحسب معهد الإحصاء، فإن الفقير في تونس هو من يعيش في اليوم الواحد بما قيمته 4800 مليم، أما الفقر المدقع فهو في حدود الثلاثة دنانير (1.02 دولار أمريكي)، الطبقة المتوسطة تآكلت في تونس، نتيجة سياسات التبعية وتسليم البلاد للدول الاستعمارية ومؤسساتها المالية التي رهنت كل طاقاتها واستدرت منها الثورات جميعها.
همّش البشر والحجر وأرهق الشيب والشباب فمنهم من عاند الواقع وأجحف في حق نفسه وفي حق بني جنسه وجنحَ إلى الجريمة واللصوصية, ومنهم من خيّر قوارب الموت استرزاقا وبحثا عن فضاء أرحب.. حيث بين المرصد الوطني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان بلادنا سجلت أكثر من 450 مفقود في البحر و500 عائلة و1200 امرأة وصلت السواحل الايطالية في عمليات هجرة غير نظامية سنة 2021 ومنذ جانفي 2022 بلغ عدد الواصلين إلى ايطاليا 870 شخص وتم تسجيل 2722 ايقاف في 254 عملية اجتياز …
تنوعت أساليب التكسب لعدة اعتبارات ناتجة عما عرفته البلاد على مر عقود من التنكيل والتهميش خاصة بعد الثورة, حيث تراجعت المقدرة الشرائية للم بنسبة تقدر بـ 43 بالمائة وتعمقت مأساة التونسي فأصبح غير قادر على تدبر أموره بالشكل العادي ليجد نفسه في حالة من الحيرة والضياع أمام قلة حيلته وفي ظل الزيادات المتتالية لأسعار المواد الاستهلاكية.
وتتالت الأزمات وارتفعت نسبة البطالة لتبلغ ٪18.4 وفقا لنتائج المسح الوطني حول عدد السكان والتشغيل الذي قام به المعهد الوطني للإحصاء ونشرها في تقريره الخاصّ بشهر نوفمبر 2021… أزمات متتالية يعيشها التونسي بسبب انتهاج الحكام نهج الرأسمالية الجائرة وكانت النتيجة السير بالبلاد نحو الهاوية وبقي «البحث جاريا عن مطالب الشعب» مما جعل حلقة التداين عند الأسر تتوسع وتلقي بظلالها على جزء كبير من الشعب.
صار ساكن هذا البلد اليوم محاصرا بالديون بعد أن تم خنقه بالضرائب والغلاء في الأسعار, وترك لقمة سائغة في فم أصحاب رؤوس الأموال وعصابات كنز المال, وبعد تبديد مقدرات البلاد وثرواتها لدى دول الاستعمار, حيث انه وفق الدراسات الأخيرة فإن 950 ألف أسرة تونسية احد أفرادها لديه قرض و45 بالمائة منها 2 أفراد لديهم قروض. وتقدر قيمة القروض الجميلة ب 264 مليون دينار أي 26.4 مليار .
وقد كشفت نتائج دراسة أنجزها المعهد الوطني للاستهلاك، حول التداين الأسري أن 42 بالمائة من الأسر التونسية قبل سنة 2018، في وضعية تداين مقابل 25 بالمائة خلال تلك السنة، وأن شرائح الدخل كانت تتراوح بين 500 و1500 دينار وبعد سنة 2018 نزلت الشريحة إلى من صفر إلى 1000 دينار…
لا يمكن بأي حال من الأحوال الإلمام بأدق التفاصيل للمعاناة اليومية للناس إذ تختلف من فرد إلى آخر ولكنها تتقاطع وتتوحد في عنصر واحد أن الشعب ترك لمواجهة الضنك بمفرده يتخبط في جملة من المشاكل المتراكمة التي تم ذكر البعض منها وحالهم من سيّئ إلى أسوأ…
هذا هو حال الناس هذه الأيام… بعد أن أنهكها العوَز والحاجة وأعيتها الحيل وفشلت في كسب معركة المعيشة والمعاش بعد أن خذلتها كل الحكومات وفقدت الثقة في جميع من تصدّوا للحكم.
إلّا الرائد الذي لا يكذب أهله..
وبالتوازي مع ذلك وبالتوازي أيضا مع مسارات التخبط الذي يشهده حكم الرئيس قيس سعيد وما تخرجه القنوات الرسمية من أخبار عن لقاءات تجمعه بأطراف ومنظمات للتمهيد لحوار وطني حول تفاصيل الحكم من جديد.. نجد خبراء ومحللين وسياسيين وغيرهم كثير يطلبون من الرئيس كل يوم إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية وبعث خلية أزمة.. ويقترحون عليه –بشدّة- دعوة ما يسمونها بالمنظمات الوطنية, والكفاءات الخبيرة في الشؤون الاقتصادية والمالية إلى «مجلس أمن قومي» لتدارس «قضايا الأمن الغذائي» في تونس… بينما لا تجد منهم واحدا يدله على طريق أحكام الله في الاقتصاد ويذكّره بأن لنا خالقا حكيما قال في محكم تنزيله: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون” (الأعراف آية 96).
فباستثناء حزب التحرير الذي يطرح نظام الإسلام العظيم وأحكامه في الرعاية والإقتصاد, لا أحد ممن يعتبرون أنفسهم سياسيين وخبراء يقدم ما ينفع الناس, بل جميعهم وللأسف حبسوا أنفسهم في مواقف الدول الأجنبية يتابعونها في أدق تفاصيل حياة التونسيين لمعرفة مدى قدرتها على الضغط أو منتظرين «للرجل الغربي المخلّص»…
في هذا النظام العالمي جميع الشعوب ترزح تحت العبودية والاستغلال والوصاية والاستعمار المباشر والحروب العبثية..، ونحن في تونس في وضع البلد الذي يرزح تحت ذلك كله, البلد الذي تتربّص به المخاطر من كل الجهات ولكنّ الشغل الشاغل ل”ساسته” إرضاء الأوصياء الغربيين ووفودهم التي تحلّ على قصور الحكم بشكل ماراطوني..، فلا ينتظر عاقل من طغمة الحكم التابع المنصاع لأوامر وتوجيهات الغرب خيرا قطّ. بل ننشد وقفة رجال مخلصين لله ولرسوله وللمؤمنين بيقين كامل في أحقية حكم الله فوق كل أهواء العابثين, رجال بوصلتهم واضحة، الحق, حق الله في الأمر والنهي والتحليل والتحريم, وتسيير شؤون البلاد وفق ما ارتضاه للمسلمين وأهل تونس منهم, ويكفي شيء التقوى من المسؤولية أمام الله من قبل أهل الرأي والحكمة وأصحاب القوة القادرين لوضع حدّ لهذا الجنوح والعبث وقطع الطريق أمام المتربّصين بالبلاد سواء من داخلها أو خارجها.
ولقد كانت ملحمة 14 جانفي 2011 قاب قوسين من أن تعصف بنظام الحكم الرأسمالي الجائر ومتفرعاته الديمقراطية الملتفة على الحكم, غير أن مكر حكام تونس الجدد ومعارضيهم وكمّ المكائد والمصائد الغربية التي ضخّت في المجتمع حالت دون ذلك وبتنا على وشك السقوط الأخير، وإذا لم يجنح المخلصون والعاقلون في الإنقاذ بأقصى السرعة فإن الأزمة الجاثمة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقيمية الخانقة، ستجعل الحياة في هذا البلد جحيما لن يفلت منه أحد. رغم أن آبار البترول لم تنضب والأرض لم تبتلعها البحار والسماء لم تمنع الغيث لكننا في عصر الكفر وحكم الرأسمالية, حكم الظلم والظلمات والإجرام, بينما خيرات الله كثيرة ونعمه وفيرة ولكن من يتسلم زمام الأمور هم أرذل خلق الله, حكام لصوص عملاء خونة مجرمون.
فهل نحن عن نصرتهم منتهون ولإرساء حكم الإسلام القويم عاملون ؟
أحمد بنفتيته
CATEGORIES محلي