الخلافات بين الجزائر وفرنسا وجرائم الاستعمار

الخلافات بين الجزائر وفرنسا وجرائم الاستعمار

عبّرت الجزائر، في 19 مارس 2025 عن استيائها الشديد من قرار القضاء الفرنسي برفض تسليم الوزير السابق عبد السلام بوشوارب، المحكوم غيابيا بسبب ملفات فساد واختلاس كبرى خلال عهد الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاح به حراك شعبي غير مسبوق سنة 2019، ونددت بما وصفته بـ”الغياب التام لتعاون الحكومة الفرنسية” في مجال المساعدة القضائية المتبادلة.

ويُعد الوزير السابق الفار عبد السلام بوشوارب من أبرز الشخصيات السياسية التي كانت مقربة من دائرة الحكم في عهد بوتفليقة، وقد تولى حقيبة وزارة الصناعة والمناجم من 2014 إلى 2017، قبل أن يغادر الجزائر إلى فرنسا في عام 2019 مع بدء فتح ملفات الفساد الكبرى التي أطاحت بعدد من كبار المسؤولين. وتمت بعدها انتخابات فاز خلالها عبد المجيد تبون وهو أحد رجالات بوتفليقة الذي أوصلته بريطانيا إلى وذلك بالاتفاق مع رجالات فرنسا سنة 1999، بعد العشرية السوداء التي قتل فيها رجالات فرنسا في الجيش الجزائري 250 ألف من المدنيين بعد قطع الطريق أمام وصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت في انتخابات 1991.

  : تداعيات سياسية وقضائية

وقد أدى قرار الرفض الفرنسي إلى سجال وفتح ملفات أخرى عالقة بين البلدين تتمحور خصوصا حول الذاكرة وجرائم الإستعمار، والتعاون الأمني والهجرة.

 : ملف الهجرة

وقد قوبل الاحتجاج الجزائري على القرار القضائي الفرنسي بالتهديد من طرف وزير الداخلية الفرنسي  بمراجعة شاملة لقانون الهجرة المبرم بين البلدين سنة 1968 , بعد رفض الجزائر استلام مجموعة من الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية على الأراضي الفرنسية.
ويختلف تعامل السلطات الفرنسية مع المهاجرين الجزائريين عن غيرهم، لأنهم محكومون باتفاق 1968 وليس بقانون الهجرة الفرنسي العام، الذي يسري على جميع المهاجرين الأجانب.
والسبب في ذلك هو أن اتفاق 1968 يدخل ضمن الاتفاقيات الدولية، وليس قانوناً محلياً. وأحكام الاتفاقات الدولية أعلى درجة في التشريع من أحكام القوانين المحلية، وبالتالي تتقدم عليها في التنفيذ.
ولكن باريس أجرت ثلاث تعديلات على اتفاق 1968 لجعله أكثر انسجاماً مع قوانينها العامة، وجرى التعديل الأول في 1985، والثاني في 1994، ثم جاء التعديل الثالث في 2001، ليفرغ الاتفاق من محتواه الأصلي.
وقبلها كانت السلطات الفرنسية قد فرضت، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1986، التأشيرة لدخول أراضيها على جميع المواطنين من دول المغرب العربي، بمن فيهم الجزائريين.

 : ملف الذاكرة وجرائم الاستعمار

وهو ملف حال دون تطبيع العلاقات بين البلدين منذ استقلال الجزائر عام 1962. وقامت محاولات لإحداث «مصالحة»، على إثر زيارة أداها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، لكن «منغصات» كثيرة منعت التقارب في هذا المجال، منها مساعٍ أطلقها اليمين التقليدي واليمين المتشدد، خلال هذا العام، لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يسيّر مسائل الإقامة والدارسة والتجارة و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.
وعدَّت الجزائر هذا المسعى بمثابة استفزاز لها من جانب كل الطبقة السياسية الفرنسية، حكومة وأحزاباً، حتى وإن لم يحققوا الهدف. ومما زاد العلاقات صعوبة، رفض فرنسا العام الفائت ، طلباً جزائرياً لاسترجاع أغراض الأمير عبد القادر الجزائري، المحجوزة في قصر بوسط فرنسا، حيث عاش قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، أسيراً بين عامي 1848 و1852. وتسبب هذا الرفض في إلغاء زيارة للرئيس الجزائري إلى باريس، بعد أن كان تم الاتفاق على إجرائها خريف 2024.

وفي هذا السياق كشفت الوثائق المسربة بعد 50 عام  من وزارة الدفاع عن تفاصيل مرعبة عن استخدام الجيش الفرنسي للغازات السامة ضد الجزائريين، واستخدام  لأسلحة مثل النابالم ضد المدنيين الجزائريين، وهي جرائم موثقة في أرشيف وزارة القوات المسلحة الفرنسية. هذا بالإضافة إلى  النفايات المشعة الناتجة عن التجارب النووية في جنوب الجزائر التي لم تعترف بها باريس بعد،

ووفقًا لقانون 2008، يجب رفع السرية عن الوثائق بعد 50 عامًا، لكن وزارة الدفاع فرضت آلية بيروقراطية معقدة، تقضي بمعالجة كل وثيقة على حدة، مما زاد من صعوبة الوصول إليها. وعلى الرغم من فتح بعض الأرشيفات بين عامي 2012 و2019، إلا أن وزارة الدفاع أغلقت الأرشيفات المعاصرة في ديسمبر 2019، بحجة نزاع قانوني حول إجراءات رفع السرية.

 : من آثار الاستعمار الفرنسي

وفي ظل السجال بين البلدين تم فتح  ملف العقارات التي بلغت العشرات، تستغلها فرنسا بعقود أبرمت زمن الاستعمار البغيض بأسعار زهيدة منها السفارة الفرنسية التي تمسح 15 هكتار وإقامة السفير  الفرنسي ولا يبلغ مردود 61 عقار  من تأجير غرفة واحدة بمدينة باريس الفرنسية، وهو ما يؤكد أن فرنسا تعامل الجزائر كأنها محمية من محمياتها لذلك غضبت باريس غضبا شديدا من سعي الجزائر  منذ سنوات نحو تعزيز استخدام اللغة العربية والإنجليزية في التعليم والمؤسسات الرسمية، وهو ما ظهر جليًا في إدخال الإنجليزية ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات. بالإضافة إلى تقديم مشروع قانون جديد هذه السنة من طرف بعض النواب يهدف إلى إلغاء إصدار الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية، وحصر نشر النصوص التشريعية والتنظيمية باللغة العربية فقط، وهو ما عدته باريس خطوة خطيرة لتقليص نفوذها الثقافي.

: ملف الطاقة

وقد باتت عقود النفط والغاز بين الجزائر وفرنسا على المحك مع تصاعد حدة التوترات السياسية بين البلدَيْن، خلال الفترة الحالية، بعد قرار باريس إبعاد عدد من الجزائريين المقيمين في البلاد.
ويُضاف ذلك إلى التوترات الحاصلة بين البلدَيْن على خلفية اعتراف فرنسا بالحكم الذاتي للمغرب على الصحراء الغربية، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس خلال يوليو/تموز الماضي.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مسؤولة، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة (مقرّها واشنطن)، إن الجزائر تراجع حاليًا موقف عقود تصدير النفط والغاز المسال إلى فرنسا، التي ينتهي بعضها بحلول عام 2030. ولا تبدو هذه الخطوة ممكنة في ظل العقلية السياسية التي تعتبر النفوذ الأجنبي قدر لا يرد، فهذه العقليات لا تتخلص من نفوذ أجنبي إلا لصالح نفوذ أجنبي آخر، وهذا حال العالم الإسلامي منذ سقوط دولتهم دولة الخلافة.

 : التحرر الشامل

إن بلدا مثل الجزائر يزخر بالثروات الطبيعية الهائلة والطاقة البشرية الحية والتاريخ الإسلامي المضيء لقادر ان يكنس النفوذ الأجنبي ويمحو كل آثاره  من بلادنا وذلك بجعل الجزائر  مرتكزا لدولة كبرى تستند في قرارها وسياستها على سيادة الشرع وسلطان الأمة دون غيرهما

CATEGORIES
Share This