الدولة تهدد أمننا الغذائي مع سابقية القصد والإضمار

الدولة تهدد أمننا الغذائي مع سابقية القصد والإضمار

انتابت الناس في تونس حالة شديدة من الذهول والاستغراب وأعينهم تشاهد آلاف القناطير من القمح والشعير ملقاة على قارعة الطريق دون أن يرتجف للقائمين على شؤون البلاد جفن ولم يتحرك لهم ساكن. صيحات جزع وفزع أطلقها الفلاحون محذرين من وقوع كارثة تأتي على محصول هذا العام فكانت تحذيراتهم عبارة على صرخة في وادي تلاشى صداها على عتبات مكاتب الحكومة وذهبت أدراج الرياح. حصل هذا في الوقت الذي يكاد ينقطع الحديث عن حتمية وضرورة حماية الأمن الغذائي للبلاد عن خطابات الدمى الجالسة على كراسي الحكم منذ عهد “بورقيبة” مرورا ب “بن علي” وصولا إلى الحكومة الحالية.

وكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة يكاد حديثهم عن الأمن الغذائي وأهميته لا ينقطع وتقديمهم للاستراتيجيات الكفيلة بتوفير الأمن الغذائي لا تتوقف. وفي كل مرة تصم أذاننا جعجعتهم دون أن نظفر ولو القليل من الطحين. وعلى ذكر الطحين رغم المحصول القياسي للحبوب هذا العام ستقوم الدولة بتوريد 92 ألف طن من القمح والذريعة التي قدموها لنا أن هذه الكمية من القمح اللين الذي مهما كان المحصول وفيرا فان أرضنا لا تنتج منه ما يسد احتياجاتنا من الخبز ونحوه لهذا قدرنا أن نورد وليس من سبيل لنا سوى التوريد لتزداد أرصدة اللوبيات انتفاخا وتزداد البلاد ارتهانا للخارج وتشتد المقدرة الشرائية للناس انحدارا وتدهورا. والمؤشرات الدالة على أن أمننا الغذائي بات مهددا أكثر من ذي قبل عديدة ومتعددة ولا يمكن لغربال حكام تونس تغطيتها وحجبها ومن أهمها:

التفقير الزراعي

أصدر المعهد الوطني للإحصاء إحصائيات تؤكد أن أزمة الفلاحة في تونس ليست أزمة عابرة مرتبطة بظرف سياسي معين إذ شهدت مؤشرات الانتاج الفلاحي خلال السنوات الماضية منحى تنازليا يعكس الاضعاف الممنهج لهذا القطاع حيث ارتفعت الواردات الغذائية بين سنوات 2013 و 2017 بنسبة 23.9% لتبلغ 5786 مليون دينار, وذلك تزامنا مع تدني قيمة الدينار ليبلغ العجز المالي في الميزان التجاري الغذائي 1354 مليون دينار مقابل 1075 مليون دينار سنة 2016 وقد شمل ارتفاع الواردات بالخصوص المنتجات الفلاحية الأساسية على غرار القمح الصلب بنسبة 15 بالمائة والقمح اللين بنسبة 27 بالمائة. ويشير بيان أصدرته وزارة الفلاحة إلى تضاعف توريد مادتي البطاطا واللحوم الحمراء بتعلة تعديل الأسعار في السوق المحلية والنتيجة لا الأسعار عدلت ولا أزمة المستهلك فرجت. هذا وقد أشار البيان ذاته الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء إلى تراجع المساحات المخصصة لزراعة الحبوب بشتى أنواعها بنسبة 10.7% لتنخفض على سبيل المثال المساحة المخصصة لزراعة القمح الصلب من 678 الف هكتار سنة 2011 إلى 540 ألف هكتار سنة 2015 وقد انخفض اجمالي الاراضي الزراعية من 979001 كلم مربع سنة 2012 إلى 97607 كلم مربع سنة 2015 ووفق نفس البيان تراجعت المساحات المخصصة للغرسات بنسبة  29 بالمائة أي من 6671سنة 2012 إلى 4690سنة 2016

العزوف عن الفلاحة

انعكاسات سياسة الدولة لم تقتصر على تراجع الانتاج الفلاحي وتهديد الناس في قوت يومهم فحسب بل طالت عنصرا هاما وركيزة أساسية في المجال الفلاحي ألا وهو الفلاح وانعكست بشكل مباشر على 495200 عامل في القطاع الفلاحي، إذ أدى تراكم مخلفات السياسة الفاشلة عن قصد إلى تضخم ديون الفلاحين لتناهز سنة2107. 1200 مليون دينار حسب ما صرح به ” عبد المجيد الزار ” رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري لاحد الاذاعات مما جعل ممارسة النشاط الفلاحي من الأعمال غير المرغوب فيها لدى فئة الشباب, وهذا ما جعل القطاع الفلاحي يعاني من الهرم حيث يمثل الفلاحون الذي تفوق أعمارهم 60 عاما نسبة 43 بالمائة. هذا دون الحديث عما يمكن اعتباره أمية فلاحية التي بلغت نسبة 46 بالمائة والتي شكلت عائقا كبيرا أمام تعامل الفلاحين مع التكنولوجيات الحديثة للقطاع والتكيف مع التطور التقني الحاصل في العالم. والى جانب هذه العوامل وعوامل عديدة لم نأتي على ذكرها هناك عامل أخر هام ألا وهو تدخل صندوق النقد الدولي وتحديده لسياسة معينة على بيادق الاستعمار التحرك وفقها ولا يجوز لهم الحياد عنها قيد أنملة حيث تقلص الناتج المحلي الخام في السنوات الخمسين الأخيرة من 24 بالمائة سنة 1968 إلى 8 بالمائة سنة 2017 حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فكل القطاعات الاقتصادية أخذت مسارا تنازليا خاصة سنة 1986 تاريخ طرح برنامج الاصلاح الهيكلي المفروض من صندوق النقد الدولي الذي أتى على الأخضر قبل اليابس. وما كان لكل ما ذكرنا أن يحصل لولا الدولة التي ما من ارادة لها إلا ارادة تجويعنا فقط لتخدم أي مسؤول كبير ولا ترقب فينا إلاّ ولا ذمة من اجل عيون دولته ومن أجل رفاه شعبه على حسابنا نحن ليخرج علينا دجالوا الاعلام والدكاكين السياسية ويبشروننا باستمرار الدولة ويتباهون ببقائها رغم المكائد..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This