الديمقراطية كبرى الجوائح وأفتك الأوبئة

الديمقراطية كبرى الجوائح وأفتك الأوبئة

تطلق كلمة جائحة على كل آفة أو كارثة لم تكن من صنع البشر مثل الجفاف والعواصف, وزحف الجراد, ونحو ذلك من الآفات التي تهلك الزرع والضرع. كما تطلق أيضا على الأمراض التي تصيب في آن واحد عددا كبيرا من البشر في مناطق متعددة من العالم.

وبما أن أبرز ما في الجائحة هو إلحاق الضرر الجسيم والفادح بالممتلكات والأرواح, جاز لنا أن نطلق تسمية جائحة على آفة هي من صنع البشر ومن تدبيره ونتاج فكره, ومن صُنع يديه، منشؤها الأول بلاد الإغريق, تطورت وتغيرت من زمن إلى آخر كما يتطور كل فيروس وبائي, إلى أن بلغت ذروة  شراستها في عصرنا الحالي. إنها الديمقراطية التي اجتاحت العالم الإسلامي منذ تم هدم حصن الأمة المنيع وركنها الركين دولة الخلافة، وتحول الجسد الواحد إلى مزق متناثرة كل مزقة يحكم أهلها رويبضة محاط بما يسمونهم بالنخب والمثقفين, شربوا جميعهم من مستنقع حضارة الغرب وأخذت منهم مفاهيمه كل مأخذ مما وفر البيئة الملائمة لينتشر وباء الديمقراطية. حصل هذا بعد احتلال مباشر مهّد لتلك الأجواء, وبعد الضعف الفكري الذي غرق فيه المسلمون وابتعادهم عن الإسلام بوصفه نظاما يعالج جميع مشاكل الحياة، فالتبس عليهم الأمر مما سمح لشياطين الغرب أن يسقوهم هذا السم الزعاف فاتخذوه إلاه لا يعصون له أمر ولا يبغون عنه حولا.

وبما أن الديمقراطية صاغت نظامها الأهواء البشرية فهي عاجزة تمام العجز عن رعاية شؤون الناس, فلا يوجد في خزائنها ما يسد رمقا أو يبرئ ألما أو ما يأوي مشردا.. لهذا ألقى سحرتها عصيا وحبالا اسمها الانتخابات وتمكنوا من إرهاب بصائر وأبصار الكثير من الناس وأقنعوهم أن صناديق الاقتراع هي مركب نجاتهم من الفقر والجهل ومن كل سوء. كل ما عليهم فعله هو الإقبال على صناديق الاقتراع بكثافة وسيختفي في طرفة عين كل بؤسهم ومعاناتهم. وإلى جانب هذا كان التركيز على مسألة أخرى وجعلوها من أعظم نعم الديمقراطية الزائفة وهي مسألة التداول السلمي على السلطة, والحال أن هذا التداول المزعوم غير موجود, فمع تعدد المواسم الانتخابية وكثرة المغادرين لكراسي الحكم والوافدين عليها يبقى نفس النظام وذات القوانين لا تتغير ولا تتبدل, يذهب فلان ويأتي علان, والنظام هو ذاته ثابت في مكانه يحصد من ورائه الأفاكون والدجالون المكاسب والمغانم شخصية كانت أم حزبية، ولنا في ما يحصل هذه الأيام في الساحة السياسية في تونس خير مثال. فرغم سقوط عرش بن علي لم يخسر النظام الديمقراطي سطوته وهيمنته, فالانتخابات الديمقراطية مكنت من التداول السلمي على السلطة وسمحت لإفرازات صناديق الاقتراع ولوج القصور الثلاث: قرطاج والقصبة وباردو. نزلت أحزاب وصعدت أخرى بفضل بركات الديمقراطية وتغير المظهر الخارجي أكثر من مرة، لكن الحال ظل كما هو عليه بل ازداد تدهورا وساءت أحوال الناس أكثر فأكثر، والسحرة الجدد يتغزلون صباحا مساء بمحاسن الديمقراطية المتمثلة في ذاك الهرج والمرج تحت قبة برلمانهم.. فبعد أن اتخذوا هذا الفضاء بؤرة منكر ينازعون فيه حق الله في التشريع, حولوه في  ظاهره إلى ساحة لهوٍ وعبث أطفال, وفي باطنه صراع بالوكالة  من أجل مصالح وأطماع القوى الاستعمارية في بلادنا وخيراتها, فبعد كل مزلة تقع في جلسات مجلس نواب الشعب نرى الوجوه مستبشرة بما حصل ونسمع خطبا عصماء تمجد انتصار الديمقراطية وتعلي من شأنها, وكلما كبرت المهزلة كثر الاستدلال بما يقع في برلمانات أعتا وأعرق البلدان الديمقراطية إلى درجة أن بعضهم تفاخر بسب الجلالة في مجلس نواب الشعب وهذا حصل في البرلمان السابق. وهذا يحيلنا إلى أهم وأخطر أعراض هذا الوباء وهي أعراض ما يسمونه الحريات الفردية, فالشذوذ والفسوق والارتداد عن الدين, وإتيان كل الموبقات دون حسيب أو رقيب من أهم ما تبشر به الديمقراطية, فكل هذه القاذورات اكتسحت عالمنا الإسلامي ورصدت من أجل تفشيها فينا الأموال الطائلة وجندت لها جحافل من الناعقين والمروجين للديمقراطية, والغاية هي طمس الحضارة الإسلامية وتغييب مفاهيمها وفسح المجال لوجهة نظر الغرب للحياة لتحل محل مقاييس الإسلام ومفاهيمه ويبتعد المسلمون بشكل نهائي عن دينهم وأحكامه وينصهر العالم الإسلامي في نمط عيش يخالف تماما عقيدة المسلمين وما انبثق عنها, ومن ثمة يخلو الجو للقوى الاستعمارية لاستباحة  أراضينا وأعراضنا, وهذا ما حصل ويحصل الآن في الصين وبورما وفلسطين واليمن والعراق وسوريا حيث يشاهد العالم بأسره وبصمت مدوي ومفضوح ما يحصل للمسلمين من تقتيل وإبادة وتشريد وتهجير برعاية أمريكا الداعي الأساسي لتمكين النظام الديمقراطي في الأمة, فهل أمريكا العدو المركزي للمسلمين ومن ورائها باقي أشياعها من القوى الاستعمارية تريد بنا خيرا حين تعمل جاهدة على حشرنا طوعا أو كرها في جحر الديمقراطية؟

الجواب جاء به الوحي وهو قوله تعالى “ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتى تتبع ملتهم”…

أ, حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This