الدّيمقراطيّة نظام عاجز عن حفظ سيادتنا وصون كارمتنا

الدّيمقراطيّة نظام عاجز عن حفظ سيادتنا وصون كارمتنا

  1. النظام الديمقراطي لم يحل أزمات تونس بل زادها تعقيدا وجعلها تحت الوصاية الاستعماريّة:

في الوقت الذي يقر فيه كل الخبراء أن “الوضع الاجتماعي” في تونس يزداد سوءا يوما بعد يوم خاصّة بعد ثورة الشعب التونسيالذي ذاق ويلات الظلم والإجحاف من غطرسة وصلف بورقيبة وبن علي وسياستهما التي دفعت بالبلاد نحو متاهات غريبة الأهداف ( كالسعي المحموم لتركيز ما سمي حينها بالاشتراكية البورقيبية حتى إذا انكشف زيفها بما جرته من انهيار الاقتصادولنفسية الناس وتحطيم للروابط الانسانية بين أفراد المجتمع،وقع التخلّي عن تلك السياسة بجرّة قلم أو بل بقرار من الزعيمالتي، وبدأت الدعاية الاعلامية  لمحاسن الليبرالية والحرية الاقتصادية، وقانون 72، وما تلا هذا الإجراء من أزمات تتالت على البلاد مما اضطر “السيد الغربي” للمبادرة بتغيير “الوكلاء” ليزجوا بالناس في متاهة ما سمي بالإصلاح الهيكلي منذ 87، فطال التعليم والثقافة والاقتصاد …  وخرّب النسيج المجتمعي أو الباقي منه ممّا تركته آلة الهدم البورقيبية).

هذا الشعب الكريم علق كبير الآمال على إرادة شباب الثورة واندفاعهم، يجد نفسه اليوم في ذات الوضع الذي تحرك من أجل تغييره، وما زال يواصل احتجاجاته على النّظام التي بدأها منذ أواخرالعهد النوفمبريمنذ أحداث الحوض المنجمي وبن قردان (جوان 2010)، يشهد اليوم:

       ــ خيرة أبنائه من حملة الشهائد العليا يتسوّلون عملا في اعتصامات تمتد لأشهر قاسية، أمام الوزارات والمؤسسات،فوزارة التربية مثلا تعترف أن قطاع التعليم الأساسي والثانوي يلزمه خمسة عشر ألف وظيفة إضافية، لكنّهارفضت انتداب الإطار تربوياللازم لأبنائنا بذريعة أنّ التوازنات الماليّة لا تسمح والحقيقة أنّ صندوق النقد الدّولي ألزم الحكومة بعدم الانتداب إلى سنة 2020 بما يعني أنّ الحكومة ومنها وزارة التربية لا تعير للإنسان في هذا البلد من وزن أمّا تغنى القائمين على البلاد بأن هذه الشبيبة هي رأس المال الذي نفخر به، فكلام للاستهلاك المحلّي فاسد.

        ــ  اعتصاماتلنسوة بائسات أمام إدارات لم يدرك القائمون عليها حجم المعاناة التي يعشنها، وأمام مصانع طالما استنزفت من طاقتهن حتى إذا استنفدتها أطردن وألقين لمصيرهن …

        ــ قرى نائية وأحياء تحيط بكبرى المدن تدنت مستويات العيشفيها حتّى باتت تخشى فصل الشتاء لعدم قدرة أهاليها مجابهة متطلباته.

     وقد أورد تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن التحركات الاحتجاجية الاجتماعية الجماعية والفردية، قدبلغ عددها 1212 تحركا احتجاجيا لشهر نوفمبر 2016 مقابل 986 تحركا في شهر اكتوبر و787 تحركا في شهر سبتمبر 2016.

  1. الحلّ عند الحكومة واحد في كلّ الأحوال: مزيد من الضرائب:

     وها نحن في آخر 2017 وما زال الخبراء مجمعون أن الوضع الاقتصادي في تونس كارثي بكل المقاييس، حتى صار يشبه الحالة اليونانية.

     ولكنّ الحكومة المنشغلة بميزانية 2018 فلا تفكّر في الانسان وحياته بل كلّ همّهم التوازنات الماليّة والمعادلات الحسابيّة التي وضعها صندوق النقد الدّولي. فلا كلام هذه الأيّام إلّا عن تعبئة الموارد،فبعد أن تحددت الاعتماداتالمقترح رصدها ب: 38.102 مليار دينار مقابل 34.916 مليار دينار سنة 2017. مع العلم أن القدرة على التمويل الذاتي 9.5 مليار دينار، فيما يبقى العجز الواجب تسديده في حدود 15 مليار دينار.مما اقتضى زيادة الأداء على القيمة المضافة ليصبح 19% مقابل 18% حاليا والترفيع في الأداء على المرابيح من 5 إلى 10% وكذلك في الموارد المتأتية من الأداء الموظّف على الاستهلاك. هكذا “تفكّر الحكومة” كيف ستجمع الأموال من النّاس ولا يعنيها ما سيجره زيادة الضرائب من انهيار القدرة الشرائية المنهارة أصلا.

   أغلب الطّبقة السياسيّة في تونس خاضعة لإملاءات صندوق النقد الدولي وشروطه، فالصندوق يربط أقساط القروض الممولة لميزانية الدولة بجملة من الشروط السالبة للسيادة ويسميها “إصلاحات”، (ومنها مواصلة برنامج إعادة هيكلة البنوك العمومية والتقليص في كتلة الاجور في الوظيفة العمومية و”إصلاح” المنظومة الجبائية) وصندوق النقد يجمّد صرف أقساطالقرض إلى أن تطبّق الحكومة ما فرضه، أو تتقدّم فيه، ولا يصرف الصندوق الأقساط حتّى يُرسل بعثاته الرقابيّة التي تطّلع على كلّ الملفّات وعلى أسرار الدّولة التي لا يعرفها كثير من الوزراء.

أليست تونس تحت الوصاية المباشرة؟ أين السيادة؟ وما بال الدّيمقراطيّة لا تحفظ لأهل تونس سيادة ولا كرامة؟ فأين الكرامة وصندوق النقد ذراع الدّول الاستعماريّة يمنع الأموال ويصرفها حسب إرادته؟

هل انعدمت الحلول حقّا؟    

كلّالحكومات المتعاقبة أهملت الفلاحة إهمالا وافتقدت سياسة نهوض بالفلاحة بل إنّها منعت النّاس من استثمار الممكن المتاح من طاقة انتاجية توفرها أراض خصبة شاسعة، وعطّلت طاقة بشرية خبيرة وفاعلة حتى توفر الأمن الغذائي وتحقق المنعة وتقطع التبعة والحاجة إلى ضغوط قوى الإنتاج العالمي، حتى غدت أرضنا بورا وقل انتاجها. بل إنّنا صرنا نسمع إعلانات وبلاغات من وزارة الفلاحة تطلب من الفلاحين ترك الزراعة بتعلّة قلّة المياه. هذا والجميع عاش وشهد في العام الفارط فيضانات. أضرّت بمناطق كثيرة من البلاد. فأين الدّيمقراطيّة؟ ما بالها نظاما عجز حتّى عن توفير الأكل، بل جعلت أغلب قوتنا مرهونا بما نستورده من وراء البحار وخاضعا للمضاربات والمساومات الخارجية.

كلّ الحكومات عجزت عن فهم طبيعة تحركات أهل المناطق المنتجة لثروات باطنية كالنفط والغاز والفسفاط( تطاوين، قبلي، قرقنة الحوض المنجمي …) أو المحولة كالملح( الساحلين، جرجيس …) ، فشباب تونس المحتجّين خرجوا يريدون استعادة ثروات بلادهم، فهم أحقّ بالانتفاع بها من الشركات الاستعماريّة النّاهبة. لكنّ الحكومات بدل أن تستعيد الثروات ممن يسرقها وقفت تدافع عن الشركات الاستعماريّة وزجّت بالقوّات العسكريّة تريد أن تسخّرها لحماية المستعمرين، فاستغلّ الباجي قايد السبسي منصبه كقائد أعلى للقوّات المسلّحة وأمر بعسكرة مناطق الثروة، لتحتدم الأزمة ويصبح التونسيّون يواجه بعضهم بعضا:القوى العسكرية والأمنيّة، في مواجهة شباب ثائر يريد استعادة حقّه.

 نعم تحقّقت الدّيمقراطيّة في تونس، وبفضلها السيادة مفقودة وتونس تحت وصاية الكوميسيون المالي صندوق النّقد، وثرواتها بأيدي أعدائها بحماية جيش تونس وشرطتها 

  1. الدّيمقراطيّة خدعة المستعمر ووسيلته في الهيمنة على الشعوب :

ولكنّ في تونس من يكذّب الحقائق الساطعة التي لاتخطئها الأبصار ليوهم نفسه أننا على الدرب السوي وأن تونس استثناء في المنطقة ونموذج يحتذى به.

هكذا تكلّم “ميشال توبيانا” رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، بعد لقائه بالباجي قايد السبسي، بقصر قرطاج، وبرئيس الحكومة يوسف الشاهد،بالقصبة وبمهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.ميشال توبيانا هذا جاء يربّت على خدود المسؤولين في تونس ويشكرهم على خدماتهم الجليلة للديمقراطيّة وحقوق الانسان جاء يشكرهم على خدمة الغرب الصليبي ومحاربة أحكام الإسلام (المصادقة على قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة( اتفاقيةسيداو) واختتام دورة الحرب على الأحكام الشرعية بالطعن  في أحكام المواريث وإباحة زواج المسلمة بالكافر.)

توبيانا هذا استقبله حكّام تونس استقبال الفاتح وتفاخروا فرح بشهادته الزّور واتخذوها علامة نجاح وفلاح.

وللعلم ف”ميشال توبيانا” هذا سليل الاستعمار الفرنسي، هو من يهود فرنسا المستعمرين للجزائرهرب منها عام 1962 إثرالثورة الجزائرية، وهو المحامي الذي دافع عن “موريس بابون” قائد شرطة باريس ومجرم مجزرة 17 أكتوبر 1961إثرمظاهرة العمال المهاجرين الجزائريين احتجاجا على الجرائم البشعة التي كانت ترتكب في حقهم من قبل الشرطة الفرنسية وأعوانهم من الحَرْكىينزمن الاستعمار الفرنسي للجزائر: خرجت مظاهرة سلمية نظمها المهاجرون الجزائريّون في العاصمة الفرنسية شارك فيها أكثر من 60 ألف متظاهر فأصدر موريس بابون، هذا الذي دافع عنه ضيف الدولة التونسية، ميشال توبيانا، الأوامر المباشرة إلى الشرطة والحركىين بسحق المتظاهرين، مما أسفر عن أكثر من 300 شهيد مات أغلبهم غرقا في نهر السين، إلى جانب 400 مفقود يبقى السؤال قائم عن سر اختفائهمإلى اليوم.

هذا ما يدافع عنه ميشال توبيانا وأضرابه. وحقوق الانسان عنده هي “حقوق” المستعمر الغربي في الهيمنة على بلاد المسلمين

وهذا هو النظام الديمقراطي سراب خلّب خادع يحسبه الضمآن ماء

CATEGORIES
TAGS
Share This