الذّئب في حظيرة الغنم: صندوق النّقد في القصبة … والبنك الدّولي في قرطاج
صندوق النّقد الدّولي في تونس بدأ محادثات مع الحكومة في 14 فيفري 2022، وفي نفس اليوم يأتي مبعوث البنك الدّولي ” فريد بالحاج” يقابل وزير الشّؤون الاجتماعيّة، ثمّ الرئيس قيس سعيّد يوم 15 فيفري، وفي نفس الأسبوع يسافر قيس سعيّد إلى أوروبا حيث تنعقد القمّة الأوروبيّة الإفريقيّة، وحيث تزعم الدّول الأوروبيّة أنّها إنّما تعقد مثل هذه القمم من أجل إنقاذ إفريقيا.
الرئيس قيس سعيّد، مازال يخطب ويخطب عن السيادة، فهل هو جادّ؟ يتحدّث بعضهم عن مشروع خاصّ لقيس سعيّد، فأين هذا المشروع؟ وهل يختلف عن سابقيه؟ الرئيس سعيّد لا يختلف في شيء عن سابقيه فهو كغيره يرتمي على أعتاب صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي ينتظر رضاهم، ومشاريعهم وهو كسابقيه يُهرول نحو أوروبا يظهر لهم أنّه ديمقراطي وأنّه لن يكون “دكتاتوريّا في مثل هذه السنّ” ولا ينسى أن يُذكّرهم أنّه أستاذ القانون الدّستوري… قيس سعيّ في أوروبا في القمّة الإفريقيّة الأوروبيّة التي تسعى من خلالها أوروبا وعلى رأسها فرنسا أن تستعيد شيئا من نفوذها الذي بدأ يضيع تحت وطأة الاختراق الأمريكي.
الرئيس سعيّد تحدّث عن تدقيق الدّيون والهبات والمساعدات التي تمّ” تقديمها إلى تونس، ومن يسمع هذا الكلام يظنّ أنّ الأمر قد تغيّر، فهل تغيّر فعلا؟
التدقيق عند الرئيس ليس تدقيقا مع الجهات المقرضة، إنّما هو تدقيق مع الصّغار المأمورين المسؤولين السّابقين، ليرى أين صرفوا الهبات والمساعدات؟ ومن ثمّ يُحاسبهم ….. لكنّ ما فات الرئيس أنّ ما يعطى من قروض ومساعدات وهبات كلّها بأيدي الدّول المقرضة تراقب كلّ فلس فيها وهي تعرف أين يُنفق مسبقا، ولا يُنفق إلا بأوامر منها أو برضاها، ثمّ إنّ ما يُعطى لتونس من قروض لا يُترك للمسؤولين فيها يتصرّفون فيه كيف يشاؤون، بل التصرّف بأيدي المانحين، فهم الذين يُعطون القروض ويشترطون أن تكون لمشاريع غير إنتاجيّة، ويشترطون مع القروض المساعدات التي يُسمّنها فنّيّة، وهذه المساعدات تكون بأجور خياليّة لـ”خبراء” أوروبيين، (أجر أحدهم قد يصل إلى آلاف الدولارات في اليوم الواحد)، تستنزف ما أعطي من قروض وهبات، ليكون حصيلة ما أعطي هزيلة لا تكفي لسدّ الحاجة.
فهل سيشمل تدقيق الرئيس هذه التّصرّفات؟ قطعا لا فهو مازال تحت رحمتهم يستجديهم عبر حكومته ووزرائه، فأنّى له أن يُحاسبُهم؟
أمّا من الجهة المقابلة فيتحدّث راشد الغنّوشي رئيس البرلمان المجمّد ومن معه من المناهضين للرئيس، فيزعمون أنّ البرلمان عائد لا محالة، والسبب في هذه الثّقة الزّائدة هو ما تسرّب من أخبار حول زيارة وفد برلمانيّ أوروبيّ لتونس وأنّهم سيجتمعون برئيس البرلمان المجمّد وببعض نوّابه ….
والحصيلة أنّ الجميع يسند ظهره إلى أوروبا ويستقوي بها على خصمه (منافسه).
الجميع يتحدّث عن الأزمة وضرورة حلّها وكلّهم رئيسا ومعارضة، قبلتهم أوروبا وصندوق النّقد والبنك الدّوليين. صندوق النّقد الدّولي يشترط على تونس ويُملي وأشباه الحكّام فيها قابلون لكلّ شروطه دون تحفّظ وكذلك البنك الدّولي، والجميع يعلم أنّهما أداة للسيطرة على الشّعوب، حيث تُهدرُ السيادة والإرادة. نائب رئيس البنك الدّولي “فريد بالحاج” الذي يجوس خلال ديارنا هذه الأيّام يعترف علنا أنّنا مع كلّ توقيع نخسر جزء من السّيادة، (ولكن بإرادة منك) هكذا يتحدّث البنك الدّولي وكذلك الصّندوق، هذا هو منطق المستعمر الماكر الخبيث: التفريط في السيادة يُصبح مشروعا إذا كان بإرادة من الموقّع الذي تنازل عن سيادته، فلا يُعتبَرُ في هاته الحال استعمارا. وهذا هو الفخّ الذي تُقادُ إليه الشّعوب، لتقع في مصيدة الكبار كبار الدّول المستعمرة التي استبدلت القوّة العسكريّة المكلفة بقوّة ناعمة تهيمن بها دون كلفة
التفريط في السيادة هو الثمن الذي تطلبه المؤسسات الدّوليّة من تونس، تونس ترزح تحت الأزمات يُهدّدها الإفلاس، والرئيس الذي يزعم السيادة يُدخلهم إلى حكومته لتقبل بشروطه، ويشغل هو النّاس من قصره بخطب جوفاء عن السيادة ومحاسبة اللصوص والفاسدين.
القرار في تونس ليس في قرطاج أو القصبة بل هو في السفارات الأجنبيّة وأروقة المؤسسات الدّوليّة حيث الموظّفون الكبار الذين يحدّدون مصائر الشّعوب ومستقبلها. وهنا تكمن القضيّة: تونس بلد مستعمر تحت الوصاية المباشرة لا تملك من القرار شيئا، فماذا يفعل “الحكّام”؟ تقتصر مهمّتهم على التّنفيذ تنفيذ ما تمّ تحديده لتونس. لتنكشف الصّورة واضحة بل فاضحة تفضح الرئيس ومعارضيه، الذين يزعمون أن إنقاذ تونس يكون برهنها للمؤسسات الماليّة الدّوليّة.
والسّؤال هنا، أليس من حلّ إلا بالالتجاء إلى صندوق النّقد والبنك الدوليين وإلا بالالتجاء إلى أوروبا؟ أوروبا المستعمر القديم الجديد لإفريقيا، وهي سبب المآسي الحاصلة فيها. فلماذا الهرولة نحوها؟ وما الغاية منه؟ هل ستنقذنا أوروبا؟ هل سيُنقذنا البنك الدّولي وصندوق النّقد؟؟
هل سيستسلم التّونسيّون ويتركون بلدهم تضيع بين جاهل متعجرف أو عميل مأجور؟
منذ 25 جويلية يتعرّض الشعب التونسيّ لأخطر عمليّة ترويض وتدجين طرفاها الرئيس من جهة بأزماته المفتعلة والمعارضة من جهة أخرى باحتجاجاتها المدروسة على القياس التي غابت عنها الجدّيّة، لأنّها احتجاجات قطاعيّة وجزئيّة لا تشير إلا إلى المطالب الآنيّة، أمّا المطلب الرئيس فغائب بل مغيّب، فالمطلب الوحيد لشعب تونس هو أن يستردّ بلاده من أيدي النّاهبين والعابثين ولأنّ عدوّنا الحقيقي هو المستعمر المتحكّم في البلاد عن طريق هذه الفئة الحاكمة (أحزاب الحكم والمعارضة) التي تنفّذ سياساته القاتلة، ولأنّ بعثات صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي هي إحدى أخطر أسلحة المستعمر، فالواجب أن تتحد الجهود وتدّخر الطّاقات كلّها من أجل تحرير بلادنا ولن يكون ذلك إلا:
1- بإيقاف جريمة التّعامل مع صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي وكلّ الدّول الاستعماريّة، والتوقّف الفوري عن سداد ما يُسمّى زورا وبهتانا ديونا خارجيّة، لأنّها ديون ظالمة أبرمها أشباه حكام فاسدون بإيعاز من الدّائنين الاستعماريين ليسترجعوها أضعافا مضاعفة. وإذا كان من تدقيق فيجب أن يكون مع من أعطى تلك القروض باليد اليسرى ثمّ استردّها باليُمنى، في شكل “مساعدات” فنّيّة مخادعة ومهلكة.
2- باسترجاع ثروة البلاد من ناهبيها بإلغاء كلّ العقود الظّالمة (عقود امتلاك حقول الغاز وعقود امتيازات التنقيب عن البترول التي فاقت الخمسين) الّتي جعلت ثرواتنا الباطنيّة من غاز وفوسفات وبترول نهبا للشركات الاستعماريّة وحكرا عليها.
3- باسترجاع ما نهب الحكام والمتنفذون، من أموال يفوق مقدارها أضعاف المبلغ الذي يستعبدنا به صندوق النقد الدولي.
هذه إجراءات عاجلة وملحّة، ممكنة التّطبيق لكنّ تطبيقها يحتاج إلى دولة بالمعنى الحقيقيّ، ذات سيادة قولا وفعلا، يحتاج رجل دولة من الطّراز الذي لا يعرفه أشباه الحكّام في تونس.
أ، محمد الناصر شويخة
CATEGORIES كلمة العدد