الذّهب الأبيض في تونس وتواصل استيطان الناهب الفرنسي
أكّد المدير الفنّي للشركة العامّة للملّاحات التونسيّة “كوتيزال”، رياض الماشطة، في تصريح لـ”وات”، أنّ الدولة التونسيّة لم تقم بنقض العقد، الذي يسمح لهذه الشركة ذات رأس المال المشترك (65 بالمائة رأسمال أجنبي و35 بالمائة تونسي) باستغلال ملك عمومي بحري لاستخراج الملح، منذ سنة 2014، “مما أدّى إلى تجديد العقد، الذّي يعود تاريخه إلى سنة 1949، بطريقة آلية وتواصل نشاط الاستغلال إلى غاية سنة 2029”.
أين من يسمون أنفسهم نوابا للشعب؟.. أين الحكومة التي تدّعي مقاومة الفساد.. خسائر بآلاف المليارات وهي تبيع ملحنا بتراب الأرض منذ عشرات السنين..
من المعلوم أنّه وفق شروط العقد يستوجب على الحكومة التونسية تقديم طلب مراجعة لفائدة الحكومة الفرنسية قبل تاريخ 2019 وهو ما لم يتم إلى اليوم.. فآخر أجل للتنبيه على المستغل الفرنسي بإلغاء العقد هو موفى سنة 2019 أي أنّ الفرصة سانحة حالا وإن لم يتم ذلك فإن التاريخ القادم للتنبيه سيكون سنة 2044.. بصورة أوضح، العقد يتجدد آليا بمدة 15 سنة ، وإذا أرادت الدولة فسخ العقد فيجب عليها إعلام الشركة بذلك 10 سنوات قبل انتهائه.
لماذا لم تقدم الحكومة إلى حد اليوم هذا الطلب؟ ولماذا تُكبّد الشعب كل هذه الخسائر سنويا؟ وكيف تسمح لشركات أجنبية أن تستغل 70 بالمائة من ثرواتنا الطبيعية والهكتار يباع بالفرنك الفرنسي, ومعدل إنتاج تونس من الملح يناهز 1.4 مليون طن سنويا وتمثل الصادرات نسبة 90 بالمائة من حجم المبيعات وفق ما أكدته مديرة البحث والتعدين بوزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، نجاح الشريف
والتي أشارت إلى أن تونس تتطلع إلى مضاعفته ليتجاوز الإنتاج مليوني طن سنة 2020، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية “وات” على هامش ندوة حول “صناعة الأملاح في تونس: الواقع والآفاق”، انتظمت الأربعاء بالضاحية الشمالية قمرت.
فإن لم تكُن الخيانة لهذا البلد وأهله فماذا نُسمّيها؟
هذا العقد فيه من الغُبن ما يُشعِرُ ساكن هته الأرض بالذل والهوان أمام من يغدق عليهم صاحب الهيبة من ثروات البلاد آلاف الكيلومترات من أراضينا لينهبوا بواطنها, ويفرِش لهم السجاد الأحمر من ليل إعلانهم المجيء إلى مبنى قرطاج, فمتى يصحوا من غيبوبة ما قبل التغيير ويدركُ أنّ توصيف الذئب الفرنسي بالشريك والصديق صار شيئا من العبث, وأنّ سارق الأمس المتخفّي بعناوين الاستثمار قد أصبح تحت مجهر المراقبة الجماعية من قبل أهل تونس, وأنّ وجوده صار غير مرغوب فيه بالإجماع, رغم كلّ ما سوّقت له ولا تزال الحكومات المؤطرة من قِبل المؤسسات المالية الخادمة لمصالح الدول الإستعمارية والمكبّلة بعقود والتزامات استثمارية/استعمارية موضوعة وفق شروط تعبّد لتلك الشركات طريق الغنى على حساب الشعوب.
وفي نظرة سطحية وعامّة لهذا العقد بالذات, نجد أنّه قد طرأ عليه تغير جوهري لقيمة المبيع وعدم تناسب الالتزامات بين الطرفين. ألا تتحرّك في حكومة الوحدة.. ذرّة من مسؤولية إرادة لتعيد لأهل هذا البلد بعضا مما اغتصبه أحقرُ المستعمرين؟ خصوصا وأنّ مسألة فسخ العقود من بقائها أو مراجعتها رهينُ ببقاء شروط انعقادها, فأيا كانت شروط العقد.. إذا تغيرت أركانه جوهريا يمكن فسخه, ويبقى دائما للدولة حق حماية ثرواتها.
فمراجعة العقود تحصل بعد حصول تغيرات في الظروف التي قد تؤثر على تنفيذ العقود، منها ما يكون طبيعيا، كالزلازل والبراكين والفيضانات، ومنها ما يكون فعلا إنسانيا، كالحروب والثورات، ومنها ما يكون إجراءا إداريا، كصدور قرارات برفع أسعار المواد الأولية أو المواد المصنعة أو المنتجة، وقد يكون إجراءا قانونيا أو تشريعيا، بمنع الاستيراد أو التصدير أو تداول رؤوس الأموال، وقد تكون نتيجة لأضرار بيئية بَيِّنة، كانتشار الإشعاع الذري أو الغازات السامة أو تلوث البيئة على البحر أو اليابسة، ما ينتج عن ذلك عرقلة الأطراف في تنفيذ التزاماتهم التعاقدية، إلى جانب عرقلة السلطة عن اسغلال ثروات البلاد بالكيفية التي تضمن حقوق أهلها وسيدتهم في أرضهم, مما يستوجب معه التدخل لإعادة النظر في مثل هذه العقود أو الالتزامات، خاصة إذا أبدى الأطراف أو طرف منهم رغبته في إبقاء علاقة الشراكة أو التعاون فما بالك إذا لو أبدى رغبة في إنهائها نظرا لحصول خسائر أو غبن ما. مثلما هو حاصل في تونس مع شركة كوتيزال الفرنسية التي تنتزعه من أرضنا لسنين طوال بمقابل 1 فرنك للهكتار, إضافة إلى حجم التأثيرات السلبيّة لعمليّة استخراج الملح على التوازن البيئي.
إرادة السلطة التونسية تحت سطوة جنرالات فرنسا إلى اليوم
الحكومة التونسية الحاليّة كسابقاتها يحاولون إقناع الناس بأنه لا يمكن الفسخ العقد مع الطرف الفرنسي قانونيّا إلا سنة 2029, وأنّه ليس أمامنا إلا الصبر أو التضحية بأمن البلاد.. وأن الغاية هي أن لا نمس المصالح التونسية.. كلُّ ذاك الكلام من التظليل والتعمية عن حقيقة ارتهانهم للنّاهب الفرنسي الذي ترك أبناءه ليواصلوا مسيرة الاستعمار من بعده, فهُنا حَريّ بنا أن نشير إلى ما جاء في كتاب صدر سنه 2012 بعنوان ” tunis connection” للصحافيّين منMédiapart))،“Lénaïg Bredoux” و “Mathieu Magnaudiex تطرّق إلى قضيّة كوتوزال وأشار إلى ضرورة الانتباه إلى رؤساء هذه الشركة. فمن من بين الأسماء التي وردت في هذا الكتاب ، المدير التنفيذي الحالي للشركة Norbert de Guillebon ، حيث أنّ ما لا يعلمه الكثيرون هو أنّ هذا الشخص هو ابن الجنرال Jaques de Guillebon، قائد القوات الاستعمارية بقابس منذ سنة 1951، قبل أن يتم تعيينه كمتفقد للقوات في شمال أفريقيا في عام 1949. وهذا الجنرال كان قد أمر بعمليّات في قفصة سنة 1956 وتلطّخت أيديه بدماء الأجداد، فمرارة الوضعية الاستعمارية التي نعيشها اليوم مردُّها قبول حاكم تونس الأمس بسُخرية المستعمر وتجديد عقود استمرارها من قبل حاكم اليوم, ليُشرِف عليها ابن أحد العسكريّين ممن سعوا ومالزلوا إلى أن تظلّ تونس تحت الاستعمار الفرنسيّ، على رأس أحد الشركات التي تستنزف وتنهب ثروات البلاد.
فرغم بعض المحاولات من المخلصين وقيام عديد التحرّكات النضاليّة الثوريّة بعد الثورة, التي كانت في أغلبها ردّات فعل مباشرة اثر انكشاف أمر الناهبين ووكلاء المستعمر, إلاّ أنّ المسؤولين المتعاقبين على حكم تونس ما يزالون ماضين في إتباع نفس السياسة وخصوصا فيما يتعلّق بالمسألة الطاقية والثروات الطبيعيّة في تونس.. ولن يعود سلطان ساكني هذا البلد إلا بعودة سلطان مبدئهم الذي ساد به أجدادهم وألجموا به مطامع فرنسا وغيرها في تونس.. الإسلام الذي يعطي لكل ذي حق حقّه ويضع كُلّا في مقامه.
أحمد بنفتيته