الرويبضة يتكلم في الشأن العام ولا يصنع الأمن “القومي” الجزء (2)
نبحث في هذا الجزء الثاني عن كيفية حفاظ النظام الاسلامي عن أمن البلاد الاسلامية وأمن شعوبها وأراضيها دون تهديد لأمن العالم.
ثالثا: نظام الاسلام يحافظ على أمن الأمة الاسلامية دون تهديد لأمن العالم
إن النظام الاسلامي هو النظام الذي طبق على الأمة الاسلامية منذ قيام الدولة الاسلامية الأولى في المدينة المنورة إلى حين سقوط الخلافة العثمانية في القرن المنصرم واستبدالها بالدولة التي فرضها الاستعمار الكافر على أجزاء الأمة الإسلامية بعد تقسيمها إلى كيانات ضعيفة عبر اتفاقيات استعمارية.
وتظهر محافظة النظام الإسلامي على أمن الأمة الإسلامية في المظاهر التالية:
-
إن نظام الاسلام هو مجموع الأحكام الشرعية التي تنظم حياة الناس داخل الدولة الاسلامية في كل أنواع العلاقات التي تقع بينهم وتنظم علاقة الدولة الإسلامية بباقي دول العالم في السياسة الخارجية.
وهذه الأحكام صادرة في أصلها عن خالق الإنسان العليم الخبير اللطيف “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير“ (14) وتنزع عن الإنسان ظلال إدعائه الألوهية في وضع حكم من هواه وذكائه المحدود,ومنع عبادة الإنسان للإنسان لأن الانصياع للأحكام تقديس وعبادة لا يستحقها إلا الكامل سبحانه, بينما تقتصر قدرات الإنسان على تطبيق نصوص الوحي على الوقائع الجارية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة الداخلية والخارجية وكل علاقات الناس فيما بينهم لاستنباط الحكم الشرعي لها. فيكون بذلك الله هو الحاكم المقدس المعبود ويكون الإنسان بعقله مكلفا لتطبيق شرعه سبحانه ,لأن العقل مناط التكليف , وبذلك تكون العلاقات في المجتمع وفي العالم غير خاضعة لأهواء الإنسان لأنه مهما سما, لن يدرك حقيقة الطاقة الحيوية التي تدفعه لإقامة العلاقات ليضبط خصائصها وبالتالي يوجد لها أحكاما تنظمها, وفي صورة الاعتداء على حق الخالق في التنظيم يكون التنازع والبغي والظلم سمة النظام كما بيينا في الجزء الأول عند الرأسماليين.”وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون” أما الخالق فهو خبير بعباده رؤوف لطيف بهم يعلم حدود الإنسان وضعفه فيخفف عنه ولا يكلفه أن يضع نظاما عادلا بينما يريد أتباع الشهوات والهوى أن يميل أهل الحق ميلا عظيما على نظام الخالق “وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28 (وخلافا للتنازع والبغي اللذان يشرع لهما النظام الوضعي فان الله يشرع للتالف والتحابب والعدل والأمن بين الناس, “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ”, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ…”
وفي طلب العدل قال الله تعالى “۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون“ (90).
فأول ركن في تحقيق الأمن للمجتمع هو الاحتكام إلى شرع الخالق والكفر بأي شرع وضعي مهما ادعى الحرية أو العدالة أوالمساواة فكلها عناوين تلبس الجَهولَ الظَلومَ لبَاس المستنير العادل
-
إن نظام الإسلام يقوم على عقيدة لا اله إلا الله محمد رسول الله التي توافق فطرة الإنسان وتقنع عقله وتملأ قلبه طمأنينة. فهي تشبع الطاقة الفطرية للعبادة إشباعا تاما بالاعتقاد والاحتكام وهي إنسانية غير عنصرية لايسعى حاملها إلى تغليب جنسه على الآخرين قال تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚوقال عليه الصلاة والسلام “…أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..”
فهي تصفي النفس من هوى الأنا و تبعث فيها حب الآخرين,و حين تُحْملُ هذه العقيدة للناس تُحْملُ رسالة خير ورحمة لا إكراه فيها ولابغي. قال تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين” وقال كذلك: ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين». فتصبح طاقة العبادة بقناعة العقل وطمأنينة النفس هادئة غير متوترة فلا يحملها شذوذ عقائدي على الاعتداء والبغي مما يهدد أمن المجتمع أو أمن الشعوب الأخرى
-
إن نظام الإسلام يحقق في المجال الاقتصادي الكفاية للفرد والمجتمع فلا يجعل للفرد الدوافع للاعتداء على الآخرين وهو لا يجعل المشكلة الاقتصادية في الندرة النسبية للسلع والخدمات عند الجماعة كما يبين الاقتصاد الرأسمالي وإنما تبين أحكامه أن المشكلة الاقتصادية هي في توزيع ثروة الجماعة توزيعا يضمن لكل فرد بعينه حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن, يقول الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه “النظام الاقتصادي في الاسلام”: “وسياسة الاقتصاد في الإسلام هيضمان تحقيق الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعا كليا وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع باعتباره يعيش في مجتمع معين” فمن جهة تتحقق إنسانية كل فرد بإشباع حاجاته الأساسية ويُمَكّن كل فرد حسب فرديته الشخصية من الكماليات بقدر ما يستطيع وتُصان الجماعة بمراعاة ما يجب أن تكون عليه الجماعة من قيم عليا. وبهذا تتحقق ثلاث ركائز للأمن في المجتمع: الأمن من عدوان الشخص إذا حرم الحاجة الأساسية التي تمثل إنسانيته، والأمن من عدوان الفرد الذي تنتهك فرديته ويقضى على طموحه بدعوى المساوات أو الاشتراكية أو بتمكن فئة قليلة من كل الفرص في المجتمع وتُكبتُ طموحات الأغلبية من القادرين, وأخيرا الأمن من عدوان شذوذ الجماعة المفككة التي تطغى فيها الأنانية والتنازع والمادية فتكون الجماعة مصنعا للجريمة والإثم والعدوان
-
إن نظام الإسلام يجعل مقياس الاعمال في المجتمع ليس المصلحة أو وهم حداثة أو تقدمية بل هو الحلال والحرام والكل أمام الحلال والحرام سواء، لأن تحديدهما ليس من وضع فرد ولا فئة بل هو من تنزيل خالق الجميع فيصبح الخضوع لقوانين الجماعة ليس بدافع الخوف من قوة الجندي وصرامة القانون بل بدافع تقوى الله في الفرد فالجرائم الأمنية لا يراقب فيها المعتدي غفلة رقابة الدولة له أو عدم قدرتها عليه لفساد أو ضعف فيها بل يراقِبُ المؤمن إحاطة الله به وقدرتهُ عليه.
-
إن نظام الإسلام يَعتبرُ أمن الجماعة من أهم الأهداف العليا لصيانة المجتمع ويضع لهاأقصى العقوبات، فعينت الشريعة الاسلامية قطع اليد للسارق والقصاص في القتل العمد والقتل أو الصلب أو تقطيع الاطراف أو النفي كحد للحرابة وهي قطع الطريق والقتل للخارج عن الجماعة لما فيه من تهديد لأمنها.
-
إن نظام الإسلام أوجب على المسلمين ودولتهم إعداد القوة المُستطاعة لإرهاب العدو قال تعالى “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” وقد أوجب الجهاد على الأمة الإسلامية عبادة له ودفاعا عن أرض المسلمين ودولتهم وحملا للدعوة الإسلامية بإزالة الحواجز المادية، ومن أعظم مظاهر الدولة الإسلامية قوة جيوشها وتوسعها الجغرافي.