اجتمعت وزيرة الداخلية الايطاليّة لوشيانا لامورغيزي برئيس الجمهورية “قيس سعيّد” يوم 27/07/2020. وسبب الاجتماع أفواج المهاجرين المتنامية التي تصل إلى إيطاليا وأوروبا وخاصّة في الأسابيع الأخيرة.
الوزيرة الايطاليّة التي أبدت انزعاج بلادها من أفواج المهاجرين القادمين من تونس جاءت من أجل الضغط على تونس حتّى توقف عمليّات الهجرة، وحسب البلاغ الرسمي لمحادثات قرطاج بين الرئيس سعيد والوزيرة الايطالية فقد عرضت ايطاليا على تونس المساعدة للتصدي لهذه الظاهرة.
وذكرت وسائل إعلام كثيرة عن رئيس الوزراء الإيطالي أنّ إيطاليا عرضت على تونس 6.5 مليون يورو وجعلت شرطا لتسليمها لتونس تلقي إجابة بشأن تعزيز عمليات إعادة المهاجرين إلى الأراضي التونسية.
ويوم الأحد 2 أوت 2020 أدى قيس سعيد برفقة وزير الداخلية هشام المشيشي زيارة إلى المنطقة البحرية للحرس الوطني بالمهدية وإلى الميناء البحري بصفاقس، (حيث تتمّ أكبر عمليّات الهجرة)،وحسب البلاغات الرسمية، «ثمّن» رئيس الدولة بالمناسبة المجهودات الكبيرة التي تبذلها وحدات الحرس البحري للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية». واعتبر أنّ تنظيم الرّحلات غير النّظاميّة جريمة لن تتسامح معها الدّولة.
التّعليق:
زيارة وزيرة الدّاخليّة الايطاليّة وطلبها من تونس أن تكون نقطة حراسة لحدودها الجنوبيّة، أمر فيه إهانة بالغة لتونس وأهلها، ثمّ تزداد الإهانة بعرض 6.5 مليون أورو واشتراط رئيس الوزراء الإيطالي تقديمها باستجابة تونس لطلب إيطاليا.
فما طلب إيطاليا؟
هل كان طلب إيطاليا أن تمنع تونس الهجرة غير المنظّمة إليها وإلى أوروبا؟ لا نظنّ ذلك، بدليل أنّ قيس سعيّد “ثمّن” مجهودات الحرس البحري، وبدليل ما نسمعه كلّ يوم عن اعتراض قوارب الهجرة، التي وصلت إلى حدّ إغراق بعضها في عرض البحر كما حصل في صائفة 2017 حين اعترضت فرقاطة من البحريّة التّونسيّة قاربا واصطدمت به فأغرقته، والحوادث في هذا الشأن كثيرة ومعلومة.
إذن ماذا طلبت إيطاليا ولماذا عرضت 6.5 مليون أورو؟ وماذا اشترطت حتّى تُسلّمها لتونس؟
إيطاليا عرضت على تونس بل أعلمت تونس أنّها ستعيد كلّ المهاجرين القادمين منها ولو كانوا من غير التونسيين. بما يعني أنّ إيطاليا تريد من تونس أن تكون مخفر حراسة حدوديّة لها ولأوروبا. وقبول المسؤولين التونسيين بهذا الأمر يعني ضمنيّا القبول بأن تكون تونس نقطة لمخيّمات لاجئين.
وللتّذكير فإنّ هذا الأمر عرضته ألمانيا من قبل على السبسي ولكنّه تمنّع لأنّ الظروف وقتها لا تسمح ولأنّ الأصوات وقتها تعالت بالرّفض. واليوم أعادت إيطاليا ومن ورائها الاتّحاد الأوروبي العرض. واستغلّت ضعف القيادة السياسيّة في تونس وأزمة كورونا فأعلن رئيس الوزارء الإيطالي “جوزيبي كونتي” عن قرار الحكومة ترحيل كل التونسيين القادمين عبر البحر في عمليات هجرة غيرنظاميّة العالقين في مواني جزيرة صقلية منذ بداية رفع الحضر الصحي. ورفض كونتي«.. أن يدخل أي كان التراب الإيطالي بطرق غير قانونية» وأعلن كونتي عن تكثيف عمليات ترحيل التونسيين من جزيرة لامبيدوزا التي يوجد فيها 1050 مهاجرا في حالة إيقاف أغلبهم تونسيون. وأعلنت وزارة الداخلية الايطاليّة في نفس الوقت على قدوم 200 مهاجر إضافي فجر الاثنين الماضي. وتم وضعهم جميعا في الحجر الصحي على متن باخرة مختصة. وأضاف كونتي أن بعض المهاجرين حاولوا الفرار من الحجر الصحي في المواني وهو ما يشكل خطرا صحيا إضافيا على ساكني الجزيرة.
تأتي تصريحات رئيس الحكومة الإيطالي متابعة لوزيرة الداخلية الايطاليّة لوشيانا لامورغيزي التي أكدت ضرورة أخذ تدابير صارمة لمراقبة الحدود البحرية الإيطالية. وهذا يعني أنّ وزيرة الدّاخليّة الايطاليّة لم تأت إلى تونس للتفاوض أو الطّلب ومن ثمّ تنتظر الجواب، بل هي جاءت لتُعلم وتفرض بل تأمر. لأنّ دولتها بدأت فعلا في اتّخاذ الإجراءات.
ماذا فعل المسؤولون في تونس؟ غير الاتّباع والانقياد وتنفيذ ما يُطلبُ منهم؟
قال رئيس الوزراءالإيطالي أن إيطاليا «تتعاون مع السلطات التونسية في هذا الموضوع» و أن «تلك هي الطريق المثلى» وكشف أنه أرسل مكتوبا إلى لرئيس التونسي وأنه «مرتاح لتجاوبه بزيارة المواني لدعم حراسة السواحل البحرية».ونقلت بعض المصادر الإيطالية عن دوائر أمنية تخوف السلطات الإيطالية من مشاركة تنظيمات إجرامية وأخرى سياسية في عمليات الهجرة وهو ما يفسر تصريحات الرئيس سعيد الذي اتهم في هذا الموضوع ضلوع جهات سياسية في عمليات الهجرة غير النظامية.
هاته التّصريحات الايطاليّة من أعلى هرم السلطة تعني أنّ المسؤولين في تونس استجابوا بل سارعوا في التّنفيذ وأدّوا ما طُلب منهم على وجهه.
نعم لقد استجاب قيس سعيّد يوم هرول إلى ميناء صفاقس وخطب من هناك خطبة “قانونيّة” عصماء هدّد فيها وأرعد وأزبد، في استجابة كاملة لما طُلب منه.
أليس مهينا أن نجعل من تونس نقطة حراسة للحدود البحريّة الأوروبيّة؟
أليست أوروبا هي التي تستعمر افريقيا وتنهب ثرواتها؟ أليست هي وراء تفقير شعوب بأكملها ومنهم الشعب التونسيّ؟ أليست هي السبب في تشتيت تلك الشّعوب؟
القضيّة ليست قضيّة هجرة غير نظاميّة، بل القضيّة الأصل هي قضيّة الاستعمار المستمرّ والنّهب المتواصل لخيرات افريقيا، وإلّا فما الذي ألجأ التونسيين والأفارقة إلى الهجرة لو كانت ثرواتهم بأيديهم؟ وما الذي ألجأهم إلى الهجرة لولا الشركات الأوروبيّة التي تنهب ثرواتهم؟
مرّة أخرى يُثبت قيس سعيّد ومن معه في “الحكم” أنّهم ليسوا حكّاما حقيقيين إنّما هم خدّام للمستعمر جيء بهم ليتواصل النّظام الاستعماري الرأسمالي المهيمن على الشعوب. جيء بهم ليُنفّذوا ما يُطلب منهم، ويبدو أنّ أوروبا وجدت في قيس سعيّد “رجل القانون” المناسب ليخدم مصالحها ب”القانون” ويجعل من تونس تابعا “قانونيّا” لأوروبا ونقطة حراسة خلفيّة تقيها من موجات الهجرة الجماعيّة من تونس وإفريقيا.
وتنكشف مرّة أخرى طبيعة العلاقات القائمة بين دول أوروبا وتونس فليست هي من قبيل علاقات الشراكة والصداقة بل هي علاقة مستعمر بإحدى مستعمراته، ووفق كل المعايير فأوروبا وزعماؤها لا يرون في تونس سوى مستعمَرة طيّعة الاستغلال كحارس للضفة الجنوبية للمتوسّط، فقد حوّلت ورقة المهاجرين غير النظاميين إلى ورقة ابتزاز وضغط لضمان استمرار خضوع حكام البلاد لإملاءاتهم. رغم خضوعهم الطوعي والتام لخدمة السيادة الأوروبية على الضفّتين، وإيجاد المبررات لذلك ولتغييب عقول الناس في تونس عن تلك الحقيقة مثلما فعل قيس سعيد مؤخر بادعاء وجود مؤامرة سياسية وراء تزايد موجات الهجرة. وكأن الأمر جديد ولم تكن هنالك هجرة قبل صعوده للحكم.