السعادة: نتيجة الالتزام بالمنهج الربّاني

يقال: سعد يسعد، سعادة، فهو سعيد. وجاء في تاج العروس: “(والسعادة: خلاف الشقاوة)، والسعودة خلاف النحوسة، (وقد سعد كعلم وعني) سعدا وسعادة (فهو سعيد)، نقيض شقي، مثل سلم فهو سليم (و) سعد بالضم سعادة، فهو (مسعود) والجمع سعداء والأنثى بالهاء”.

والسعادة هي الحلم الذي يريد كل إنسان تحقيقه، وهي الغاية التي يسعى وراءها كل واحد. وكلنا يسأل نفسه ما هي السعادة، وهل أنا سعيد أم لا؟ فهذه السعادة التي شغلت البشر هي شعور داخلي يظهر في الإحساس بالسكينة وراحة البال وانشراح الصدر. فهي في كلمة:طمأنينة القلب.

أما الحضارة الغربية فتصوّر أن السعادة هي إشباع اللذات وإعطاء الإنسان أكبر قسط من المتع الجسدية، وبتعبير الفيلسوف هوبز فإن السعادة هي التقدم المطرد دائما من شهوة لشهوة؛ لذلك نرى الناس في الغرب يعيشون الدنيا ينهمون من لذاتها ويقدّسون الإباحية، وتفكيرهم لا يتعدى الجنس والمال. ومع الأسف كثير من المسلمين يقلدونهم في هذا، ويتتبعون خطاهم؛ إذ أصبحت متعة المسلم غريزة يشبعها، ولذة يغتنمها،وأصبحت الدنيا عنده هي مركز التفكير. فالبيت المريح والسيارة الفاخرة والمال الكثير والمرأة الجميلة أو الرجل الغني، هي عناصر السعادة التي يتصورها المسلم والمسلمة تقليدا للفكر الغربي. وهكذا أصبحت الحياة بالنسبة للتونسي “شيخة” و”تفرهيد” و”تحفيل” و”جوّ” أو لا تكون، وأصبحت الجدّية والاستقامة والعبادة “كبّي” و”دروشة” وخونجة”.ولكن هل يشعر الناس حقا بالسعادة رغم امتلاكهم لهذه العناصر بل رغم حرصهم وسعيهم واستماتتهم في الحصول عليها بشتى الطرق والوسائل ولا يهمّ عندهم إن كانت بالحرام أوبالكذب والنفاق والغش والخداع والتحايل؟

إنّ ديننا الحنيف لا يدعو إلى الرهبانية ولا إلى ترك الدنيا ولا إلى اعتزال ملاذها وشهواتها كما يتصور رهبان النصارى وبعض الصوفية بل على العكس من ذلك أباح ذلك وحلله. قال الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

 وقد وردت نصوص تبيّن بعض عناصر السعادة في الدنيا، منها: عن إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء) (ابن حبان في صحيحه). وعن نافع بن عبد الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سعادة المرء المسلم في الدنيا الجار الصلح والمنزل الواسع والمركب الهنيء) (الحاكم في المستدرك).وجابر بن عبد اللهرضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة”(الحاكم في المستدرك).وعن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا “(ابن حبان في صحيحه).

وليس المقصود أن هذه العناصر هي جالبة السعادة المطلقة ومحققة الطمأنينة القلبية الدائمة، فهي مرتبطة بالأساس الذي هو الإيمان وما ينتج عنه من عمل صالح. فبدون إيمان يحلّ عقدة الإنسان الكبرى ويبصّره بواقع وجوده والهدف من حياته ومصيره لا تتحقق السعادة في الدنيا ولو امتلك الإنسان كل الدنيا. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.ويذكرنا الله سبحانه بالقاعدة الأساسية في السعادة فيقول: {كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.فطريق تحقيق السعادة ليس كما يتصوره الناس اليوم من “تحفيل” و”جوّ” بل يحتاج إلى صبر ومثابرة مع عمل مستمر ودؤوب لتخطي العقبات. فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات” (رواه مسلم). وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره” (رواه البخاري).

وأمّا أسلوب الحياة اليوم المستمد من الحضارة الغربية الذي تروّج له بعض وسائل الإعلام فقد اعترف فلاسفة الغرب أنفسهم بفشله. يقول إريك فروم (في كتابه: الإنسان بين الجوهر والمظهر): “فالحق أن العصر الصناعي أخفق في الوفاء بوعده العظيم. ويوما بعد يوم يتزايد عدد الناس الذين أصبحوا مدركين لما يأتي: إنّ إشباع كل ما يعن للناس من رغبات، بغير قيود، لا يوصل للحياة الطيبة، وليس هو السبيل إلى السعادة، ولا حتى إلى المتعة القصوى”.

فلا سعادة إلا بالالتزام بالمنهج الرباني عقيدة ونظاما. وأماهذه الحياة الدنيا ففانية، وملذاتها فانية، ثم نرد إلى ربّ العزة لنلقى السعادة الحقيقية الدائمة وهي الفوز بالجنة ونيل رضوان الله. {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.ثمّ -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- (إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل). وذلك لأنه: {للَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This