السعودية تدخل في حرب أسعار مما سبب انهيارا في سوق النفط؛ فمن المستفيد؟

السعودية تدخل في حرب أسعار مما سبب انهيارا في سوق النفط؛ فمن المستفيد؟

في 9/3/2020م، انهارت أسعار النفط بصورة لم يسبق لها مثيل، فقد تراجعت الأسعار خلال دقائق معدودة بأكثر من 30%، وذلك بعد أيام عدة من الخسائر المتواصلة التي أدت به إلى أن يهوي إلى مستويات لم نعرفها منذ سنوات. مما يعد انهيارا بكل معنى الكلمة، إذ لا توجد سلعة تفقد ثلث قيمتها خلال دقائق معدودة! فما أسباب هذا الانهيار؟

لقد أدى انتشار فيروس كورونا، والقلق العالمي غير المسبوق من الوباء، إلى هبوط حاد في الطلب على النفط ومشتقاته؛ بسبب أن أغلب دول العالم اتخذت إجراءات للحد من السفر والتنقل، وبشكل خاص الصين التي تشكل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما تعد المستورد الأكبر للنفط الخام، حيث تستهلك حوالي 10 ملايين برميل يومياً.

كما فشل التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج بين منظمة “أوبك” وروسيا، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط بنسبة 10%، وفي اليوم الثاني هوت الأسعار بنحو 30%. كما كان القرار الصادر عن السعودية، والقاضي بخفض أسعار بيع نفطها لشهر نيسان/أبريل 2020م، ليصبح أقل بستة دولارات للبرميل الواحد عن أسعار البيع في آذار/مارس، وهو القرار الذي أدى إلى هبوط الأسعار في السوق، بأكثر من عشرة دولارات، فضلا عن أن القرار أعطى إشارة واضحة إلى أن “حرب أسعار” أو “حربا نفطية” قد اشتعلت بين السعودية وروسيا، ما أدى على الفور إلى الفوضى في السوق وفقدان السيطرة وانهيار الأسعار الفوري.

لقد وصل سعر البرميل الواحد من خام “برنت” إلى 72 دولاراً في بداية العام الحالي 2020م، لكنه يتجه اليوم إلى 30 دولاراً، وسط تحذيرات بأن يهوي نحو الـ20 دولاراً، أي تعود الأسعار إلى المستويات التي كانت عليها في ثمانينات القرن الماضي، مما يعني خسائر لا حد لها للسعودية والدول المنتجة للنفط، ففي ظل انهيار تحالف أوبك بلس، تنزف الدول الأعضاء في أوبك أكثر من نصف مليار دولار يوميا بسبب فاقد الإيرادات. فضلا عن فقدان شركة “أرامكو” السعودية أكثر من 300 مليار دولار من قيمتها السوقية، خلال ساعات معدودة، وارتفاع قياسي للذهب والعملات الآمنة، وخسائر متلاحقة ومتفاقمة في أسواق الأسهم العالمية.

لقد شعر الرئيس الروسي بوتين بالقلق من التنازل عن الكثير لصالح منتجي النفط الأمريكيين، مما حدا به أن يقرر أن الدول يمكنها أن تنتج كما يحلو لها ابتداء من 1 نيسان/أبريل. فهو يرى أن خفض الإنتاج وسياسة ضبط العرض أعطت مساحة أكبر لشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة للنمو لأنها زادت من إنتاجها بينما أبقت الشركات الروسية على نفطها في الآبار امتثالا لاتفاق خفض الإنتاج الذي أبرمته روسيا مع أوبك في كانون الأول/ديسمبر 2016م،، مما جعل أمريكا المنتج الأول للنفط في العالم، ومن المتوقع أن تضخ حوالي 13 مليون برميل يومياً في الربع الأول من هذا العام.

ويعد رفض روسيا لخفض الإنتاج بمثابة (صفعة) لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، والذين يحتاجون إلى رفع أسعار النفط من أجل الاستمرار. الموقف الروسي إذن واضح، والهدف منه ضرب إنتاج النفط في الولايات المتحدة، فماذا ستستفيد السعودية من الدخول في حرب أسعار مع روسيا؟

يبدو أن السعودية تريد أن يكون لها نصيب الأسد في سوق النفط، وبالتالي اتخذت قرار تخفيض أسعار النفط بتلك الصورة الدرامية لتبدأ حرب أسعار حتى في الوقت الذي يتسبب فيه انتشار فيروس كورونا في تآكل نمو الطلب العالمي، مستفيدة من انخفاض تكلفة الإنتاج لديها، وبالتالي سيكون أمام روسيا، إما أن تجاري السعودية وتخفض أسعار نفطها أكثر وتزيد الإنتاج (تكلفة الإنتاج لدى روسيا أعلى من نظيرتها في المملكة)، ومن ثم ستتكبد خسائر كبيرة في وقت حساس بالنسبة لبوتين، أو تتراجع وتعود إلى طاولة المفاوضات مع أوبك وتعيد اتفاق تخفيض الإنتاج.

السعودية إذن تدخل نفسها في حرب أسعار مع روسيا، ولكن هذه الحرب تخدم بالدرجة الأولى أمريكا، فالرئيس الأمريكي ترامب لن يقف موقف المتفرج وهو يشاهد ما تباهى به كثيراً في مجال النفط ينهار، مع زيادة الضغوط على شركات الإنتاج الأمريكية وربما حتى إفلاس غالبيتها مرة أخرى وخسارة جزء كبير من حصتها في السوق كما حصل في 2014م.

ويأتي دور أوبك في التأثير في أسعار النفط العالمي من كونها المنتج المرجح الذي يتحكم في كمية المعروض من خلال رفع أو تخفيض الإنتاج داخلها أو خارجها، كإبرام اتفاقيات مع دول خارج أوبك مثل روسيا. والمهم أيضا دعم هيمنة الدولار الأمريكي على سوق النفط بعد إلغاء اتفاقية بريتون وودز، التي جعلت الدولار مكشوفا ليس له غطاء مما دفع الساسة الأمريكان إلى إيجاد حل من خلال ما يعرف بمصطلح (بترو دولار)، أي أن أمريكا إذا ضمنت المعاملات البترولية بالدولار، ستضمن طباعة كميات هائلة من الدولارات لتلبية طلب الدولة المستوردة للنفط بدون غطاء ذهبي، بحيث لا تكلف الـ100 دولار سوى 5 سنتات، وأيضا فرض إبقاء احتياطي كبير من الدولار في البنوك وخاصة في الدول المستوردة للنفط لكي تغطي وارداتها من النفط خلال الأشهر القادمة. وهذا ما تم في 1974م، بعد زيارة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للملك فيصل كأكبر دولة مصدرة للنفط وتم الاتفاق على أن تقوم السعودية بتثمين النفط مقابل الدولار. وفي عام 1975م، وافقت منظمة أوبك على اعتماد الدولار الأمريكي العملة الوحيدة لمبيعاتها حيث لم تعد تقبل أي عملات. فلا بد من العمل على فك ارتباط الدولار بالنفط حتى يتم انهيار الدولار، وذلك من خلال العمل على تثمين قيمة النفط وليس فقط بيعه بالذهب أو بسلة عملات أخرى غير الدولار. كما لا بد من الحفاظ على ثرواتنا النفطية وعدم التفريط فيها بمثل هكذا أسعار وعدم الدخول في لعبة تكسير عظام مع روسيا لصالح أمريكا.

إنه لمن المؤلم حقاً أن نرى السعودية تهدر نفطها بمنحه للأجانب بأسعار بخسة، وإنه لمن المخزي حقيقة أن تمتثل دول منظمة الأوبك وعلى رأسها السعودية والكويت لأوامر ترامب بكل بلاهة وصفاقة للدخول في حرب أسعار مع روسيا لصاح أمريكا.

متى يتوقف النهب المنظم لثرواتنا، ويتوقف التلاعب السياسي والاقتصادي الذي يحيق بنا؟ لا شك أن الجواب يعلمه الكثيرون، وهو حينما يتسلَّم القرارَ أبناءُ الأمة المخلصون العاملون لتوحيد الأمة الإسلامية في دولة واحدة، تتحمل القرارات الصعبة وتنهي التبعية المطلقة وتعيد الأمجاد السالفة.

﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِين﴾

حامد عبد العزيز

CATEGORIES
TAGS
Share This