جاء محافظ البنك المركزي “مروان العباسي” الجمعة 21 ماي 2021 ليثبت بإعلانه، أمام “مجلس نواب الشعب” أن تونس سجلت لأول مرة منذ سنة 1962 إلى حد اليوم تدهورا في الناتج المحلي ونسبة نمو سلبية ب-%9 في الوقت الذي كانت تونس تتوقع تسجيل نسب نمو ايجابية بثلاثة بالمائة سنة 2020 أي ما يعادل تسجيل تدهور في الناتج الإجمالي المحلي بـاثني عشر بالمائة، صدق توقعاته، التي كان أعلن عنها يوم الخميس 05 ـ نوفمبر 2020، أمام نفس المجلس، من أن التوقعات بنمو الاقتصاد الوطني سنة 2020 بنسبة سلبية في حدود 7.2 لو تحققت ستكون “رقما ممتازا”، وأن الناتج المحلي الإجمالي لتونس “سيكون سلبيا، لأول مرة منذ سنة 1962 (هكذا)، ليدلل على أن الشلل، الذي يعترف صراحة، أنه قد أصاب محركات النمو والتنمية من استثمار، وتصدير، واستهلاك، يعود إلى عدم قيام تونس بالإصلاحات اللازمة التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. وأن الكارثة، التي قد حلت بعد، ستتعمق ما لم يُستجب لمطالب هذا الصندوق.
جاء يوسّع دائرة المستسلمين لسكين الفكر السياسي الغربي، ويقنع بعض الحالمين بعسل السياسة الاقتصادية الليبرالية، وهي الدائرة التي يسعى صندوق النقد الدولي لضمانها، على أساس هدنة سياسية واقتصادية واجتماعية، رغم ما يشهده الجميع من ترد ووبال لأوضاع البلاد، وما جرته الإجراءات المملات من الدوائر المالية الاستعمارية على مالية البلاد حيث تعمّق هذه الإجراءات أزمة الموازنة العامة للبلاد، كل سنة أكثر وأكثر، ورغم ما اتضح لكل ذي عينين أن سياسة الاقتراض هي في الحقيقة وسيلة إفلاس لا وسيلة إصلاح، منذرا ومحذرا من أنه “إن لم نخض التفاوض مع النقد الدولي، لن يتناقش معنا أحد من أجل التمويل الخارجي”، وأنه “لن نستطيع الخروج للتداين من السوق الخارجية بدون المرور بصندوق النقد الدولي “، هذا “القدر” الذي ليس لنا إلا الاستسلام أمامه، مما يقتضي فتح مصاريع الاقتصاد أمام حيتان الاستثمار، بمزيد الزج بالبلاد في دوامة الاقتراض وهي المطالبة بتسديد ديون تناهز 4,5 مليارات يورو العام الجاري، كما أنها مطالبة بتوفير ما يفوق ستة عشر مليارا من الدنانير للإيفاء بالتزامات الموازنة الحالية.
يسعى محافظ البنك المركزي والفريق الحكومي لاستصدار موافقة من “ممثلي الشعب” على تفاصيل خطة الإصلاح الاقتصادي، التي أوقف صندوق النقد الدولي موافقته على البرنامج التمويلي الذي طلبته الحكومة التونسية على مطابقة هذه التفاصيل للشروط التي وضعها، منذرا ومعلنا، أنه لا بديل أمام تونس اليوم غير صندوق النقد الدولي، متحديا، أن يكون لأحد حلا غيره.
نعم، ليس لمن عميت بصيرته عن قراءة التاريخ، من حلّ لما جرّته، وستجره، سياسته التي خدم بها فكر وثقافة الأعداء، على البلاد من ويل ومن نكبات، إلا أن يوغل في تمكينهم من رقابنا بمزيد القروض المهلكة. ألم يكن محمود بن عيّاد وخليفته اليهودي التونسي نسيم شمامة والمتحصلين على الجنسية الفرنسية وزيرين لمالية تونس؟ ألم يفرّ كلٌ منهما بما يفوق موازنة البلاد أضعافا إلى فرنسا بعد أن أغرقوا البلاد بالقروض الأوروبية؟ ألم تتسبب ال300 مليون فرنك التي اقترضها، باسم تونس، مصطفى خزنة دار الوزير الأكبر (رئيس الوزراء) من أوروبا في دخول الاستعمار لتونس سنة 1881؟
نعم ليس لمن عميت بصيرته عن الصلة الحقيقية بالوجود، بأن الإنسان مخلوق لرب العالمين، وأنه لم يتركه هملا، فأكرمه برسالة الهادي فحددت للمجتمع أسس إشباع الحاجات، وحددت المشكلة الاقتصادية كونها في توزيع الأموال والمنافع على كل حامل للتابعية وتمكين الجميع من الانتفاع بها ومن حيازتها والسعي إليها، وحددت ملكية الدولة والفرد والجماعة، وبينت أسباب تملك المال، وفصّلت أوجه الإنفاق المباحة والمفروضة على الأفراد والجماعة والسلطان. ألم تحدد شريعة الرحمان واردات بيت المال للإنفاق الواجب لسدّ النفقات الواجبة للفقير، وللموظف، وللمصالح والمرافق، ولحدثان الأيام، فلم تترك لكافر بابا يتألّى به على مؤمن إلا أوصدته، وقد قال جل وعلا في محكم التنزيل: “وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” (141) ـ النساء ـ .
إن من عشي بصره عن رؤيا التحولات التي تميز زمننا، ولم يدرك خطوات التاريخ الآتية حثيثا، لا يمكن أن يكنه مرجل الأمة وغليانه وهو يرى أنها بدأت تزيحهم عن كواهلها ولم تعد تأبه لخططهم ولا تسمع لرأيهم، ولم ير أهل تونس وحيويتهم، ولم ير ثبات أهل ليبيا وصبر اليمن السعيد، ومن لم يوقظه وعي الشام وأهله، ليظلّنّ أسيرا للقيود التي كبّله بها الغرب الكافر، ولا يملك الحيد عن ظله. وسيظل من كان هذا دأبه في عماه حتى تأكلَ “دابة الأرض” منسأة ذاك الغرب الكافر. فهم لا يرون أثر العته في أوروبا العجوز وعالمها الذي صنعته، ولا سرعة الخرف في فكرها وعقلها، لذلك لم ينفكوا يعدون السُّقيا من مائه الآسن فلاح.
أما عن الحلول فهي سهلة ميسورة، لمن يسرها الله عليه، فتمسك بالعروة الوثقى، وظن بالله خيرا وأدرك أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم هي أحكام شرعية واجبة النفاذ، فأخذها على ضوابطها وأنفذها على وجوهها، وقد قال عز وجل في كتابه العزيز: “أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (50) ـ النور ـ أما عن إقامتها، فمن تطبيقها إزاحة من أنكرها وأعرض عنها، فارفعوا أيديكم عن رقاب الناس حتى يقام فيهم شرع ربهم، وانزعوا عن رقابكم ربقة الذل التي كبّلكم بها الكافر المستعمر، وعوا أن اتباعكم لهم وخضوعكم لرأيهم وتدبيرهم ليس سياسة وليست علاقات دولية، فهي لا تعدو أن تكون خيانة على أيّ وجه أخذت. وأول الخلاص أن نحرر إرادتنا فيصير أمرنا إلينا نرى فيه رأينا على قاعدة وجهة نظرنا في الحياة، كوننا مسلمون حملنا مسؤولية حمل أمانة الله إلى الناس كافة. “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه”. (110) ـ آل عمران ـ