السياسة الإسلامية الاقتصادية

السياسة الإسلامية الاقتصادية

تعرضت جريدة التحرير في الأعداد السابقة للمصادر الأربعة للتنمية الاقتصادية (الصناعة والزراعة والتجارة وجهد الإنسان), وللسياسة الإسلامية المتعلقة بها من حيث إنشاء المشاريع التي تزيد في الثروة، حيث تستغل إيرادات الدولة الضخمة الآتية من أموال الخراج والجزية والغنائم والركاز والحمى وجزء من أموال الملكية العامة الهائلة الآتية من ثروات البلد، تستغل هذه الإيرادات بسرعة وكفاءة لإيجاد المصانع التي تصنع الآلات التي تنتج بدورها كل ما تحتاجه الأمة، لإحداث الثورة الصناعية و بالتالي الثورة الزراعية والتجارية والاستفادة من جهد الإنسان أي اليد العاملة دون هضم حق الأجراء.

وبعد البحث في تأمين الثروة، يجدر الحديث عن السياسة الإسلامية لتأمين الحاجات الأساسية للأفراد.

السياسة الإسلامية الاقتصادية

ترتكز السياسة الإسلامية الاقتصادية على قاعدة إشباع حاجات جميع الأفراد الأساسية فرداً فرداً إشباعاً كاملاً وتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية بقدر المستطاع، وعليه فلا ينظر إلى الثروة الموجودة بحوزة الأمة من حيث الكم زيادة أو نقصاناً وإنما ينظر إلى الموجود منها من حيث كيفية تصريفه وتوزيعه على الناس بناءً على قاعدة الإشباع.

الحاجات الأساسية

أما ما هي هذه الحاجات الأساسية فإنها في نظر الشرع الإسلامي قسمان:

أحدهما – الحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الرعية بذاته، وتشمل المسكن والمأكل والملبس.

والثاني – الحاجات الأساسية للرعية كلها، وتشتمل على الأمن والتطبيب والتعليم.

الحاجات الأساسية لكل فرد

أما الحاجات الأساسية لكل فرد فهي الطعام واللباس والمأوى، أي هي المأكل والملبس والمسكن. هذه الثلاث هي الحاجات الأساسية لكل فرد، ولا يستطيع أي إنسان الاستغناء عن واحد منها، ولذلك كان إشباعها حقاً لكل إنسان يأخذه بوصفه حقاً من حقوقه التي يجب أن يصل إليها. فإن هذه الحاجات الأساسية هي المشكلة الأساسية، وتوفيرها هو الذي يعالج هذه المشكلة. فإذا وفرت لكل فرد لم تبق هناك مشكلة أساسية. وقد حدد الإسلام الحاجات الأساسية بهذه الثلاث في نصوص صريحة واضحة، والدليل عليها قوله تعالى: ((وأطعموا البائس الفقير)) وقوله: ((وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن)) وقوله: ((أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدِكم)).

ضمان الحاجات الأساسية للأفراد

وضمن الإسلام إشباع جميع هذه الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية فرداً فرداً ضماناً قطعياً في نصوصه الصريحة أيضاً، وضمن أن يكون هذا الإشباع إشباعاً كلياً في نصوصه الصريحة كذلك.

فقد أوجب الإسلام على الفرد العمل لتأمين نفقته و نفقة من يعول كالزوجة و الأبناء و الأبوين و من تجب عليه نفقتهم،  وبضمان النفقة للزوجة والأبوين والأبناء وكل ذي رحم محرم قد ضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية إلا من لا يوجد له رحم محرم، وإلا إذا عجز هؤلاء عن الإنفاق. وهاتان الحالتان قد احتاط الشرع لهما وشرع لهما أحكاماً معينة محددة. ففي حال عدم وجود أحد ممن تجب عليه النفقة، أو وجد ولكنه لا يستطيع الإنفاق أوجب الشرع النفقة في هاتين الحالتين على بيت المال أي على الدولة.

فأحاديث الرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم تزخر بالمعاني الدالة على أن الدولة تضمن هذه الحاجات للذين لا يملكونها، فقوله عليه وآله الصلاة والسلام: «من ترك كلاًّ فإلينا ومن ترك مالاً فلورثته» والكل الضعيف الذي لا ولد له ولا والد.

وقوله صلّى اللـه عليه  وسلّم: «فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه» أي أن الدولة تكفله وتضمن له العيش الذي يستلزم ضمان المأكل والمسكن والملبس.

ولكن الدولة لا تعطي الكسالى الذين يتوفر لهم العمل وهم قادرون عليه ولكنهم يتكاسلون، لا تعطيهم بل تجبرهم على العمل لكسب نفقاتهم ونفقات من يعولون.

ضمان حاجات الرعية الأساسية

وتشتمل على الأمن والتطبيب والتعليم، وهذه الأساسيات العامة دل عليها حديث الرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم في قوله: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا» فاعتبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحد الأدنى من المتطلبات الواجب توفيرها للرعية هي الأمن والصحة، وأما التعليم فدل عليه حديثه صلى الله عليه وسلم في قوله: «مثل ما بعثني اللـه به من الهدى والعلم كمثل الغيث» وقوله: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» فتشبيه العلم بالغيث ومقابلة العلم بالجهل وربطه بأشراط الساعة دليل على اعتبار التعليم من ضروريات الحياة الواجب توفيرها. ولقد أجمع الصحابة رضي اللـه عنهم على إعطاء المعلمين رزقاً من بيت المال، فكان عمر رضي اللـه عنه يعطي معلمي الصبيان في المدينة من بيت المال خمسة عشر ديناراً في الشهر.

إختفاء التوترات الطبقية

وبسد حاجات الرعية الأساسية وبتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية قدر الإمكان تختفي معظم الأسباب الموجبة لخلق التوترات الطبقية والاستغلالية بين فئات المجتمع، فلا نرى ما نراه في المجتمعات الرأسمالية من انقسام المجتمع إلى طبقات رأسمالية وعمالية ومتوسطة يعتريها التطاحن والتقاتل، ويسود علاقاتها مظاهر الاستغلال والجشع، وتطغى عليها مشاعر الكراهية والحقد والحسد والتربص، ولا نشاهد ما يشاهد في المجتمعات الرأسمالية الآن من إضرابات عمالية وتنظيمات نقابية واحتجاجات دورية ينتج عنها تعطيل مصالح العامة وإهدار طاقة الأمة وتبديد ثرواتها، وإيقاع المجتمع برمته في أتون دوار اقتصادي مستمر لا ينتهي عند حد ولا يتوقف في حال، يلف الناس في دوامته ويثير فيهم هوس حب المال وعشق المادة، ينسيهم ما يجب أن يكون عليه حالهم من حيث وجود مغزى ومعنى ومضامين سامية لحياتهم.

والإحساس بضمان هذه الحاجات الأساسية يجعل الناس يلتفتون إلى ما هو أهم وأعظم من الرزق ألا وهو حمل الدعوة ونشر المبدأ، غير خائفين من هاجس الفقر والضياع والتشرد، كما هو حال الكثير من الناس في كل دول العالم اليوم. فهذا الشعور بضمان الحاجات الأساسية من قبل الدولة للأفراد يحد من مشاعر البغض والحسد عند الناس ويقلل من السباق المحموم بينهم على الأموال والمنافع.

د. الأسعد العجيلي، عضو المكتب الإعلامي لحزب  –التحرير

CATEGORIES
TAGS
Share This