السياسة الإنجليزية وكيفية مواجهتها
إن النظام الدولي الحالي فرضته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا، من أجل التحكم في العلاقات الدولية، وفي الدول نفسها، لتتخذها أداة للسيطرة والاستغلال والنفوذ. وفوق ذلك تعتبر هذه الدول عدوة للإسلام والمسلمين، لأنها تعتنق ديانات ومبادئ تناقض الإسلام، لذلك رسمت الخطط البعيدة المدى للحيلولة دون عودة الأمة الإسلامية أمة عظيمة بين الأمم بعدما أقصت الاسلام عن الحلبة الدولية، وذلك بالحيلولة دون قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة أو القضاء عليها فور قيامها.
لذلك كان لا بد من الوقوف على الأسس والقواعد التي تقوم عليها سياسة الدول الكبرى، أي لا بد من معرفة واقع السياسة الخارجية لكل من أميركا، وروسيا، وإنجلترا، وفرنسا، مع دوام اليقظة والحذر من جميع الدول المعادية.
مكمن قوة إنجلترا
تبلغ مساحة بريطانيا 242 ألف كلم2 أي مرة ونصف مساحة تونس وعشر مساحة الجزائر ويبلغ عدد سكانها 63 مليون نسمة أي مرة ونصف سكان الجزائر، وبالرغم من صغر حجمها فإن بريطانيا تعد من الدول الكبرى التي لا يزال لها تأثير ولو محدودا في الموقف الدولي، وذلك راجع للذكاء، وسعة الحيلة التي يتميز بها شعبها، وهو ما أهلها لان تكون في وقت سابق الدولة الاولى في العالم، كما جعلها تشكل خطراً حقيقيا على الدولة الإسلامية.
السياسة الإنجليزية
نظرا لصغر حجمها سخرت بريطانيا غيرها للسير معها في تحقيق أهدافها وتأمين مصالحها، أو في جر المغانم ودفع المغارم. هذا هو أساس السياسة الإنجليزية: شعب صغير في بلاد صغيرة، يريد أن يكون الأول في هذه الحياة، ويريد العظمة والمجد، ومن أجل ذلك يُكتل القوى، مهما كانت، ليتخذها أداة لتحقيق عظمته ومجده. وعلى هذا الأساس يسير في جميع سياسته، في حالة القوة كما كان في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، وفي حالة الضعف كما هو حاصل اليوم، فقد دخلت الاتحاد الاوروبي للتقوي به دوليا ثم غادرته لما أحست بعدم جدواه، وسخرت أمريكا مرتين لمواجهة ألمانيا، وتهتم اهتماماً جدياً بالتوازن الدولي، لذلك جيشت العالم لإيقاف التوسع الالماني في الحربين.
المجال الحيوي لبريطانيا
لقد ضعفت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية وضعف تأثيرها الدولي بفعل الاتفاق الروسي الامريكي على طردها من المجال الدولي، كما ازداد ضعفها دوليا بعد انسحابها من الاتحاد الاوروبي وفشلها في تسخيره لصالحها. ومع ذلك لا يصح أن ينظر لإنجلترا نظرة استضعاف، ولا يصح أن يعتبر ضعفها الدولي دليلاً على ضعفها الحقيقي، بل يجب أن يفرق في النظرة إليها بين حالها دولياً، وبين حالها في مقومات قوتها الحقيقية التي تمدها بالحياة والقوة، وتضمن لها البقاء واستئناف السير.
إن المجال الحيوي لبريطانيا يكمن في آسيا وأفريقيا، أي في البلدان التي تطمع في استغلالها، وجعلها قوة لها، وشرايين الحياة لشعبها ودولتها. ولهذا فإن مقتل إنجلترا إنما يكمن في آسيا وأفريقيا وليس في أوروبا، فقوتها تنبع من هذين الموقعين، وحياتها معلقة بوجودها في هذين الموقعين، وما دام هذان الموقعان لها فيهما أو في أي منهما قوة، فإنها تبقى قوية مهما ضعفت، وتبقى دولة حية مؤثرة مهما لحقها من ضربات.
ولذلك فإن السياسة الإنجليزية إذا درست للتفهم والعمل فإنما تدرس في آسيا وأفريقيا أولاً، ثم تدرس في أوروبا، لأن سياسة إنجلترا في أوروبا، إنما تنفع للعمل ضدها دولياً، وللحيلولة دون تكتيلها وتسخيرها لها، سواء في السياسة الدولية، أو السياسة الاستعمارية.
أما سياستها في آسيا وأفريقيا، فإنها تدرس لقطع الشرايين التي تمدها بالحياة، حتى تعود إلى حجمها الطبيعي، دولة صغيرة لشعب صغير.
الخطوط العريضة للسياسة البريطانية
لذلك لا بد من دراسة الخطوط العريضة للسياسة البريطانية في إفريقيا وآسيا وأسس هذه السياسة في هذين البلدين، وهي تتلخص فيما يلي: