السياسة الزراعية في الإسلام
إن المشكلة الأساسية تكمن في النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي سن ترسانة من التشريعات التي تجعل المال يتجمع في يد الأغنياء ويحرم منه الفقراء، بالإضافة إلى سيطرة الدول الكبرى على مقدرات الدول الضعيفة و منها تونس، وذلك من خلال سياسات المؤسسات المالية الغربية التي تفرض برامج للإصلاح المالي تخدم رأس المال الأجنبي (الشركات الغربية) وتجعل البلاد تحت الوصاية الغربية .
أما العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية في تونس وغيرها، فيكمن في تبني نظام الإقتصاد في الإسلام الذي يضمن توزيع الثروة الداخلية والخارجية على جميع أفراد الأمة، بحيث يضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية من مسكن ومأكل ومشرب لجميع أفراد المجتمع إشباعا كليا، ويمكن الأفراد من إشباع حاجاتهم الكمالية بقدر المستطاع.
وبسد حاجات الناس الأساسية وبتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية قدر الإمكان تختفي معظم الأسباب الموجبة لخلق التوترات الطبقية والاستغلالية بين فئات المجتمع.
توزيع الثروة يعني بيان كيفية حيازتها من مصادرها
إن تنمية الثروة تأتي طبيعيا ببيان كيفية حيازتها، فحيازة الأرض مثلا تؤدي طبيعيا إلى استغلالها وزيادة إنتاجها، لذلك تكون معالجة موضوع الإقتصاد في تونس وغيرها من بلاد المسلمين على قسمين منفصلين:
1.السياسة الإقتصادية
2.زيادة الثروة (التنمية الإقتصادية)
السياسة الاقتصادية
أما السياسة الاقتصادية فتكون معاجتها في أمرين: أولا الخطوط العريضة لمصادر الاقتصاد (الزراعة، الصناعة، التجارة، جهد الإنسان)، وثانيا الخطوط العريضة لضمان الحاجات الأساسية للأفراد.
وقد تميز الإسلام عن غيره من الأنظمة الوضعية بأن جعل أصل المال لله والإنسان مستخلف فيه ولذلك فإن تحديد القطاع العام والقطاع الخاص ليس محل اجتهاد حتى تتحول بعض الأعيان من ملكية عامة إلى ملكية فردية، بل هي ثابتة لا تتغير ولا تخضع لمزاج الحكام أو خضوعهم للضغوط الدولية أو لرؤوس المال الفاسدين، فلا يمكن أن تتحول على سبيل المثال مناجم الملح و الجبس والفسفاط وأبار البترول والغاز والحديد والنحاس واليورنيوم وغيرها من المعادن التي اعتبرها الإسلام ملكية عامة، ينتفع بمردودها كل أفراد المجتمع، أن تتحول إلى ملكية فردية أو ملكية الدولة، فتستحوذ عليها الدولة أو تفرط فيها للأفراد أو للشركات الأجنبية كما هو حاصل اليوم في تونس.
زيادة الثروة (التنمية الاقتصادية)
أما معالجة زيادة الثروة فهو موضوع آخر لا علاقة له بالعقيدة والنظام المنبثق عنها، فهو متعلق بتكثير الثروة وليس بمعالجة الإنسان، فبحثه منصب على الوسائل والأساليب التي تنمي الثروة وليس بالنظام الاقتصادي الذي يبحث في كيفية حيازة الإنسان لهذه الثروة وكيفية تنميتها والتصرف فيها.
فالتنمية الاقتصادية أي زيادة الثروة يمكن معالجتها في تونس على أساس زيادة الإنتاج الزراعي مقترنة بثورة في الإنتاج الصناعي بحيث تكون الصناعة رأس الحربة في النمو الاقتصادي.
وهذا يعالج في أربعة أبحاث: السياسة الزراعية، السياسة الصناعية، تمويل المشاريع، وإيجاد أسواق خارجية.
1- السياسة الزراعية
اعتبر الإسلام أن الأرض وجدت لتنتج وبأعلى مستوى، وسن لذلك أحكاما تجعل الملكية متحققة إذا وجد الإنتاج، وباقية ما بقي الإنتاج، ويجعلها تزول إذا لم يتحقق الإنتاج بغض النظر عن سعة المساحات المملوكة أو قلتها، وبغض النظر عن مساواة الناس في ملكيتها وعدم مساواتهم.
فبالإضافة إلى تملك الأرض بالشراء والإرث والهبة، سن الإسلام أحكاما أخرى تخدم هذه السياسة الزراعية فجعل تملك الأرض ممكن بالإحياء والتحجير والإقطاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعد، فمن أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين».
إحياء الأرض لا تأجيرها
والأرض الميتة هي الأرض التي لا يوجد أحد يملكها أو ينتفع بها، وإحياؤها هو إعمارها، أي جعلها صالحة للزراعة كزراعتها أو تشجيرها، أو البناء عليها. فالأرض الميتة إذا أحياها الشخص أو وضع حولها حدوداً فإنه يملكها دون استئذان من الدولة. وأما الإقطاع فهي الأراضي التي تعطيها الدولة للأفراد مجاناً دون مقابل بقصد إحيائها.
هذا من ناحية كيفية ملكية الأرض، أما من ناحية كيفية العمل فيها فإن الشرع قد أجبر مالك الأرض على أن يتولى هو استغلالها، وحرم عليه تأجيرها للزراعة، لا بجزء من الناتج وهو ما يسمى بالمزارعة، ولا بالنقد، ولا بغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى».
نزع الأرض من صاحبها (سقوط الملكية)
فإذا عطلت الأرض ثلاث سنين تنزع من صاحبها جبراً وتعطى لغيره لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين». أي إجبار المالك على استغلال الأرض وأخذها منه إذا أهملها ثلاث سنوات، لأنه حرم نفسه والجماعة مما ستدره تلك الأرض من خيرات.
فهذه الأحكام الثلاثة، وهي:
_ جعل الأرض تملك بالتحجير، وبالإحياء، وبالإقطاع، زيادة على ملكيتها بما يملك به أي مال آخر من شراء، وأرث، وهبة.
_ وجعل استغلالها جزءاً لا يتجزأ من ملكيتها، فإذا لم يحصل مدة ثلاث سنوات تسقط الملكية.
_ ثم منع مالك الأرض من تأجيرها للزراعة منعاً باتاً.
هذه الثلاث هي التي عالجت كيفية الملكية، وكيفية العمل بما يضمن الإنتاج، واستمرار الإنتاج، وزيادة هذا الإنتاج.
الدولة تعطل الإنتاج الزراعي
تملك تونس أراضي فلاحية تقدر ب 10.5 مليون هكتار، منها حوالي 5 مليون هكتار قابلة للزراعة، والباقي غابات ومراعي، وتنوّع المناخ ينتج محاصيل متعددة ومتنوعة، إلا أن هذه الثروة معطلة بمقتضى أحكام الأراضي الاشتراكية وغيرها من الأحكام، مما عطل ملايين الهكتارات وحرم الجماعة من خيراتها.
فالدولة اليوم تمنع الناس من استملاك الأراضي بالإقطاع والإحياء، وتضع العراقيل المالية وحتى القانونية لتحول دون تملك الناس للأرض والدور، وإن تملكوها فإنها ترهقهم بالضرائب، فالدولة في هذه الأيام تتعامل مع رعيتها كأنها غريمتها أو عدوتها، فتحاول أن تستغلها إلى أقصى حد, وأن تضيق عليها لكي تبقى الفئة الحاكمة المسيطرة على الأموال بلا منازع من العامة ولا منافس.
توزيع ملايين الهكتارات المعطلة على جيوش المعطلين عن العمل
إن الواجب على الدولة أن تتخلى عن القوانين الوضعية التي تعطل الإنتاج وأن تتبنى الإسلام الذي عالج مصدراً هاماً من مصادر الاقتصاد، وهو الزراعة بأحكام الإحياء والإقطاع، وذلك بتوزيع ملايين الهكتارات المعطلة على جيوش المعطلين عن العمل وتوفير ما يلزمهم من مياه وبذور، والتشجيع على توسيع إحياء الأرض الموات، لقوله صلى الله عليه وسلم من أحيى أرضا فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين، فالسياسة الزراعية في الإسلام أن الأرض وجدت لتنتج وبأعلى مستوى، فكل من أهمل الأرض أكثر من ثلاث سنين متتالية تؤخذ منه وتعطى لغيره بشكل يوجد التوازن الاقتصادي في البلاد.
وبفضل الإقطاع والإحياء توجد الأعمال وتزداد، وتزيد الثروة، وتنخفض أسعار المساكن والأراضي والعقارات، وهو ما يقلل من نسبة التضخم.