السياسة المثلى لمواجهة تداعيات كورونا

السياسة المثلى لمواجهة تداعيات كورونا

تخوض دول العالم منذ انتشار فيروس كورونا معارك متفاوتة للتصدي لانتشار العدوى، والجدير بالملاحظة أن دول العالم لم تنتهج خطة واحدة لمواجهة الأزمة، فهناك من دعا إلى نظرية مناعة القطيع وترك الناس تمارس حياتها العادية مع الاكتفاء بالتباعد وأخذ الاحتياطات لمقاومة العدوى، وهناك من دعا إلى حجر صحي شامل وهناك من التزم بالحجر الصحي الجزئي. ومن جملة هذه الخيارات اتبعت تونس سياسة الحجر الصحي الشامل.

التداعيات الإقتصادية

أما من ناحية إقتصادية فتشير الدراسات التحليلية للأرقام والمؤشرات الإقتصادية في العالم إلى أن تفشي فيروس كورونا سيتحول من أزمة صحية عالمية إلى أزمة اقتصادية تهز أركان أكبر الدول الصناعية والتجارية في العالم، فيما يشبه الكساد الكبير الذي أعقب الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 من القرن الماضي، وقد اتخذت دول العالم إجراءات لتخفيف الأثر الإقتصادي لفيروس كورونا تراوحت بين خفض أسعار الفائدة وطرح قروض ميسرة ورصد حزمة مساعدات يتفاوت مقدارها من دولة إلى أخرى.

ولم تكن تونس بمعزل عن هذه التداعيات الاقتصادية بفعل ارتباط اقتصادها بأوروبا التي تعيش شللا اقتصاديا تاما وهو ما يؤثر سلبا على القطاعات التصديرية والسياحة والنقل البحري والجوي، بالإضافة إلى القطاعات التي تهم التجارة الداخلية والخدمات، وهو ما يزيد في نسبة البطالة ويؤدي بالتالي إلى الانكماش، وقد أقدم البنك المركزي ووزارة المالية بإجراءات بهدف الحد من اختلال التوازنات الكبرى والمحافظة على القدرة الشرائية للناس وحماية القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية، وبعض الإجراءات لصالح الفئات الضعيفة، وقامت الحكومة بتعبئة جزء من مواردها المالية باقتراض 745 مليون دولار من صندوق النقد الدولي ضمن “برنامج كورونا”.

سياسة غير مناسبة

إن سياسة الحجر الشامل التي اتبعتها تونس ليست مناسبة بسبب المشكلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، فانخرام التوازنات المالية للدولة بسبب كورونا سيزيد من التجاء الدولة للتمويل الأجنبي مما ينجر عنه ارتفاع كبير للمديونية. و تخلي الدولة عن دورها في رعاية شؤون الناس لصالح القطاع الخاص، سيدفع الناس بحكم الحاجة إلى كسر الحجر الصحي فالفقر كافر كما يقال، فلا يكفي للدولة أن تعلن عن الحجر الصحي دون تأمين الغذاء والدواء للناس، فالدّول الأوروبية التي سارت في سياسة الحجر الشامل بادرت باتخاذ إجراءات للتعويض وسدّ حاجيات الناس. وأمّا تونس فليست مؤهلة لهذا، ولم تتجهّز له، وقد تصمد شهرا أو شهرين آخرين ولكن لن تستطيع أن تصمد أكثر، خاصة إذا علمنا أن تقارير الخبراء تؤكد أن كورونا قد يستمر عاما أو أكثر، وقد يزداد الأمر تعقيدا إذا تأكدت الدراسات العلمية التي صدرت مؤخرا و بينت أن الفيروس كوفيد19 له 40 طفرة وأن بعض الذين شفوا منه أصيبوا مرة أخرى، ما يعني أننا لا بد أن نتعايش مع هذا الفيروس كالأنفلونزا العادية التي تتجدد كل سنة.

السياسة المثلى لمواجهة الوباء

إن العلاج الصحيح لهذا المرض هو كما جاء في شرع الله سبحانه بأن تتابع الدولة المرض من بدايته وتعمل بأن يعزل المرض المعدي في مكانه ويحجر على المرضى صحياً ويتابعوا بالرعاية والعلاج مجاناً، ويستمر الأصحاء في عملهم وتستمر الحياة الاجتماعية والاقتصادية كما كانت عليه قبل المرض المعدي لا أن تتوقف حياة الناس العامة ويعزلوا في البيوت ومن ثم تُشل الحياة الاقتصادية أو تكاد فتزداد الأزمة استفحالاً وتظهر مشكلات أخرى…

روى البخاري في صحيحه عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا» وفي رواية أخرى للبخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ ﷺ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

وبناء عليه فإن سياسة الدولة الإسلامية في مواجهة الوباء تكون بتحديد المريض، ولا يكون ذلك إلّا بالتحليل. وبناء عليه، فإنّ الدولة تكثر من التحليل لمعرفة المصاب بالداء ثمّ متابعته ومتابعة من اتصل به، وتأتي بعدها إجراءات العزل والمعالجة وغيرها. وحتى يتأتى لها ذلك يجب على الدولة أن تبدع في اختراع الأجهزة المختلفة للقيام بالتحليل السريع والناجع، مع اتّخاذ إجراءات الحيطة من تعقيم ولبس القناع والابتعاد.

فهذا نوع من الحجر الصحي في دولة كانت متقدمة على جميع الدول، وفي دولة حضارية من الطراز الأول قائدها نبي الله ورسوله ﷺ يوحى إليه وهو يطبق الإسلام ليكون قدوة حسنة في التطبيق.

د. الأسعد العجيلي رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This