السّفارة الأمريكيّة في تونس والاختراق النّاعم: من القمّة إلى القاعدة

السّفارة الأمريكيّة في تونس والاختراق النّاعم: من القمّة إلى القاعدة

بتاريخ 08 فيفري 2023 كتبنا مقالا وسمناه بـ “السفير الأمريكي الجديد بتونس… أيّة مهمّة؟ عن السّفير الأمريكي في تونس “جوي هود” بمناسبة تسلّم الرئيس قيس سعيّد يوم الخميس 2 فيفري 2023 أوراق اعتماد سفراء جدد مقيمين بتونس من بينهم سفير الولايات المتحدة الأمريكية جوي هود. وحينها تطرّقنا إلى المهمّة الخطيرة التي جاء ذلك السّفير ليُنجزها فهذا السّفير الأمريكي الجديد هو حلقة من سلسلة هيمنة أمريكيّة استعماريّة جهنّميّة، ومهمّة السّفير الأمريكي في بلاد المسلمين هو إدامة الهيمنة، هيمنة الفكر الغربي الرأسمالي أوّلا ثمّ الهيمنة السّياسيّة والاقتصاديّة حتّى تكون البلاد تابعة لأمريكا وللعالم الغربي. ومن تمام مهمّة السّفير الأمريكي أن يحول دون تحرّر البلاد التي يكون فيها سفيرا. فطبيعيّ إذن أنت كون من مهمّات السّفير الحيلولة دون ثورة تقود إلى التحرّر والاستقلال. وآية ذلك أنّ هذا السّفير جاء بمهمّة واضحة تتمثّل في:

  • استمرار المسار الدّيمقراطيّ، ولا معنى إلّا إجبار التّونسيين على “الخيار الدّيمقراطي” وعدم السّماح للتّونسيين بأن يقيموا دولة على أساس عقيدتهم الإسلاميّة بما يقتضيه من محاربة أيّ تحرّك أساسه الإسلام

  • أن تدخل تونس ضمن نادي المطبّعين ضمن اتّفاقيّات “أبراهام المشؤومة”، من أجل ضمان استمرار تقطيع أوصال بلاد المسلمين وجعلهم يقبلون بالتّنازل عن الأقصى وما حوله من الأرض المباركة.

  • أمّا التّعاون الاقتصادي وحديث السّفير عن أزمة تونس الاقتصاديّة، فيقطر إهانة لتونس وشعبها، فهذا السّفير الدّخيل البغيض يزعم أنه سينقذ شعب تونس بتوفير فرص عمل جديدة وهي لا تعني إلّا جعل شباب تونس وطاقاتهم في خدمة الشّركات الأمريكيّة. بما يجرّه من تبعيّة ذليلة دائمة للاقتصاد الغربي الرأسمالي الذي تتزعّمه أمريكا.

وهآ نحن ولم تمرّ بضعة أشهر على إقامة هذا السّفير في بلادنا وهو يجوب البلاد بالطّول والعرض ففي الأيّام القليلة الماضية (من 08 إلى 15 أوت 2023) قام السّفير بجملة من الأعمال نورد فيما يلي تلخيصا لها:

  • ففي 8 أوت 2023 واكب السفير جوي هود الحفل الختامي للمخيم الصيفي للشباب ضد الفساد مع مجموعة متميزة من طلبة القانون. تضمّن الحدث مناظرة طلابية حول الفساد ونقاشات أخرى تحث على التفكير. تلتزم سفارة الولايات المتحدة بتمكين الشباب كقادة المستقبل الذين يسعون لتحقيق الشفافية والمساءلة في مختلف القطاعات.

  • وفي يوم 11 أوت 2023 اجتمع السّفير الأمريكي بخرّيجي منحة كينيدي-لوغار للتبادل والدراسة للشباب الموسومة اختصارا بـ(YES) ليحتفلوا بالذّكرى العشرين للبرنامج في تونس. وشجع السفير الخريجين على مواصلة جهودهم كسفراء ثقافيين لتونس والولايات المتحدة: “أنتم مستقبل علاقاتنا التونسية الأمريكية… سيتم تعميق وتوسيع روابط الصداقة بين دولتينا بفضل الخريجين مثلكم. أرى آفاقًا لخلق فرص جديدة للأعمال والاستثمار، والوظائف، والتطور التكنولوجي مما يولد ازدهارًا اقتصاديًا للتونسيين والأمريكيين على حد سواء.”

مع العلم أنّه ومنذ سنة 2003، شارك أكثر من 500 تلميذ من المدارس الثانوية التونسية من جميع أنحاء البلاد في برنامج(YES)، حيث عاشوا مع عائلات أمريكية ودرسوا لمدة سنة أكاديمية في الولايات المتحدة.

  • وفي يوم الاثنين 14 أوت 2023التقى السفير الأمريكي جوي هود مع ممثّلات عن الاتحاد الوطني للمرأة التونسية بالقيروان وجمعية المرأة الريفية بجندوبة وعاملات في القطاع الفلاحي لمعرفة كيف تساعدهن شراكتهن مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID على خلق ظروف عمل أكثر أمانًا.

  • وفي يوم الثّلاثاء 15 أوت 2023 استضاف مسؤول الشؤون الثقافية (CAO) بالسفارة دميتري تاراخوفسكي حفل استقبال على شرف العائدين من خريجي برنامج توماس جيفرسون للمنح الدراسية

وجاء في بيان السّفارة ما يلي: “قضّى هؤلاء القياديون التونسيون البالغ عددهم 33، سنة دراسية في الولايات المتحدة وهم يعدون أنفسهم للإسهام في دفع التنمية بتونس. بفضل الفرص الأكاديمية التي يتيحها والإدماج المهني وتطوير مهارات القيادة، يعزز برنامج توماس جيفرسون للمنح الدراسية (TJSP) النمو الاقتصادي والاستقرار والتطوير الديمقراطي في تونس من خلال إكساب شبكة من الشباب المهارات الأساسية لقيادة التغيير الإيجابي في مجالاتهم المهنية وداخل مجتمعاتهم المحلية.

منذ انطلاقه سنة 2013، أتاح برنامج توماس جيفرسون للمنح الدراسية لأكثر من 630 طالبًا جامعيًا من جميع الولايات التونسية فرصة الدراسة في أكثر من 100 كلية وجامعة في الولايات المتحدة. بفضل برامجه المتكاملة، يدعم الطلاب مهاراتهم الأكاديمية وتمكنهم من اللغة الإنجليزية، ويعززون قدراتهم القيادية، ويطورون خبراتهم المهنية. يعود الخريجون إلى ديارهم متأهبين للإسهام في مجتمعاتهم ومجالاتهم المهنية وفي تنمية بلدهم. تبرز الاستطلاعات السنوية لتأثير البرنامج على المدى الطويل، أن نسب توظيف خريجي TJSP تزيد باطّراد عن 80 ٪ بعد إكمال تعليمهم.
هنأ مسؤول الشؤون الثقافية الخريجين الجدد لبرنامج توماس جيفرسون للمنح الدراسية وتحدث معهم عن الانتظارات التي رسمها من سبقهم لرد الجميل لمجتمعاتهم وبلدهم من خلال المبادرات الاجتماعية التي أطلقوها وتولي دفة القيادة في مجالاتهم المهنية.

هذا وسيلتحق 27 طالبًا من المجموعة الجديدة للعام الدراسي بدأ بجامعاتهم في الولايات المتحدة في شهر

أوت 2023 لبدء عامهم الدراسي ومباشرة أنشطة التدريب الأكاديمي والمهني والقيادي.

بالإضافة إلى الدورات الدراسية، يكتسب المشاركون خبرة عملية من خلال مشاركتهم في مشاريع خدمة المجتمع والتدريب المهني.

هكذا تستهدف السّفارة الأمريكيّة خيرة شباب تونس تستقطبهم تحت سمع السّلطة وبصرها, وتكوّنهم تكوينا قياديّا. فما معنى التّكوين القيادي وعلى أيّ أساس ولتحقيق أيّ هدف؟ فهل سيعمل من تربّى على أيدي الأمريكان على تحرير تونس من سطوتهم؟ هل سيفكّر من تربّى على أيدي الأمريكان في تحرير القدس والأقصى أم سيفكّرون كما توعّد هذا الدّخيل الأمريكي البغيض أن سيمهّد الأرضيّة في تونس للتّطبيع مع كيان يهود؟

ثمّ لا تكتفي أمريكا في تونس بالسّطو على خيرة شبابنا وعقولهم ونفسيّاتهم بل ها هي تدخل إلى أعماق تونس حيث فلّاحوها البسطاء الطّيّبون في أعماق الرّيف ريف القيروان وجندوبة… وهو تدخّل بعد معرفة إحصائيّة دقيقة عن عدد الفلّاحات في تونس لا يعرفها كثير من المسؤولين فيها, فقد ورد في بلاغ نشرته السفارة الأمريكية: “تشكل أكثر من 600 ألف امرأة العمود الفقري للقطاع الفلاحي في تونس، لكن العديد منهن يعانين من صعوبات جسدية ونفسية ومالية.”

 يقتحم عليهم هذا الدّخيل الوقح مستغلّا الفقر والأزمة ومستغلّا إهمال الحكّام والسّلطة للفلّاحين وقطاع الفلاحة ليقول بكلّ وقاحة مهينة أنّهنّ يعانين من صعوبات جسديّة ونفسيّة وماليّة، فهل أمريكا مجرمة الحروب ومستعمرة الشّعوب هي من سيزيل معاناتهنّ؟ هل ستزيل معاناتهنّ كما أزالت معاناة الفلسطينيين والعراقيين والأفغان واليمنيين والسّوريين…) ألم تكن السّلطات في تونس هي الأجدر بالاهتمام بهنّ. نعم يقتحم الأمريكيّ المستعمر أعماق تونس ويتفقّد ويوجّه تماما كما كان يجب أن يعمل الحاكم، فأين حكّام تونس إن كان لها من حاكم؟

إنّ ما يقوم به السفير الأمريكي في تونس هو تدخل سافر في شؤون تونس الداخلية، تدخّل في صميم مهام رئيس الدولة، أو من ينوب عنه، فهل أصبح السفير الأمريكي حاكماً عاماً لتونس؟! فهو يجتمع مع الولاة، ويلتقي برعايا الدولة، ويتحدث عن قضايا التنمية والاستقرار وغيرها من أعمال الحاكم!

إنّ مثل هذه التّدخّلات لا تحدث في دولة محترمة تدعي الاستقلال، ولكنه يحدث في تونس رغم أنف قوانينهم الدولية المزعومة، التي تمنع السفراء من التدخل بأي شكل من الأشكال في الشؤون الداخلية للبلد المضيف، فقد جاء في المادة (41-1) من اتفاقية فينّا للعلاقات الدبلوماسية ما يلي: (دون الإخلال بالمزايا والحصانات المقررة لهم، على الأشخاص الذين يستفيدون من هذه المزايا والحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها، كما أن عليهم واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة).

لكنّ الغرب (أمريكا وأوروبا) وسفراءهم في تونس لا يعتبرون تونس دولة مستقلة ذات سيادة، لذلك فهي مستباحة لكل السفراء، إذ يتدخلون في أدق التفاصيل في شؤونها، ولا يجرؤ حكام تونس السابقون والحاليون على منعهم ولو بشطر كلمة، فلو أنّ للتّونسيين دولة حقيقيّة قائمة لما تجرأ سفير على التّدخّل.

إن على أهل تونس وغيرهم من بلاد المسلمين، أن يعملوا لإيجاد دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي تحقق لهم السيادة الحقيقية على بلادهم، وتقطع يد الكافر المستعمر عنها، ولن تكون لأمريكا ولا لبريطانيا وكل الدول الطامعة في بلاد المسلمين سفارة ولا سفير فيها، فقد ورد في مشروع دستور دولة الخلافة، العائدة قريباً بإذن الله، والذي يقدمه حزب التحرير للأمة لدراسته، وإقامة الخلافة على أساسه، وتطبيق أحكامه، جاء في المادة 189 منه، التي تحدد علاقة الخلافة بغيرها من الدول القائمة في العالم ما يلي:

“ثالثها: الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات، والدول الاستعمارية فعلاً كإنجلترا وأمريكا وفرنسا والدول التي تطمع في بلادنا كروسيا، تعتبر دولاً محاربة حكماً، فتتخذ جميع الاحتياطات بالنسبة لها، ولا يصح أن تنشأ معها أية علاقات دبلوماسية. ولرعايا هذه الدول أن يدخلوا بلادنا، ولكن بجواز سفر وبتأشيرة خاصة لكل فرد ولكل سفرة، إلا إذا أصبحت محاربة فعلاً”.

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

CATEGORIES
Share This