الشرعية الدولية شرّ كلّها… فليست لكُم دليلا

الشرعية الدولية شرّ كلّها… فليست لكُم دليلا

في جلسة، المساءلة، لرئيس مجلس نواب الشعب المنعقدة  يوم 03 ــ 06 2020 كما سماها القائمون على الدعوى، أو جلسة، الاستماع، بحسب توصيف أنصار الأغلبية الحاكمة، وفي ظل أجوائها الصاخبة وضجيج الإعلام الداخلي والخارجي، وضعت هذه الجلسة تحت عنوان الدور الدبلوماسي المشبوه لرئيس المجلس من جهة، أو دبلوماسيته البرلمانية النشطة من جهة أخرى، والتي اعتبرت تعديا على صلاحيات رئيس الجمهورية. هذا البحث الإجرائي الذي تميزت به الحياة السياسية في تونس والذي يتشبث به مختلف الفرقاء ليقال عنهم أنهم يمارسون السياسة، اتصف بكمّ غريب من الحقد والضغينة بين فرقاء يدعي جميعهم الإنتماء إلى نفس المرجعية “الفكرية والسياسية”: الوطنية والديمقراطية، والملتحفة بالعلمانية المقيتة.

  أبان هذا الصراع عن ميول عقيمة وعن انحراف خطير عن جادة الصواب فكانت الضحية في هذا الهرج والتطاحن الحقيقة، والحلول السوية لما تشكو منه البلاد ولما يعاني منه العباد، إذ تلحف الفريقان برداءي شر وسوء:

   ــ اعتبر القائمون على الدعوى أن من يخالف التراتيب الإجرائية، ويتجاوز صلاحياته, وأن من يدين بالولاء لغير تونس غير جدير برئاسة برلمانها، في معرض إدانتهم لموقف رئيس البرلمان من حفتر، الذي لا ينكر أحد ولا يخفى عليه أن، حفتر هذا، ينفذ خطة أمريكية لدخول منطقتنا والبدء بليبيا للتمدد إلى أجوارها ومنها تونس التي يدعي البعض الدفاع عنها بمثل هذه المواقف، ورغم مشاهدة الجميع استعانته بالروس وبكل عدو، وإدخاله صنوفا من المرتزقة المجرمين، وقصفه للآمنين وتخريبه للعمران.

   ــ يدفع الفريق الثاني عن نفسه التهمة، من كون انحيازه إلى سلطة السراج، هو موقف الحكمة والعقل وهو الذي يحفظ مصالح وأمن البلاد باعتبار أن سلطة طرابلس تتمتع بالشرعية الدولية ومعترف بها عالميا… كأن هذه الشرعية الدولية التي فرضها علينا وعلى العالم، ما يسمى بالقانون الدولي الذي وضعته قوى الهيمنة الاستعمارية خدمة لمصالحها وتثبيتا لهيمنتها على شعوب الأرض، لم تفرض علينا أفكارها ومفاهيمها تحت قوة سلاحها، وأحذية جيوشها وكأنها ليست هي التي مزقت أمتنا وفرضت علينا هؤلاء الحكام الذين نكتوي بسم خياناتهم وفسادهم.

   ولعل أعجب العجب أن يتهم فريق خصمه السياسي بأن له مرجعية إسلامية، أي أن من ذنوبه أن يسعى إلى إقامة الحكم الشرعي فينبري المتهم بذلك إلى دفع ” الفرية ” عن نفسه ويعمل جاهدا لإثبات براءته من ذلك…

   وتدافع الفريقان بمفاهيم عن الحياد السلبي والإيجابي تجاه طرفي النزاع، وهي من أغرب الأفهام السياسية التي سربها إلينا، إذ لا تدل إلا على “خطل” الآخذ بها، وقلة الوعي على خطر التدخلات الأجنبية في أراضي الجوار، وكيف الحال إذا كانت الأرض المغزوة أرضنا، أرض ليبيا، غير مدركين او متعامين عن الشر الذي يتهددنا. بل ظلوا يقنعون الناس ببركة الحياد الذي لا يتبناه في الحقيقة إلا خوار رعديد. وما أمر احتلال الجزائر في ثلاثينات القرن التاسع عشر وموقف السلطة في كل من تونس والمغرب يومها والنتائج المترتبة على ذلك عنا ببعيد. فمن أولى بالتدخل في الشأن الليبي وبقوة غير تونس والجزائر؟ ومن أولى من الجهر برفض ومنع كل تدخل خارجي من تونس والجزائر؟ ومن أولى بتعيين العدو المشترك وفضحه، والجهر برفض حشر الأوروبيين من انجليز وفرنسيين والأمريكان والروس، أنوفهم في قضايانا ومقاومة من شايعهم من خونة الداخل وعلى رأسهم حفتر والسراج والأخذ على أيديهم، من تونس والجزائر؟

   إن خضوع الوسط السياسي في تونس، كسائر بلاد المسلمين، للأفكار والمفاهيم السياسية الناشئة على الفكر الديمقراطي الرأسمالي، ومفهوم الواقعية السياسية، لهو سبب كل بلاء نكتوي اليوم بناره، رغم ما نشهد من محاولات محمومة لمفكري الغرب ومراكز دراسته، للبحث عن بدائل لهذه المفاهيم التي انكشف زيفها وخطرها على البشرية، إلا أن الأوساط السياسية عندنا لا زالت تتشبث بها وتعمل على تثبيتها فينا.

    ألم يع هؤلاء الرويبضات الذين سلطوا على الأمة، أن الفكر الغربي الذي يحملون الناس عليه خدمة لأسيادهم الضامنين لسلطانهم قد فقد كل قيمة، إن كانت له قيم، غير الدفاع عن كل ما هو شاذ في حين أن الإنسان يسحق سحقا؟

     ألا يرون بعين البصيرة أنه ورغم تركز أموال الأرض وخيراتها التي لا تنفد بأيدي حفنة من حيتان المال، في حين يضني الشقاء سائر البشرية ويقتلها الجوع، قد عقمت فكرة فصل الدين عن الحياة أن تنبثق عنها آلية توصل للمسحوقين حقوقهم وأن تضخ تلك الأموال في دورة الحياة لتؤدي دورها الذي جعله الله لها؟

   ألا تكفي مشاهد العنصرية التي تعصف اليوم بالحياة في المجتمع الأمريكي وتهز أوصاله هزا لتكشف عن بعض سوءات هذا المبدأ الذي يريد “حكام البلاد” ومن يشايعهم أن يحملوا الناس على الخضوع له والإستكانة لشره؟

 ولعل أغرب الغريب أن ينزع “عاقل” عن رأسه تاج الفخار الذي ألبسنا إياه رب العزة سبحانه، بأن جعلنا من ورثة الرسالة المحمدية إلى الناس كافة نحمل إليهم الخير، نجدة لهم من كل سوء، وبوأنا سبحانه وتعالى مرتبة الشهادة على خلقه: وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ــ البقرة ــ (144) ليلتحف بسواد الديمقراطية الرأسمالية، ويثوي إلى جحر الوطنية الوضيعة، مستبدلا الخبيث بالطيب. وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ــ محمد ــ (38)

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This