رسالة قوية بعثها الشعب التونسي المسلم إلى الوسط السياسي المتكلس عنوانها الكبير “الشعب يريد…”, ثماني سنوات من القصف الاعلامي اليومي على الشعب الطيب، حتى اذا اطمأن المجرمون على مصيرهم وزينت لهم أنفسهم الافلات من العقاب، وظن الجميع أن الشعب وقع تعليبه، والنفس الثوري وقع خنقه، فاجأهم أحفاد عقبة وأبناء الفلاڤة، بأنفاس جديدة وإرادة قوية ووعي متزايد أربك الغرب وأذنابه.
لقد خلع الناس بن علي في 2011، واستطاعوا الاطاحة برجالات الغرب الذين كان يدعمهم في 2019، بالرغم مما أتيح لهم من إمكانات مادية وماكينات إعلامية، وهو ما يؤكد أن إرادة الشعوب أقوى بكثير من إرادة الغرب وعملائه.
المعطى الجديد ليس في نتائج الانتخابات وإنما في دلالاتها السياسية، حيث أجمع الشعب التونسي المسلم سواء من شارك في الانتخابات أو من قاطعها على رفض منظومة الحكم والقائمين عليها، فلم تعد هناك قداسة لدستور التأسيسي الذي أشرف عليه اليهودي نوح فيلدمان، بل على العكس من ذلك أصبح هناك إجماع على ضرورة التغيير وإن لم يتبلور شكله.
وإن من أروع ما حصل هو عودة الثقة عند الناس بقدرتهم على التغيير بعدما انتصرت إرادتهم على إرادة الغرب ووكلائه في الحكم.
وإن ما يزيدنا تفاؤلا هو أن هذا النفس الثوري الجديد قد رافقه تحرك في العراق ولبنان والجزائر، بالإضافة إلى ما رفع من شعارات تتجاوز الحدود القطرية، صدحت بها حناجر الثائرين في قلب العاصمة التونسية، من قبيل (الشعب يريد تحرير فلسطين) و(لا إلاه إلا الله محمد رسول الله والسيسي عدو الله) وأنشودة جمهور الرجاء البيضاوي المغربي (في بلادي ظلموني) التي سمعناها أيضا في الجزائر وفلسطين، ما يؤكد أن نفس الأمة إسلامي وأن فكرة التغيير تجاوزت حدود ‘‘سايكس بيكو‘‘ بعدما صارت وهمية ولم يعد لها أي أثر في حياة الناس.
المعركة القادمة هي معركة إرادات: بين شعب يتطلع للتحرر الشامل من سطوة الغرب، لتحرير إرادته وقراره وثرواته وكف أيادي الغرب عن بلادنا والتخلص من رجالاته الفاسدين والتصالح مع هويته الاسلامية، أي إرادة الشعب في استرجاع سلطانه وسيادة شرع ربه وبين إرادة الغرب في إبقاء البلاد تحت نفوذه و سيطرته.
وفي هذا الإطار ستحاول الدوائر الغربية احتواء التحركات والمبادرات الشعبية لتسييرها لصالحها في إطار ما يعرف بالديمقراطية التشاركية باشراك ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني في إدارة شؤون البلاد لاختراق الحراك الشبابي وإعطاء نفس جديد لنظامه الديمقراطي العلماني، وإغراق الحراك الشعبي بالمطالب الجزئية حتى لا يندفع الشباب نحو التغيير الجذري الشامل، و إفشال كل عملية تغيير حقيقية وإفراغها من مضمونها.
ولينجح الغرب في ذلك، يرسل لنا رسائل من قبيل (إخراج تونس من القائمة السوداء لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي اتخذته هذا الاسبوع مجموعة العمل المالي بباريس) وذلك من أجل أن نثق به ونتخلى عن كفاحه، ولا نوجه سهام غضبنا نحو عدونا الحقيقي ألا وهو الاستعمار الغربي.
إن جميع التغييرات السياسية التي عرفتها المنطقة العربية بعد انطلاق شرارة الثورة في تونس كانت من خارج الوسائل التقليدية الخاضعة لقواعد اللعبة التي يسيرها الغرب ويشرف عليها ضمن شروطه ومصالحه، لذلك فإن التغيير المنتج لن يكون إلا على يد الشارع الثائر الذي لا بد أن يرفع سقف مطالبه من مطالب جزئية إلى تغيير شامل يقوم على فكرة عادلة تنبع من عقيدته الإسلامية، فيتحقق بذلك استعادة قواعد الحكم في الاسلام: وهي السلطان للأمة أي أن الأمة هي من تختار حاكمها بالرضا والاختيار الحر، والقاعدة الثانية السيادة للشرع أي أن التشريع بيد الله حتى تتحرر الأمة من عبودية وهوى المتنفذين والنفعيين في الداخل والخارج، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
د, الأسعد العجيلي, رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس