الشّعب في واد والوسط السياسي (رئيسا ومعارضة) في واد آخر
المشهد الأوّل:
الحياة السياسيّة في تونس لا تسير إلا على وقع الأجنبيّ أمريكيّا كان أم أوروبيّا. لا يمرّ أسبوع دون زيارات أو مقابلات وكلّها تدخّلات غربيّة في شؤون تونس، والكلّ يزعم أنّه يريد الخير لتونس.
وعلى وقع هاته التدخّلات الأجنبيّة يتشكّل في تونس مشهد سياسي يبدو متناقضا ومعقّدا: الرئيس متمسّك بموقفه من الإقصاء بدعوى المحاسبة وإزالة الفساد. وأنّه لا حوار مع المتآمرين والمنقلبين، وهو يقول أنّ الحوار قد بدأ بالفعل على أساس الاستشارة.
أمّا السياسيّون واتّحاد الشّغل وباقي المنظّمات، فينكرون وجود حوار وطنيّ كما يقول الرئيس، ويرفضون أن يكون أساسه الاستشارة الوطنيّة، كما يريد الرئيس.
هذا هو المشهد السياسي في تونس عقب الزيارات المتتالية للمسؤولين الغربيين أمريكيين وأوروبيين.
وفي الوقت نفسه تقف تونس على شفير الإفلاس إن لم تكن أفلست حقّا، ويتوجّه الوفد الحكومي إلى واشنطن من أجل مقابلة جماعة صندوق النّقد الدّولي، من أجل استجداء التّمويل وتقديم فروض الطّاعة، خاصّة بعد أن وصلت تونس إلى الحال التي يطلبُها الصّندوق، فالأجور مجمّدة وحتّى الحقوق الماليّة معلّقة إلى حين، أمّا عن الدّعم، فقد رُفع بحكم الأمر الواقع منذ أشهر كثيرة بالتّدريج بدأ بإهمال التّعليم فالصحّة، ووصل إلى الغذاء، فأغلب الموادّ الأساسيّة في تونس تزيد أسعارها كلّ يوم. وصارت الدّولة عاجزة عن تسيير أبسط شؤونها. نعم الدّولة اليوم عاجزة حتّى عن تأمين الغذاء للنّاس.
والحصيلة: تونس تحوّلت إلى “دولة فاشلة”، فلا الحكومات التي ادّعت الثّوريّة نجحت في إنقاذ تونس، ولا الرئيس سعيّد الذي ألبس لبوس “الثوريّ الطّاهر” القادم من أعماق الشعب استطاع أن يفعل شيئا رغم أنّه جمّع كلّ السلطات بين أيديه، ولكنّ الحال يزداد سوءا كلّ يوم.
وقد بدأ اليأس يدبّ في النّاس، وهذا هو المقصود منذ البداية،تيئيس النّاس من الحلول، وأنّه لا حلّ إلا بالتدخّل الخارجي وبخاصّة صندوق النّقد الدّولي، والدّول المانحة، ومن ثمّ تبرير تدخّلاتها في شؤون تونس الدّاخليّة بل تدخّلها في تقرير مصير التونسيين.
وعليه فالمشهد السياسي التونسيّ الذي يبدو منسدّا لا مخرج فيه، إنّما هو لتهيئة تونس أكثر من أيّ وقت مضى إلى تدخّل أجنبي غربي لرعاية “الحوار الوطني” كما حصل ويحصل في ليبيا واليمن وسوريا …
المشهد الثّاني:
نحن في شهر رمضان ورمضان شهر عظيم مبارك، شهر القرآن، شهر الطّاعات والانتصارات، شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر يُضاعفُ فيه الأجر ويُجزل فيه الثّواب وتتعاظم فيه الطّاعة حتى تكون النّافلة كالفريضة، والفريضة فيه كسبعين فيما سواه، ونسأل العليّ القدير أن يتقبّل صيامكم وقيامكم، وأن يُعيده عليكم وقد عادت للأمّة الإسلاميّة دولتها، وتوحّدت كلمتها، واستعادت عزّها وسؤددها.
أهل تونس في رمضان يُقبلون على الله، وعلى بيوت الله، ويدَعون شهواتهم، طعامهم وشرابهم استجابة لدعوة ربّهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ويقبلون على سماع القرآن وقراءته، وإنّ هذا ليدلّ دلالة قاطعة على أنّ الشعب في تونس مسلمون آمنوا بالله ربّا وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم رسولا وبالقرآن الكريم كتابا منزّلا(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)
هذا المشهد الثّاني في تناقض صارخ مع المشهد الأوّل:
الوسط السياسي برمّته رئيسا ومعارضة علمانيّون لا يُقيمون للإسلام وزنا، أمّا الشّعب فهو مسلم، ويحبّ أن يكون مسلما. ويُحبّ أن يُطبّق عليه الإسلام.
والإسلام يفرض أن تكون سياسة البلاد وفق أحكامه الربّانيّة، والإسلام يُحرّم تحريما الخضوع للغربيين وجعلهم أوصياء علينا يقول الله سبحانه وتعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، ولكنّ الرئيس ومعارضوه كلّهم متّفقون على الاحتكام للكفّار الغربيين، وكلّهم لا يرون مانعا من تدخّل الكفّار في تحديد مصير المسلمين.
فلماذا هذا الرضا؟ ولماذا هذا السّكوت؟
فمالنا وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بالمكرمات نرضى أن نتحاكم إلى شرع غير شرع ربّنا؟ وما بالنا نسكت عن وسط سياسيّ اتّخذوا القرآن مهجورا؟ أنتّخذ هذا القرآن مهجورا؟
إنّ مسؤوليّة المسلمين في تونس اليوم أن يخرجوا عن سلبيّتهم، فالقرآن الذي يتلونه في مساجدهم فير رمضان في الليل والنّهار يدعوهم إلى أن يتخذوا مع الرسول سبيلا وأن لا يتخذوا القرآن الكريم مهجورا، وهجرانه هنا هجران تحكيمه وجعله المحدّد للمصير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالقرآن الكريم يدعو التونسيين أن يجعلوه إماما يهتدون به: ففيه النّظام الذي يُنظّم حياتهم ويشبع حاجاتهم الإشباع الصحيح ويحلّ جميع مشاكلهم ويضمن لهم الطمأنينة والسعادة الحقيقيّة، أوليس الله بقائل وقوله الحقّ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى).
وإعادة أحكام الإسلام إلى واقع الحياة تقتضي فهم أحكام الإسلام فهما دقيقا قوامه الاستنباط الصحيح من أدلّة الشرع، القرآن الكريم والسنّة الشريفة، ولقد بلور حزب التّحرير هذا المشروع فقام بتقنين هذه الأحكام الشرعيّة موادَّ دستوريّة لتُطبّق في دولة الخلافة القادمة قريبا بإذن الله تعالى، ولأنّ المسلمين عاشوا حياة منقطعة عن أحكام الشرع، وطُبّقت عليهم أحكام الكفر، فكان وضع دستور مستنبط من كتاب الله وسنّة رسوله أمرا لازما، كي تُضبط أمور الدّولة وتنتظم حياة المسلمين على أساس العقيدة الإسلاميّة. ومشروع الدّستور الذي تبنّاه حزب التحرير وعرضه من أوّل يوم وما زال يعرضه، ليعرف الجميع موادّ دستور دولة الإسلام مناقشين ومستفسرين ليدركوا أنّها أحكام شرعيّة وليست قوانين وضعيّة، وليعلم الجميع أنّ الدعوة للخلافة ليست شعارا أجوفَ يتغنّى به المتغنّون ولا هي بأمانيَّ خادعةٍ بل هي دولة عمليّة جاهزة قوانينُها منتظمةٌ أحكامُها، ينعم فيها المسلم في ظلّ أحكام الله ويعزّ في الدنيا والآخرة ولا يُحرم غير المسلم من نعيم أحكام الإسلام في الدّنيا، بل ينعم بعدل الإسلام جميع رعايا الدولة.
أفلا يكون رمضان شهر القرآن، تذكرة لنا في تونس، أنّ الأمر بأيدينا وباختيارنا فنحن من تركنا هؤلاء العلمانيين رئيسا ومعارضة يعبثون بمصائرنا، ونحن من يملك القرار. فهل سيواصل التّونسيّون اتّباع أشباه الحكّام هؤلاء ؟ ألم يئن الأوان أن نعرض عنهم جميعا ونقيم النّظام الذي أمرنا الله به؟
الطميع يريد اغتنام شهر رمضان ليكون من نصيبه العتق من النّار، وإنّ من أعظم القربات لله أن نعيد الإسلام مسيِّرا لحياتنا باتخاذ دستور مستنبط من كتاب الله وسنّة رسوله وإقامة دولة تعزّ الإسلام وأهله.
أ, محمد الناصر شويخة
CATEGORIES كلمة العدد