الصراع السياسي في كينيا يعكس فشل الديمقراطية في إفريقيا وفي العالم برمّته
تشكل كينيا أكبر اقتصاد في شرق إفريقيا وهي الآن غارقة في صراع سياسي آخر بعد انسحاب المعارضة من الانتخابات الجديدة المزمع إجراؤهافي 26 تشرين الأول/أكتوبر 2017. وقال رايلا أومولو أودينغا (72 عاما) إن انسحابه سيعطي اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود وقتاً كافياً لإدخال إصلاحات من شأنها أن تساعد على إجراء انتخابات أكثر مصداقية. وقد أدى انسحاب أودينغا من الانتخابات الرئاسية المعادة إلى إدخال البلد في أزمات سياسية ودستورية.
وقد أثيرت مخاوف من تجدد الاضطرابات بعد أن قتلت الشرطة أكثر من 30 متظاهراً معارضاً في أعقاب تصريحات انتخابات آب/أغسطس. وأدى تحالف أودينغا مع تحالف “ناسا” إلى عودة مؤيديه إلى الشوارع بمظاهرات تحت شعار “لا للإصلاحات ولا للانتخابات”. وقد منعت إدارة اليوبيل الحاكمة معارضي لجنة الانتخابات من التسبب في التهديدات الأمنية.
وقد اشتد النزاع حول الانتخابات الرئاسية في كينيا يوم الأربعاء 11 تشرين الأول/أكتوبر 2017 بعد أن أقر البرلمان تعديلاً على القوانين الانتخابية قائلاً إنه إذا انسحب أحد المرشحين من انتخابات مكررة تضم مرشحين اثنين، فإن الآخر يفوز تلقائيا. إن الخبراء القانونيين بمختلف الفوارق السياسية قد اختلفوا اختلافاً شديدا في تفسير الدستور وخاصة القوانين المتعلقة بالانتخابات. ووصف ائتلاف اليوبيل الحاكم هذا بأنه مخطط أودينغالإيجاد حكومة ائتلافية بالإجبار. في حين إن تحالف “ناسا” المعارض يقر حركة أودينغا على أنها فرصة للجنة الانتخابات لإلغاء الانتخابات المكررة وإجرائها في موعد آخر في غضون 90 يوماً ستتم فيها الترشيحات الجديدة أيضا.
ومنذ إبطال انتخابات آب/أغسطس شهدت كينيا مشاجرة سياسية شديدة وعلى نطاق واسع مع المحللين الذين حذروا من أن البلاد قد تقع في أزمة سياسية. ومن أجل دعم إجراء انتخابات حرة فقد أعربت أمريكا عن قلقها إزاء الوضع السياسي الكيني قبل الانتخابات الرئاسية المكررة.
وفي بيان صادر عن غرفة الأخبار صدر في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2017، انتقدت أمريكا أيضا الحملة الحماسية التي يقوم بها الممثلون السياسيون الذين يسعون إلى إضعاف جهود اللجنة الانتخابية في إجراء استطلاع حر ونزيه وموثوق به. “للأسف، ففي الأسابيع الأخيرة أضعفت الجهات الفاعلة من جميع الأطراف مكانة اللجنة الانتخابية وأثارت التوترات. إننا نراقب عن كثب العملية الانتخابية في كينيا وما يقوله السياسيون وما يقومون به” هذا ما قالته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت خلال قراءتها للبيان. (ديلي نيشن)
إن بريطانيا عبرت عن قلقها، فقد علقت أيضاً على الوضع السياسي الحالي في البلاد. ففي بيان صحفي صادر عن وزير شؤون إفريقيا في بريطانيا روري ستيوارت قال: “تشعر المملكة المتحدة بالقلق إزاء الوضع السياسي غير المستقر على نحو متزايد في كينيا قبل الانتخابات الرئاسية الجديدة في 26 تشرين الأول/أكتوبر. إن إجراء انتخابات مفتوحة وسلمية وذات مصداقية هو الطريقة الدستورية الوحيدة التي يستطيع الكينيون فيها اختيار رئيسهم المقبل”. وأضاف؛ “نحن نرحب بالخطوات التي تتخذها اللجنة من أجل تصحيح العيوب في انتخابات آب/أغسطس، وكذلك الجهود الأخيرة التي بذلتها اللجنة والأحزاب السياسية للمشاركة في الحوار”.
وعلى الصعيد الداخلي، كشف الصراع السياسي الحالي عن الأعراق الإثنية التي كانت موجودة دائما ولكن الزعماء السياسيين لم يعترفوا بوجودها. وقد ساهمت البيانات والأغاني التحريضية في التجمعات الحزبية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والملصقات والنشرات، ساهمت كلها في الأزمة السياسية. وتمثلت لغة الكراهية في ترتيب الفوارق السياسية. فالصراع مقيد نسبياً ويتسم بالتنافس بين النخب على السلطة السياسية، وبالتالي فهو يخدم مصالحه الذاتية في ظل الوضع الراهن.
لقد اتسمت السياسة في كينيا بالتوترات الإثنية منذ “الاستقلال” في عام 1963. وقد خطط لذلك المستعمرون البريطانيون الذين اعتمدوا واستخدموا الانقسام وطريقة الحكم بالسيطرة. ولسنوات استخدموا مجتمعاً ضد آخر، على وجه الخصوص (كيكويوس) و(لو) الذين اعتبروا تهديداً بسبب أعدادهم الكبيرة.
وفيما يتعلق ببيانات كل من بريطانيا وأمريكا، يمكن أن نرى كيف أن هاتين القوتين الرئيسيتين لهما تأثير مباشر على المشهد السياسي في كينيا. وكلاهما تسعى لوضع كينيا تحت قبضتها. بريطانيا – سيدة الاستعمار الكيني تعمل على إبقاء كينيا تحت نفوذها من خلال إدارة أوروس. وفي الوقت نفسه، عزلت بريطانيا رايلا أودينغا الذي بدا أنه حصل على الولاء الأمريكي منذ إعادة إدخال التعددية الحزبية في البلاد. ومن الجدير بالذكر أن الصراع على السلطة بين أمريكا وبريطانيا يترجم عادة إلى صراع على السلطة بين السيد كينياتا والسيد رايلا أودينغا جنباً إلى جنب مع قبائل كل منهما والقبائل الأخرى المتحالفة معهما. غير أنه من المهم ملاحظة أن هذه البيانات تشير إلى عدم وجود سياسة مقصودة لهاتين القوتين لإيصال كينيا إلى حالة من الفوضى. وذلك لأن كلا منهما له مصالحه الاقتصادية في البلاد.
وبالنظر إلى حالة كينيا، وخاصة العنف المتعلق بالانتخابات، فمن الواضح تماماً فشل النظام السياسي الديمقراطي الفاسد. وهو نظام تابع لقلة من الرأسماليين الذين يسعون لتحقيق الرضا الذاتي والمصالح الشخصية، وبالتالي يستخدم السياسيون أي وسيلة قذرة مثل تقسيم الجماهير على أسس قبلية للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها. فالانتخابات الديمقراطية هي بالأحرى أدوات تهدف إلى استعباد الأشخاص العاديين وحرفهم عن السعي من أجل إحداث تغيير جذري وحقيقي، والذي يكون بالإسلام فهو ليس البديل الوحيد لحل المشاكل الإنسانية في كينيا فحسب، بل لحل المشاكل الإنسانية برمتها.
شعبان معلم