يسمع المسلمون عند دخول شهر الصيام الكثير من الأحاديث في فضل شهر رمضان , وفضل صيامه وقيامه وفعل الخير فيه , إلا أن أكثر الأحاديث تداولا بين عامة المسلمين ثلاثة أحاديث تتحدث عن الصيام والقيام وليلة القدر , والقاسم المشترك بين هذه الأحاديث الثلاثة هو جملة تكررت بنفس الصيغة ألا وهي ” إيمانا واحتسابا” . أما الأحاديث الثلاثة فكلها في الصحيحين وهي.
وخلاصة القول كما يقول, ابن القيم – رحمه الله -: فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية, فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان, فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض… وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته, وهو الاحتساب. اهــ.
ومن هنا ندرك أن الدافع الأساسي للصيام والقيام و قيام ليلة القدر هو الاستجابة للأوامر الإلهية كما ندرك أن الغاية من كل هذه الأعمال هو نيل رضوان الله تعالى. وهذا ينسحب على جميع أفعال الإنسان في الحياة عملا بقوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾. وهكذا كانت حياتنا قبل أن يقتحم علينا الغرب الكافر عقائدنا وينثر على رؤوس المسلمين بذور النفعية والبراغماتية فتجرثمت علاقات المجتمع وها نحن نسمع أصحاب الكراسي والسياسيين من حولهم يقولون “ما فماش قطوس يصطاد لربي” وأصبح هذا الشعار الغريب يهتك أسوار الدين ويحتج به داخل أسوار البرلمانات الديمقراطية وقد رأينا كيف يبتز السياسيون فقراء الأمة من بطونهم وتعد موائد الإفطار لجلب صوت انتخابي وكيف تستجلب القروض الربوية من الدول الغربية لتتحكم في الدورة الاقتصادية ولتفرض على الدولة توجهاتها وسياساتها وأصبح الصراع الدموي على الكراسي هو الصفة الغالبة في بلادنا و صار الارتماء في أحضان الأجنبي أمرا لا يستحى منه في ديارنا واستبدلت البرجماتية النفعية بالذي هو خير “إيمانا واحتسابا”.
في حين كان العمل السياسي اشرف ما امتهنه الأنبياء قال النبي صلى الله عليه وسلم”كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء…” أصبح اليوم خاليا من كل ذلك و ليس هذا إلا جراء الأعمال السياسية الاستعمارية التي قام بها الغرب الكافر لإزاحة أفكار الإسلام من حياة الناس ومن أذهان السياسيين على وجه الخصوص. وإذا كان “إيمانا” تعني التصديق بأنه حق فان غالبية الوسط السياسي أصبحوا يرون الحق في المشرق والمغرب في أفكار مونتسكيو وجمهورية أفلاطون والدولة البلشفية وأصبحت كتابة الدستور بتمويل الأمم المتحدة وزيارة السفارات أوكار المخابرات قدرا سياسيا محتوما إذا أردت أن تمارس الحكم أو تدخل إلى البرلمان.و إذا كانت “احتسابا” تعني نيل رضوان الله فان احتساب السياسيين والحكام أصبح رضوان الغرب في معابد واشنطن أو كنائس مجلس العموم البريطاني والله يقول ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾.
إن الواجب اليوم “إيمانا” هو الوعي على المشروع السياسي الحق أي دولة الخلافة وكما أن منطلق الصيام هو الإيمان بأنه فرض من رب العالمين فان الخلافة كذلك فرض من رب العالمين إيمانا بأنه المشروع الوحيد القادر على أخراج الأمة من ورطة الحكم بغير ما أنزل الله والخضوع للإرادة الدولية داخل كرتونات الدول الوظيفية التي يتربع على عرشها العميل و الخائن والمستبد والسفاح وغيرها من ألقاب الخزي التاريخي يقول تعالى ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾. أما “احتسابا” فإننا نحتسب لله الدماء المؤمنة الطاهرة التي سالت لخلع الحكام المجرمين و طرد الكفار المستعمرين. كما أن احتسابا تعني أداء العبادة بطيبة نفس مع عدم استثقال العمل ولا الملل من طول أيامه فكذلك الأمة تستميت في ميادين التحرير ولو كلفها ذلك رصاص السفاح السيسي بصلاة صبح أوالبراميل المتفجرة لدمية النظام الدولي بشار والنفس الثوري للأمة الإسلامية لا ينقطع لان شدة الليل علامة على أن الصبح قريب يقول تعالى ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً ﴾.