انقلاب شاحنة تنقل 16 امرأة عاملة في الطّريق الفاصلة بين منطقتي “ضمدة” و”كدوة الشعير” بمنطقة الفحص, ووفاة إمرأتين (21 سنة و33 سنة) بينما ثلاث منهنّ في حالة حرجة, وإصابة البقية بجروح متفاوتة الخطورة.
التعليق:
لنٔ نُصدم أمام الخبر كما لن نتهاون في التعليق عليه، فهي ليست المرّة الأولى أو حتى المائة الّتي يودى فيها بحياة نساء عاملات أطْلق عليهنّ بالنساء الكادحات وكأنّ الكدْح والكبد قد كتب عليهنّ في ظلّ نظام الرأسمالي وحشيّ يستلذّ بممارسة عنفه الإقتصادي على المرْأة بتعلّة مواكبة الحداثة وإثبات الذّات والتّمتّع بالإستقلاليّة المّاديّة.
فمعدّل النّساء العاملات في مجال الفلاحة و«الحضائر»؛ اللاّتي يتنقّلْن بواسطة الشّاحنات الخفيفة يمثّل 1/3 من منسوب النّساء العاملات أي ما يعادل 32٪ منهنّ وأكثرهنّ من المناطق الدّاخليّة, ما يدل عن إهمال وتهميش أجهزة الدّولة لهذه الجهات واستهتارها بأمْر رعاية أهاليها وإدارة شؤونِهم وسياسة مصالحهم كما وجب أن يكون عليه أمر السّياسة فعلا وواقعا, ولكنّ الدّوْلة لنْ تقوم بدورها ولنْ تحْمِل هم ّالمسؤوليّة تُجاه رعاياها ما دام القائمون عليها في خانة «الدّمى المُتحرِّكة» تتدلّى خيوطُها من فوْق أمّا الأيدي المُحرِّكة للمشهد أكبر منهم خبثا ودناءة وإجراما في حق نساء تونس ورجالها, وقد كانت بالأمس خفية عن أعين عامة الناس ولكنها اليوم معلومة عند الجميع؛ كصُندوق النّقد الدّولي والإتّحاد الأوروبّي والحكُومة الفرنْسيّة بشكل مباشر ويظهر ذلك بالتحديد من خلال المشْروع الأخير الّذي بعثته دعما [طُعْمًا] للإقتصاد التّونسي الّذي يُختصر في عنوان سياسة التمكين الإقتصادي للمرأة التّونسيّة بإعطاء قروض ومنح تسهّل لها بعث مشاريع صُغْرى.
وكما قُلنا سابقا من خلال حملة أطلقها القسم النّسائي لحزب التّحرير- تونس في الآونة الأخيرة بعنوان حرائر تونس يرفضن الوصاية ويتقن إلى عدل الإسلام, فإنّ هذا المشْروع في ظاهره رحمة بالمرأة وفي باطنه ومن قبله عذاب لها وللأسرة بأكملها لما فيه من مقصد خبيث لرهن المرأة التونسية المسلمة واخضاعها لأجندات الغرب التي تتاجر بموضوع المرأة وتجعل منه جدلا حقيقيا على مستوى جميع الحضارات والقارّات، وهذا ليس بالجديد علينا فالاستعمار يعمل ليلا ونهارا، يسعى بذلك للسيطرة وبسط نفوذه تارة بتوظيف العمليّات الإرهابيّة وطورا آخر بتوظيف الجمعيّات الخيريّة والثّقافيّة المُريبة في تأسيسها وتمويلها أو يتلاعب بملفّ الطّفولة ثمّ لتكون المرأة آخر رصاصة له بطبيعة أنّها العمود الفقري للأسرة وبذلك أساسا لا يُستغنى عنه في المُجتمع، وكلّ هذا الإختراق أو لنُعطه وصف «التّوغّل النّاعم» ما هو إلاّ نتاج لثغرات في أجهزة الدّولة التي أصبحت مهمّتها النّفيسة وخبزها اليوميّ هو الٱرتشاف من كأس العمالة المُعتّق بإملاءات وأوامر الغرب الحاقد لتغدو دولة عميلة لمصالحه كما كانت لأكثر من ستّين سنة.
شهادة
هذه شهادة من إحْدى العاملات بالمجال الفلاحيّ اللاتي نجين من حادث مرور على متن شاحنة وهنّ في الطّريق لمباشرة أعمالهنّ الشّاقّة: « ذات يوم في مُسْتهلّ سنة 2017 ٱنقلبت حياتي رأسا على عقب بعد انقلاب الشّاحنة التي كانت تقلنيّ ومجموعة من النساء العاملات إلى إحدى الضّيعات الواقعة في ولاية منّوبة. هذا الحادث وضع حدّا لآمالي في أن يُتمّ أبنائي الخمسة دراستهم، وانهارت أحلامهم في تغيير أوضاعهم والخروج من دائرة الفقر بعد أن فقدت القدرة على الحركة جرّاء هذا الحادث وأمسيت مقعدة لا قدرة لي على العمل بل بتّ عالة على أسرة كنت أنا من يُعيلها في ظلّ عجز زوجي المسنّ والمريض عن توفير لُقمة العيش لأسرته.»
فعلى غرار حوادث الطّرقات الّتي تتعرّض لها النّسوة العاملات فهنّ معرّضات أيضا للإصابة بأمراض عدّة, فقد أفادت الدّكتورة كوثر كاهية مديرة بمعهد الصّحّة والسّلامة المِهنيّة أنّ العاملات في القطاع الفلاحي عرضة لعديد الأمراض منها الجلديّة والتّنفسيّة والصّدريّة بسبب مواجهتهن لمبيدات الحشرات والمواد الكيميائيـة المستعملة لمداواة المغروسات وكذا الحيوانات، و فيما يقابل ذلك من معاناة فإنّ ساعات العمل الّتي تقضيها المرأة تعادل 14 ساعة تقريبا بأجرة تتراوح بين 10د و15د ليكون المعدّل 11د لليوم الواحد وهي فترة شاقة كفيلة بأن تجرّدها من وظيفتها الأصليّة «ربّة بيت وعرض يجب أنْ يُصان»، فتجدها تفتقد الوقت الضروري لرعاية أطفالها رعاية سليمة أو حتى لمراقبة صحّتها وصحّة الجنين أثناء فترة الحمل حتى لا نقول أن من الممكن أن تضع مولودها أثناء العمل وهذا يحمّلها مالا طاقة لها به.
عن أصل الدّاء:
إنّ كلّ هذه الإنتهاكات في حقّ المرأة لا مأتى لها ولا منفذ إليها غير إهمال الدّولة ونخصّ بذلك وزارة المرأة والأسرة والطّفولة وكبار السّنّ الّتي توفّر جهودها في التّنظير وسنّ القوانين غير الصالحة لمعالجة واقع هؤلاء النّسوة، فهي قوانين «فئويّة» سُنّت لغاية في نفس عملاء تونس و”المسؤول الكبير” خاصّة الذي يعمل على توريث الفقر والخصاصة والمديونيّة باستغلال اقتصادي كبير نتيجته إبادة جماعيّة على ظهر شاحنات خفيفة.
إنّ الدّاء بلغ حدّه جرّاء التّهاون بأرواح النّاس وقد بان للعيان مدى عجز القوانين «صفر نجاعة» الّتي تسن في مجال حقوق وحريّة المرأة, وظهر بذلك فشل المسؤولين وانكشف عوار قولهم وفعلهم, وهاهم يحاولون سترها بقماش شفّاف مثقوب.. ولن يرفع البلاء على هذا الشّعب حقيقة إلاّ بتحكيم نظام جامع شامل، شاف وكاف، راو لعطش الأمّة ألا وهو نظام الإسلام عظيم القويم.. الّذي ضمن للمرأة حقّها في النّفقة حتى تحسن رعاية أسرتها في أحسن ظرف من الظروف لا لاهثة ولا شاقّة، رافعا يد المُعتدين المنتهكين لحرمتها، مُطبّقا لأوامر العزيز المنّان، خالق الكون والإنسان والحياة, الّذي هو أدرى بأمر شؤوننا وما فيه الخير لنا وما فيه الشرّ علينا، هو نفسه نظام الإسلام الّذي سيرمي بأوامر المُستعمر والعملاء الأنجاس في مزبلة التّاريخ. وبه سيحاسب كل من أسس في هذا البلد إلى نظرة المتاجرة بالمرأة وجعَلَ النظام الاجتماعي قائما على خداع المرأة بإقحامها في ما هو من مهام الرجل وافتكاك دورها الأصلي في المجتمع والأسرة لإحداث خلل في المجتمع الإسلامي حتى يكون مثله مثل المجتمعات الغربية فاقدة القيم والأسس التي تعطي المرأة حقها قولا وفعلا.