الفرق بين الحزب والطائفة

الفرق بين الحزب والطائفة

ياسين بن علي

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

جاء في لسان العرب: “والطَّائِفَةُ مِنَ الشَّيْءِ: جُزْءٌ مِنْهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَليَشْهَد عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: الطَّائِفَةُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ إِلَى الأَلف، وَقِيلَ: الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيضاً أَنه قَالَ: أَقَلُّه رَجُلٌ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَقله رَجُلَانِ. يُقَالُ: طَائِفَة مِنَ النَّاسِ وطَائِفَة مِنَ اللَّيْلِ. وَفِي الْحَدِيثِ: “لَا تزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتي عَلَى الْحَقِّ”؛ الطَّائِفَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَتَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ كأَنه أَراد نَفْسًا طَائِفَةً…”.

وجاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ” فَأَمَّا الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ فَكَأَنَّهَا جَمَاعَةٌ تُطِيفُ بِالْوَاحِدِ أَوْ بِالشَّيْءِ. وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَحُدُّهَا بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ، إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ فِيهَا مَرَّةً: إِنَّهَا أَرْبَعَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، وَمَرَّةً: إِنَّ الْوَاحِدَ طَائِفَةٌ، وَيَقُولُونَ: هِيَ الثَّلَاثَةُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَالْعَرَبُ فِيهِ عَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ، أَنَّ كُلَّ جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَحُفَّ بِشَيْءٍ فَهِيَ عِنْدَهُمْ طَائِفَةٌ، وَلَا يَكَادُ هَذَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْيَسِيرِ، هَذَا فِي اللُّغَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ يَتَوَسَّعُونَ فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ فَيَقُولُونَ: أَخَذْتُ طَائِفَةً مِنَ الثَّوْبِ، أَيْ قِطْعَةً مِنْهُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ; لِأَنَّ الطَّائِفَةَ مِنَ النَّاسِ كَالْفِرْقَةِ وَالْقِطْعَةِ مِنْهُمْ”.

وجاء في الكلّيات لأبي البقاء الكفوي: “الطَّائِفَة: هِيَ من الشَّيْء قِطْعَة مِنْهُ، أَو الْوَاحِد فَصَاعِدا، أَو إِلَى الألف، وأقلها رجلَانِ أَو رجل، فَتكون بِمَعْنى النَّفس”.

وجاء في معجم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: “الطَّائِفَة فِي الأَصْل الجمَاعَة الَّتِي من شَأْنهَا الطوف فِي البِلَاد للسَّفر، وَيجوز أَن يكون أَصْلهَا الجمَاعَة الَّتِي تستوي بهَا حَلقَة يُطَاف عَلَيْهَا ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سميت كل جمَاعَة طَائِفَة”.

من ناحية لغوية، نجد أنّ معنى الطائفة يدلّ على جماعة من النّاس، ويستعمل للتّعبير عن الحزب وعن الفرقة وفق المفهوم اللغوي لهما، إلّا أنّ العرب راعت بعض الفروق في الكلمات، ولاحظت جزئيات المعاني في إطلاق الألفاظ؛ فأطلقت لفظ الحزب على جماعة مخصوصة من النّاس مراعاة لمعنى التّآلف والتّعاون بينهم والتّناصر، وأطلقت لفظ الفرقة على جماعة ثانية مخصوصة من النّاس مراعاة لمعنى التفرّد والفرقة (بالضّم) بينهم والمفارقة، وأطلقت لفظ الطائفة على جماعة ثالثة مخصوصة من النّاس مراعاة لمعنى الحركة حينا والقلّة حينا آخر، أو مراعاة لكليهما معا؛ فهم قطعة أو جزء يسير من شيء، أو هم جماعة متحرّكة، ويمكن أن نقول إنّها جماعة قليلة من النّاس ضمن الجماعة الكبرى تمتاز بحركيّتها. وهذا المفهوم اللّغوي لمعنى الطائفة لا إشكال فيه، ويمكن اعتبار الحزب لغة طائفة باعتبار أنّ أعضاءه جماعة صغرى تمتاز بحركية معيّنة أو عمل معيّن ضمن جماعة كبرى.

وأمّا اصطلاحا، فقد عرّفت الطائفة بتعاريف كثيرة منها ما جاء في معجم المصطلحات السياسية في لغة الفقهاء بأنّها: “جماعة من النّاس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون به” (1). والظاهر أنّ هذا التّعريف لغوي وليس اصطلاحيا، كما أنّه لا يختلف عن تعريف الفرقة اللّغوي، ولو أخذنا به لعددنا كلّ الأحزاب طوائف؛ لأنّها جماعات متميّزة برأي. وعذر من اعتمده كتعريف اصطلاحي أنّه ساقه في سياق الفقه والتّاريخ الإسلامي، ومن المعلوم أنّ مصطلح الطائفة كمصطلح حديث تأثّر في زمننا بالدراسات الاجتماعية والنفسية والسياسية والأنثروبولوجية الغربية، وهو وإن ميّز بين الحزب والطائفة بحدود فاصلة واضحة، إلّا أنّه قد شحن بمفاهيم جديدة غربية منها ما ينطبق على الأمّة الإسلامية بماضيها وحاضرها الثقافي، ومنها ما لا ينطبق.

والتعريف الاصطلاحي الحديث للطائفة، هو كما جاء في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية: الطائفة (Caste) هي: “جماعة مغلقة اجتماعيا أساسها الوراثة أو الولاء، وتتميّز عن الطبقة class بأنّها تقوم عادة على أساس ديني كما أنّها أكثر انغلاقا، وينعدم فيها الحراك” (2). والطائفة الدينية (Sect): “طائفة دينية تتميّز بانطوائها على نفسها وجمودها الفكري واعتناقها المتعصّب لطقوس عقائدية” (3).

وجاء في الشّامل: قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعية: “طائفة (Caste): “طبقة اجتماعية مغلقة في نظام طبقي يقوم على الوراثة” (4). وطائفة دينية (Sect): “(1) جماعة دينية غير متوافقة. (2) جماعة أقلية دينية شكّلت للاحتجاج ومناهضة جماعة دينية أخرى. (3) جماعة مذهبية صغيرة تابعة لأحد الأديان. (4) جماعة دينية أو غير دينية شكّلت لمناهضة جماعة متكيّفة اجتماعيا. (5) جماعة متماسكة من المؤمنين المتدينين عضويتها طوعية أكثر منها وراثية وتميل الطائفة إلى إنكار النظام القائم سواء كان روحيا أو علمانيا” (5).

وجاء في الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية: “طوائف (Castes): هي مجموعة من النّاس يجمعهم دين أو لون أو جنس، وهي متدرجة في مرتبتها الاجتماعية وتفصلها عن بعضها حواجز اجتماعية كثيرة، والطائفية موجودة في الهند ولبنان بكثرة وهي مقننة دستوريا” (6).

وقد ارتبط – مؤخّرا – مفهوم الطائفة بمفهوم الطائفية التي تعني “مناداة مذهب ديني معيّن بسياسات انشقاقية، أو هي المناداة بسياسات انشقاقية لصالح مذهب ديني ما. وفي الحياة اليومية فإنّ مصطلح (طائفية)، عادة ما يستخدم للإشارة إلى أي حركة انشقاقية تنفصل عن الجسد الرئيسي، قومية كانت أو سياسية أو حتى لغوية، وليس بالضرورة دينية” (7). “فالطائفية هي نهج سياسي يشير إلى اعتماد الطائفة والعمل على غرض هيمنتها السياسية والتعصّب ضد الطوائف الأخرى، وهي في الوقت نفسه استخدام التنوع العرقي والديني لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وثقافية مثل المحافظة على مصالح ومزايا مكتسبة، أو الإصرار على تحقيق تلك المصالح لزعماء وأبناء طائفة معينة في مواجهة الطوائف الأخرى، والطائفية بهذا المعنى هي استخدام الدين بوصفه وسيلة لتحقيق أهداف دنيوية” (8). “وعرّفها آخرون بأنها سلوك التّعصب لصالح المجموعة التي ينتمي إليها الشخص، تجاه المجموعات الأخرى، بإظهار التّباين معهم، وهو ذاته التمذهب، وتعرّف أيضا بأنها تمسّك الجماعة بمصالحها ومنظومة قيمها المشتركة وتعصّبها في الحقّ والباطل… ويكاد يكون هذا التعريف أدقّ وأصدق في تحديد معنى الطائفية؛ لكونه يصفها بالسلوك، بمعنى الممارسة؛ ولكونه يصف هذا السلوك بـ(التّعصب) في الحقّ والباطل، وهو ما ينطبق فعلا على الطائفية، سواء مارسها فرد منعزل من تلقاء نفسه، أو بإيحاء وتعاليم جماعة يتبعها، دينية كانت هذه الجماعة، أو سياسية” (9).

وهذه المعاني للطائفة لا تنطبق على الحزب السياسي؛ لأنّه لا يقوم على الوراثة والانغلاق بل يتميّز بالانفتاح على الآخر بشرط القبول ببرنامجه وأهدافه، وقد يضمّ في عضويته من ينتمون إلى طوائف مختلفة. علاوة على هذا، فإنّ مفهوم الطائفة مرتبط بالنّزعة الطائفية التي تعني تعصّب الشّخص لجهة ما ينتمي إليها مذهبيا أو عرقيا أو سياسيا أو غير ذلك، مع رغبة في الانشقاق وتقديم الولاء للطائفة على الجماعة؛ وهذا المعنى غير منطبق على الحزب السياسي، ولا يمكن قبوله من وجهة نظر إسلامية؛ لأنّ العصبيّة والخروج عن الجماعة وبثّ الفرقة فيها أمور محرّمة في الإسلام. فإذا وجد حزب سياسي يعتمد مرجعية طائفة خاصّة، وفيه نزعة طائفية بما تعنيه الكلمة من تعصّب ورغبة في الانشقاق وتقديم الولاء للطائفة على الأمّة أو الجماعة، فيوصف بأنّه حزب طائفي، كحزب الله اللبناني، والأصل عدم السماح بوجوده في المجتمع الإسلامي نظرا لضرره وخطره.

CATEGORIES
TAGS
Share This