وجاء في الفروق لأبي هلال العسكري: “الفرق بين الجماعة والفريق: أنّ الجمَاعَة الثَّانِيَة من جمَاعَة أَكثر مِنْهَا، تَقول: جَاءَنِي فريق من القَوْم، وفريق مَا يُفَارق جمهورها فِي الحلبة فَيخرج مِنْهَا”.
وجاء في معجم لغة الفقهاء: “الفرقة: بكسر الفاء وسكون الراء ج فرق، الجماعة المتميزة من الناس = الفريق. الفرقة الدينية: الجماعة المتميّزة بشيء من عقائدها عمّن تشترك معه بنفس الدّين تمييزا لا يخرجها إلى الكفر، ومنه فرقة الشيعية وفرقة الخوارج، فإن كان الافتراق والتّميز في غير العقائد فهو المذهب ومنه الحنفيّة ومذهب الشّافعية”.
وجاء في الكليّات لأبي البقاء الكفوي: “الفرقة، بالكسر: اسم لجماعة مفترقة من النّاس”.
وجاء في معجم المصطلحات السياسية في لغة الفقهاء: “الفرقة: من الفرق وهو خلاف الجمع، يقال: فرقه يفرقه فرقا وفرّقه، والفرقة الطائفة من الناس. فرق جمع فرقة، وعليه فالفرقة الجماعة المنفردة من الناس. واستخدام هذا المصطلح في تاريخنا السياسي كان بعد الصدر الأول من خروج الخوارج والشيعة وغيرهما من الفرق. وعليه فاصطلاح الفرقة يتناول في تاريخنا أصحاب الاختلاف العقائدي والسياسي”.[1]
وجاء في الموسوعة الإسلامية العامّة: “الفرق: جمع فرقة، وهي الطائفة من الناس تجمعها آراء واحدة تتفق عليها وتعمل على نشرها وتأييدها والدفاع عنها. واصطلاحا: يقسم الباحثون الفرق الإسلامية إلى قسمين: 1- فرق سياسية. 2- فرق اعتقادية. وليس معنى هذا أن الفرق السياسية لا تتناول مسائل اعتقادية، كالخوارج الذين بحثوا مسألة مرتكب الكبيرة وحكمه في الدنيا والآخرة وعلاقة الإيمان بالعمل وغير ذلك من المسائل الاعتقادية البحتة. كما أنّ الفرق الاعتقادية قد تتناول أمورا سياسية، إذ ليست هناك حدود فاصلة بين العقيدة والسياسة في الإسلام. ولكن وصف “الفرقة” بأنها “سياسية” أو “اعتقادية” يعود إلى الأساس الذي قامت عليه، والمنطلق الذي انبثقت منه – عند نشأتها الأولى – سياسيا كان أو اعتقاديا… ومن أهمّ الفرق السياسية في الإسلام الخوارج والشيعة؛ وذلك لأنّ منطلق كلتيهما كان مسألة الخلافة، ومن هو أحقّ الناس بها. كما أنّ من أهمّ الفرق الاعتقادية: المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والمرجئة والقدرية والجبرية والمجسّمة. هذا بالإضافة إلى السلف “.[2]
وعرّف الدكتور محمد عمارة الفرقة بأنّها: “اجتماع النّاس متفرقين حول موقف ومبدأ وفلسفة ونمط متّحد أو متقارب من أنماط التفكير”.[3]
فلكلمة الفرقة مدلول لغوي واصطلاحي؛ أمّا اللغوي فيعني الطائفة من النّاس المتميّزة بشيء ما، كتميّزها بمذهب أو رأي أو عادة أو قول أو فعل أو غير ذلك، فالتميّز هنا مطلق مجرّد لا يوصف بالحسن أو القبح ولا يقوّم بالإيجاب أو السّلب. فكلّ جماعة أو طائفة من النّاس تميّزت بشيء ما فارقت به البقيّة، يصحّ اطلاق لفظ الفرقة عليها لغويا. وأمّا اصطلاحا، فلا نجد تعريفا دقيقا لمصطلح الفرقة عند الأقدمين من العلماء الذين تناولوا بحث الفرق، واصطلحوا هم أنفسهم على مسمّاه لوصف ظاهرة تاريخية إسلامية، وقد حاول بعضهم ضبط القيود التي تصيّر جماعة ما فرقة، فقال الشهرستاني الذي تفطّن لهذا الأمر: “اعلم أنّ لأصحاب المقالات طرقا في تعديد الفرق الإسلامية، لا على قانون مستند إلى أصل ونص، ولا على قاعدة مخبرة عن الوجود. فما وجدت مصنّفين منهم متّفقين على منهاج واحد في تعديد الفرق. ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أن ليس كل من تميّز عن غيره بمقالة ما؛ في مسألة ما، عدّ صاحب مقالة. وإلا فتكاد تخرج المقالات عن حدّ الحصر والعدّ. ويكون من انفرد بمسألة في أحكام الجواهر مثلا معدودا في عداد أصحاب المقالات. فلا بدّ إذن من ضابط في مسائل هي أصول وقواعد يكون الاختلاف فيها اختلافا يعتبر مقالة، ويعدّ صاحبه صاحب مقالة. وما وجدت لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط، إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمّة كيف اتفق، وعلى الوجه الذي وجد، لا على قانون مستقرّ، وأصل مستمرّ. فاجتهدت على ما تيسر من التقدير، وتقدّر من التيسير حتى حصرتها في أربع قواعد، هي الأصول الكبار.
القاعدة الأولى: الصفات والتوحيد فيها. وهي تشتمل على مسائل: الصفات الأزلية، إثباتا عند جماعة، ونفيا عند جماعة. وبيان صفات الذات، وصفات الفعل، وما يجب لله تعالى، وما يجوز عليه، وما يستحيل, وفيها الخلاف بين الأشعرية، والكّراميّة، والمجسّمة والمعتزلة.
القاعدة الثانية: القدر والعدل فيه، وهي تشتمل على مسائل: القضاء، والقدر، والجبر والكسب، وإرادة الخير والشرّ، والمقدور، والمعلوم؛ إثباتا عند جماعة، ونفيا عند جماعة. وفيها الخلاف بين: القدرية, والنّجّارية، والجبرية، والأشعرية، والكّراميّة.
القاعدة الثالثة: الوعد، والوعيد، والأسماء، والأحكام. وهي تشتمل على مسائل الإيمان، والتوبة، والوعيد، والإرجاء، والتكفير، والتضليل؛ إثباتا على وجه عند جماعة، ونفيا عند جماعة. وفيها الخلاف بين المرجئة، والوعيدية، والمعتزلة، والأشعرية، والكّراميّة.
القاعدة الرابعة: السمع والعقل، والرسالة، والإمامة. وهي تشتمل على مسائل: التحسين، والتقبيح، والصلاح والأصلح، واللطف، والعصمة في النبوة. وشرائط الإمامة، نصا عند جماعة، وإجماعا عند جماعة. وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص، وكيفية إثباتها على مذهب من قال بالإجماع. والخلاف فيها بين الشيعة، والخوارج، والمعتزلة والكّراميّة، والأشعرية.
فإذا وجدنا انفراد واحد من أئمة الأمة بمقالة من هذه القاعدة، عددنا مقالته مذهبا وجماعته فرقة. وإن وجدنا واحدا انفرد بمسألة فلا نجعل مقالته مذهبا، وجماعته فرقة، بل نجعله مندرجا تحت واحد ممن وافق سواها مقالته. ورددنا باقي مقالاته إلى الفروع التي لا تعدّ مذهبا مفردا؛ فلا تذهب المقالات إلى غير النهاية. فإذا تعينت المسائل التي هي قواعد الخلاف، تبينت أقسام الفرق الإسلامية، وانحصرت كبارها في أربع بعد أن تداخل بعضها في بعض…”.[4]
وقال الشّاطبي: “هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة النّاجية في معنى كلّي في الدّين وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشّاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التّفرّق شيعا، وإنما ينشأ التّفرّق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلّية، لأنّ الكلّيات تضمّ من الجزئيات غير قليل، وشأنها في الغالب أن لا تختصّ بمحل دون محل، ولا بباب دون باب”.[5]
فإذا أخذنا بعين الاعتبار الضوابط التي قرّرها الشهرستاني والشّاطبي، يمكن لنا أن نقول إنّ لفظ الفرقة يطلق على جماعة خاصّة تميّزت بمقالة أصولية كلّية أو اعتقادية فارقت بها معتقد ومقالة الغالبية ممن تشترك معهم في أصل الدّين؛ ولهذا اصطلح العلماء والمحقّقون على إطلاق لفظ الفرقة على جماعات معيّنة خالفت جماعة المسلمين في فكرة كلّية أو مقالة متعلّقة بالعقيدة، كقولهم فرقة المعتزلة والخوارج والشيعة والمرجئة والجبرية. وأمّا العامل السياسي في نشأة الفرق، فيفيد في بحث تاريخية الفرقة، ولا يعدّ محدّدا أساسيا لعدّ جماعة ما فرقة؛ إذ اعتبرت فرقة بمقولاتها الأصولية والعقدية وليس بمقولاتها أو مواقفها السياسية، والدليل عليه فرقة الخوارج التي صنّفها العلماء فرقة ولم يصنّفوا طائفة معاوية بن أبي سفيان فرقة؛ لأنّها تميّزت بمواقف عقائدية وأصول خاصّة فارقت بها جماعة المسلمين، أهمّها تكفير مرتكب الكبيرة الذي تفرّع عنه تكفير بعض الصّحابة رضوان الله عليهم.
فالفرقة إذن هي جماعة اختصّت بمذهب عقدي، يتشكّل من رؤية خاصّة بها في مسائل أصولية كلّية، فارقت به غيرها من المسلمين ممن يشتركون معها في الانتماء إلى أصل الدّين الإسلامي. وهذا المعنى لا ينطبق على الأحزاب السياسية بمفهومها الحديث التي تهتمّ عادة بقضايا السياسة الداخلية والخارجية ومسائل الحكم وتعنى بتبني الجزئيات المتعلّقة برعاية الشؤون في المجتمع، ولا تحصر عملها ونظرها ودعوتها في قضايا العقيدة والخلافات المتفرّعة عنها كمسألة صفات الله عزّ وجلّ مثلا.