الفقر يجتاح تونس وحكامها يستمسكون ببذوره
الخبر:
أكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين، توسع قاعدة الفقر في تونس، لتشمل 4 ملايين مواطن.
التعليق:
من الواضح أن أكثر من 60 سنة من ممارسة الحكم على الطريقة الغربية كانت كافية ليوقن الناس بفشل النظام الرأسمالي المستورد، حيث يتجدد اليقين كل يوم بأن جعجعة منوال التنمية، وسيمفونية التكافل الاجتماعي، وشعار محاربة الفقر قضية دستورية، لم تكن سوى شعارات انتخابية فقط. ولعلنا لا ننسى كيف بكى الباجي قائد السبسي الرئيس السابق، وتدفقت دموع التماسيح من عيونه ألما وحسرة من أن لا تجد امرأة لحما لتطبخه، وكذلك قالوا بأن الحكومة منشغلة وقلقة من أجل “قفة المواطن الزوالي”، ومن بعدهم كانت الحملات الانتخابية تنسج نفس المنوال، فرأينا حملة انتخابية مبكرة عنوانها الأساسي “المعكرونة”، وفي الجهة الأخرى حملة انتخابية عنوانها “بسكويت الشكوطوم”، وآخر ادعى أنه عمر بن الخطاب الفاروق، فكان يوزع كرتونات الغذاء بنفسه، بل كان يبحث عن صاحب بيضة ليمسح دمعه ويشبع بطنه. وبين هذا وذاك لا يزداد الفقير إلا فقرا.
هذا الفقير الذي خذلته كل الطبقة السياسية التي تولت السلطة أو التي عارضتها، لأنهم كلهم اتفقوا على نفس المقاربات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي استوردوها من النظام الرأسمالي. وهذا النظام الرأسمالي الفاشل لا يحارب الفقر باعتباره جريمة بقدر ما يراه مسألة طبيعية حيث يرى مفكروه بأن الثروات الطبيعية لا تكفي جميع البشر، وبالتالي فان الفقراء أمام مصيرهم يواجهونه كيفما أتى. ولذلك نرى أن نسبة 1 في المائة تتحكم في مصير مجموع البشرية, وللعلم فان نسبة الفقر في تزايد مطرد ليس في تونس فقط أو في العالم العربي والإسلامي وإنما يمس جميع دول العالم. في حين أن الفقر والعوز كانا أحد أبرز العناوين التي قامت ضدها الثورة التونسية التي طالبت النظام القائم زمن حكم بن علي بالشغل والحرية والكرامة، لتخرج جحافل المتظاهرين من رحم المحافظات الأقل حظا والأكثر فقرا وتهميشا مطالبة بإسقاط النظام وبحقها في التنمية.
كما تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة أخرى، وهي سوء المقياس الذي تعتمده النظم السياسية الديمقراطية، فما معنى أن يصنف من يملك وجبة غذائية بأنه فقير ومن يملك نصف وجبة فهو فقير مدقع (حسب معهد الإحصاء التونسي مثلا، فإن الفقير في تونس هو من يعيش في اليوم الواحد بما قيمته 4800 مليم، أما الفقر المدقع فهو في حدود الثلاثة دنانير)، إذا وبهذا المقياس الباطل يكون من يملك ثلاث وجبات من الأغنياء، أي أن الدولة تنفض يدها بمجرد الإطعام ولا تكلف نفسها بباقي الحاجيات الأساسية التي هي عنوان كرامة الإنسان من مأكل ومسكن.
والخلاصة هي أن الفقر في تونس وفي سائر أنحاء العالم هو نتيجة فقر الفكر الرأسمالي الذي تقوم عليه الدولة الديمقراطية، وفقر المقاييس المعتمدة لقياس الفقر هو من جنس هذه الفكرة، ومن هنا فإن المتوقع أن تزداد نسبة الفقر في تونس في السنوات القادمة نظرا لانعدام الحلول العملية أولا، ولفشل تلك الحلول المجربة ثانيا، وبالتالي فانه من غير المعقول تجربة المجرب، وكما يقولون من جرب المجرب فعقله مخرب، وهو عين ما تسهر عليه الحكومات الغربية وهو التعمية عن الحلول الإسلامية للمشكلة الاقتصادية ومنها مشكلة الفقر.
والفقر يعشش في البلاد منذ عقود, وتختلف نسبة إبرازه والكشف عن مظاهره في وسائل الإعلام وفق كل حقبة سياسية وحسب ما يخدم كل طرف حاكم أو آخر معارض, ومهما اختلفت السلطات وتعاقبت الحكومات إلا أنهم جميعهم ينأون عن ملامسة السبب الرئيسي وراءه, كونه سيأتي على حكمهم بشكل مباشر. فنظامهم الذي أنتج الفقر ويحمل بذوره هو نظام دخيل عن أهل تونس بوصفها بلدا مسلما يمتلك كباقي بلاد المسلمين أحكاما وقوانين ربانية تعطّلها سلطات وحكام ما بعد الثورة وتصرّ على استيراد دساتير وقوانين غربية هجينة أبرز ما تنتجه هو المفاسد الفكرية والأخلاقية, وتقنن تسليم مقدرات البلاد وما تحويه من ثروات متنوعة لشركات أجنبية تستحوذ على الامتيازات التي يمكنها منها الحكومات التابعة ومن ثمة تعمد إلى تهريب الأموال إلى خارج البلاد..
فخلاصة القول: إن أخطر فقر تعيشه تونس اليوم هو فقرها وحاجتها لنظام حكم رشيد وفق خالقنا الذي ارتضى لنا الخير في كل أمر وقدّر لنا في بلادنا وأرضنا أقواتنا.. وهو سبحانه وتعالى القائل: “وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا”.
إذ يعد الفقر حالة عرضية في دولة الخلافة ولذلك فان الحل بالتأكيد لمثل هذه المشاكل لن يكون إلا دولة الخلافة، وفي دولة الخلافة لا يجوز أن تستمر تأثيرات الفقر على الناس لأنه يصبح جريمة دولة، والمسكن والملبس والمطعم وغيرها التي بها قوام الإنسان كانسان فإنها حق للناس، وليست منة من رئيس دولة، أو رقما في معادلة انتخابية، وليست وسيلة ضغط بيد الدول العظمى تتخذها “مسمار جحا” لزحزحة من يعطل مصالحها في بلد ما.
أ, محمد السحباني
CATEGORIES محلي