القمة الأفريقية رقم 35 ومشاريع أجندتها 2063, ما علاقتها بالنهضة الصحيحة والتحرر من الاستعمار؟
عقدت القمة الأفريقية رقم 35 يومي 5 و6 فيفري 2022 في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لبحث ملفات الإصلاح المؤسسي للمنظمة وتقييم مسار تقدم مشاريع “أجندة أفريقيا 2063” والهجرة غير النظامية.
وخلال جلسات القمة علقت منح كيان يهود عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي، وأعلن عن تشكيل لجنة لبحث الأمر. وأعلن أن خمس القارة الأفريقية يعانون من نقص التغذية كما أشارت إلى ذلك المتحدثة باسم الأمم المتحدة خلال مشاركتها في المؤتمر وطالبت بإيجاد حل للمشكلة وأدانت القمة موجة الانقلابات ومحاولات الانقلاب التي حصلت خلال 18 شهرا في غرب أفريقيا.
لقد بقيت أراضي أفريقيا مستعمرة للدول الغربية حتى الخمسينات ومنها حتى بداية الستينات من القرن الماضي، ثم مزقت دولا وأعطي لكل منها استقلالا شكليا، عندما شن الاتحاد السوفياتي حملة ضد الاستعمار ودعا إلى محاربته وشنت أمريكا حملة مشابهة دعت إلى تحرير الشعوب. وكان هدفها الحلول محل الدول الغربية الأوروبية واستعمارها بأسلوب جديد تحت مسمى التنمية والمساعدات والقروض للمشاريع واتبعت أسلوب الانقلابات الذي كانت تتبعه في أمريكا اللاتينية منطقة استعمارها الأولى. فبدأت موجة الانقلابات تتوالى في أفريقيا ولم تتوقف حتى اليوم.
أعلن عن تأسيس الاتحاد الأفريقي باسمه الحالي يوم 9\7\2002 خلفا للإسم السابق منظمة الوحدة الأفريقية التي تأسست يوم 25\5\1963، بدعوى تشجيع التكامل الاقتصادي والسياسي بين أعضاء المنظمة والقضاء على الاستعمار. وكان لأمريكا دورا فعّالا عن طريق عميلها عبد الناصر حاكم مصر في تلك الفترة باسم محاربة الاستعمار.
فكرة الإتحاد الإفريقي والاستعمار
إن من يقف وراء فكرة تأسيس هذه المنظمة ومن ثم الاتحاد الأفريقي هو الدول الاستعمارية نفسها عن طريق عملائها، حيث لا توجد دولة أفريقية مستقلة فعلا، بل كل دولة من دول الاتحاد الأفريقي البالغ عددها 55 تتبع إحدى الدول الاستعمارية. وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا. حيث هذه الدول الثلاث ما زالت تتصارع على طول وعرض القارة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. وهذا يلاحظ بتتبع سياسة كل دولة وعلاقاتها مع الدول الاستعمارية الرئيسية الثلاث. حيث تفهم تبعية كل دولة بموقف الدول الكبرى منها ومن تأييدها للسياسات والمشاريع لتلك الدول. فمنذ تأسيس المنظمة ومن ثم خلفها الاتحاد لم يحصل أي تقدم يذكر في أفريقيا، فما زالت الانقلابات ومحاولات الانقلاب متواصلة مما يدل على عدم الاستقرار، وإذا ربطت بالموقف الدولي فتجد أن لذلك علاقة بالصراع الدولي.
ولا يوجد تقدم اقتصادي يذكر فما زالت هذه الدول متأخرة اقتصاديا، فلم يحصل في أية دولة من دولها أية ثورة صناعية وبالتالي لم يحصل أي تقدم على الصعيد الزراعي الذي لا يتقدم إلا بحصول الثورة الصناعية ولهذا فخمس السكان يعانون من سوء التغذية والجوع والفقر وانتشار الأمراض، والأكثر يبحث عن الهجرة بسبب تفشي البطالة، علما أن أفريقيا من أغنى القارات في المواد الخام ومن أصلح المناطق للزراعة. فالشركات الغربية هي التي تنهب ثرواتها تحت مسمى الاستثمار، وحكامها من أفسد الحكام حيث يسمحون لهذه الشركات بأن تنهب ثروات بلادهم وتترك لهم الفتات. ومن ثم تلعب المؤسسات الاقتصادية والمالية الغربية الاستعمارية دورا في عرقلة تقدم أفريقيا وتحررها. فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مؤسستان استعماريتان تغرقان دول أفريقيا بالديون وتشغلاهما بمشاريع لا طائل منها، بينما الشركات الأوروبية تنهب الثروات وأموال هذه الدول في البنوك الأجنبية. وهناك 14 دولة أفريقية مرتبطة بالبنك المركزي الفرنسي فتحول أموالها إلى هذا البنك. والبنك الدولي يقيم مشاريع تنموية بقروض ربوية لا تنهض بالبلاد بل تجعلها مرتبطة بالاستعمار ولا تحسن في أوضاع البلاد، وصندوق النقد الدولي يقدم قروضا ربوية للدول بشروط مجحفة يجعلها تأن تحت وطأة الدين ولا يمكنها التخلص منه. فلا يمكن لدول أفريقيا أن تتحرر أو تنهض وهي على هذه الحال، وكل مؤتمراتها لا تسمن ولا تغني من جوع، وكثير منها تمرير لسياسات الأسياد المستعمرين باسم أفريقيا, عدا أنها وجدت لتركز الفرقة ولا توجد الوحدة، باعتراف كل دولة بحدود الأخرى والمحافظة على الأنظمة القائمة فيها.
وعندما تضع ما يسمى مشاريع “أجندة أفريقيا 2063” يدل على أنها غير جادة وأنها متأخرة جدا ولن تتقدم. فمن يريد أن يتقدم يرسم خطة عملية عميقة جادة قصيرة المدى لا تتعدى خمس سنوات حتى يضع كل ثقله ويبذل كل طاقاته ويرصد أمواله لتحقيقها على أكمل وجه. وهذا يتطلب وجود فكر أولا ينهض بالناس ويجعلهم يفكرون ويخططون بشكل مستقل وجاد من دون ارتباط بالمستعمر ومؤسساته وبفكره الذي يجعل من يتبعه أسيرا لأصحابه المستعمرين، فلا يستطيع أن يفكر وحده ويجعل الغرب قبلته ومصدر تنبهه، بل يجعل تاريخه ومفكريه مصدر إلهام له، فلا يعرف تاريخ أمته ولا واقعها، فهو منفصل بالفكر عن الشعور، فهو يستورد الفكر والحلول لمشاكله، حتى أنه لا يدرس واقعه دراسة عميقة ويبحث عن فكر من مبدأ أمته وينزله على الواقع، بل إن دراسة واقع بلاده مستوردة مع حلولها التي يضعها المستعمر. فيقوم صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو غير من اللجان التي يشكلها الغرب وتأتي وتدرس واقع البلد ومن ثم تضع الحلول وتجبره على تطبيقها، مثلها مثل الدول التي تحت الانتداب. وتراها تبحث عن تنمية زراعية حتى تعالج مسألة سوء التغذية ولا تعرف طريقها فتتجه نحو إحداث ثورة صناعية, فمن وجهها نحو هذه الوجهة؟! إنه المستعمر نفسه.
سبيل نهضة أفريقيا
إن كثيرا من أهل أفريقيا مسلمون وخاصة شمالها مع مصر والسودان الذين لديهم ارهاصات النهضة ولكن لم يتبلور مفهومها لدى عامة الناس، بجانب وجود من يعرقل حصولها من ديمقراطيين علمانيين وليبراليين واشتراكيين وقوميين وإسلاميين معتدلين فكلهم عملاء في الفكر أو في السياسة أو في كليهما معا للمستعمر الغربي سواء على مستوى الحكام أو الأحزاب والجمعيات أو الكتاب وما شاكلهم.
إن النهضة هي الإرتفاع الفكري، فكلما ارتفع الإنسان فكريا ارتقى. وهذا لا يكون إلا بوجود فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، ويجعلها قاعدته الفكرية يبني عليها الأفكار، ووجهة نظره في الحياة ينظر من خلالها إلى الأحداث، وعقيدته تنبثق منها الأفكار والأنظمة والحلول، وهي قيادته الفكرية ينقاد لها الإنسان ويقود الناس بها. فالإسلام هو الذي يحقق النهضة الصحيحة، إذ إن لديه فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة وما قبلها وما بعدها وعلاقة ما قبلها وما بعدها بهما. فعقيدته هي عقيدة المسلمين وهي القاعدة الفكرية ووجهة النظر لهم في الحياة وهي القيادة الفكرية. وإثبات ذلك تاريخيا وعقليا. فقد نهض الإسلام بالعرب الذين كانوا يخوضون في دياجير الجهل والظلام ومن ثم الشعوب الأخرى التي اعتنقت الإسلام فأصبحت أمة الإسلام التي انصهرت في بوتقته، أمة واحدة، في دولة مترامية الأطراف أعظم دولة مدة 9 قرون وهي الدولة الأولى في العالم، و4 قرون دولة عظمى عالميا، وتقدمت في كافة مجالات الحياة حتى أصبحت منارة العلم والتقدم، نورا يشع على جميع البشرية في أرجاء المعمورة لا تعرف الاستعمار ولا الظلم ولا الاستعباد ولا اللهث وراء الشهوات ونهب أموال الشعوب ومص دمائها وتركها تعاني الأمرين كما فعل الاستعمار الغربي في أفريقيا وفي غيرها وما زال يفعل.
إذا نظرنا إلى أية دولة في أفريقيا نجد فكرها السياسي ودستورها وقوانيها ونظام حكمها واقتصادها تبعا للمستعمر ومستوردا منه ويخالف فكر أهل البلد، ومنها البلاد الإسلامية التي تتحسس شعوبها النهضة وقد قامت فيها ثورات عفوية للتخلص من ربقة الاستعمار عن طريق مطالبتها باسقاط النظام ورحيل العملاء. ولكن كان ينقصها الفكر المستنير والقيادة السياسة المخلصة الواعية. فمجرد التحرك مشاعريا لا يجلب تغييرا حقيقيا صحيحا. إذ إنه سيقفز على ظهر المتحركين والثائرين الوصوليون والمتسلقون والمتاجرون بثورات الشعوب بدعم من المستعمرين.
فالحاجة ماسة لمن يبلور فكر النهضة ويوجد رجالا قائمين على هذا الفكر وعاملين له ليصبحوا قادة للأمة وعينها الساهرة وعقلها المبدع للأفكار والحلول. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالرجوع إلى فكر الإسلام، لأن من يرتبط بفكر الغرب لا يمكن أن ينهض ولا يمكن أن يتحرر، بل يصبح تبعا لهم متوهما أن سيده الغرب سينصفه ويساعده ويعينه. فدول الغرب لا تسمح بنهضة غيرها من الدول الغربية النصرانية مثل دول البلقان وإسبانيا والبرتغال. فألمانيا وفرنسا تحرصان على بقاء هذه الدول متخلفة أسواقا استهلاكية لها ومصدرا للأيدي العاملة وتغرقها بالديون كما حصل في أزمة اليونان المالية عام 2014 فوضعت ألمانيا وفرنسا بجانب صندوق النقد الدولي يديهما على أموال اليونان وجزرها، فأوجدا صندوقا لجمع أموال اليونان كلها فيه وتشرفان عليه لتأخذا ديونهما الربوية منها مع صندوق النقد، ولم تتقدم اليونان خطوة. فكيف ستسمح لدول كتونس والجزائر والمغرب ومصر والسودان وجل أهاليها مسلمون بأن تنهض؟! أمريكا اللاتينية جلها نصارى والولايات المتحدة وهي نصرانية لا تسمح لهذه الدول بأن تنهض أو تتقدم أو تتحرر وتوجد فيها الانقلابات والصراعات فتتصل مع منظمات الجريمة وما يسمى بالمافيا، وتوجد العملاء والأحزاب التابعين لها، وشركاتها تستثمر ثرواتها وتتركها فقيرة وتغرقها في الديون،، فقد أطلق عليها اسم جمهوريات الموز دلالة على أنها شبه مستعمرات، بل تضع يدها على أموالها كما فعلت مع المكسيك، وتتدخل عسكريا بشكل مباشر أحيانا حتى تحافظ على نفوذها كما فعلت في بنما لتبقي سيطرتها على قناتها. فالدول الاستعمارية وإن كانت دولا تحمل المبدأ الرأسمالي إلا أنها دول قومية تتحكم فيها الأنانية لأن ذلك من المبدأ ويصيّر القوي متغطرسا متنمرا.
هذا وقد تبلور مفهوم النهضة الصحيحة لدى الثلة الواعية من الأمة فبدأت تشرحه للناس وتدعو لتطبيقه في دولة الخلافة الراشدة لأن الفكر ينهض بالناس إذا كان مطبقا عمليا في دولة، وليس مجرد شرحه ونشره والدعوة له كاف بأن ينهض بالبلاد. ولهذا تقع على عاتق أهل شمال أفريقيا ومصر والسودان مسؤولية كبرى لإنقاذ أفريقيا من ربقة الاستعمار ومن التأخر والفقر والجوع، وذلك بنصرتهم لتلك الفئة الواعية وهي القيادة السياسية الواعية التي تعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
الأستاذ أسعد منصور
CATEGORIES اقليمي ودولي