القمة الفرنكفونية عنوان واضح لتفاني العملاء في خدمة الأسياد وإهمال الرعية

القمة الفرنكفونية عنوان واضح لتفاني العملاء في خدمة الأسياد وإهمال الرعية

لم يكن من السهل على عامة الناس في تونس تصديق عمالة حكامهم، وكثيرا ما قوبلت الفكرة بالرفض والتبرير لمواقف الحكام في مواضع مختلفة، لكن ما تشهده بلادنا في هذه الأيام من اهتمام السلطة بكل مكوناتها بالقمة الفرنكفونية مقابل التجاهل التام لمشاكل أهل البلد كبيرة كانت أم صغيرة، جعل الجميع يتساءل: كيف تكون رعاية شؤون الناس؟ وأين حكامنا من رعاية شؤوننا؟
وهذا التساؤل لا ينطبق على حكام اليوم بل يعود بالسائل إلى أزمنة مضت ليتذكر أن قائدهم الراحل بعد مقاومته للمستعمر وزعم الانتصار قد رد الجميل لأسياده بتقديم اقتراح إنشاء منظمة للفرنكوفونية وأعلن بصراحة اصطفافه إلى جانب عدوه المزعوم. أما من جاء بعده من رؤساء وحكومات فقد أبقت على وجودها في هذه المنظمة الاستعمارية ولم تعترض ولو مجرد الاعتراض على الأمر وحافظت على العهد. كلهم كانوا يخدمون الطرف نفسه ويأتمرون بأمره ويرعون مصالحه على حساب مصالح أهل البلد مع اختلاف بسيط في مدى التفاني في خدمة الأسياد.
أما عن حكام اليوم فالأمر معهم فاق حد التوقع، فالناظر إلى حال أهل تونس يرى حجم المعاناة والضنك الذي وصلوا إليه، فقد بلغت مشاكلهم مبلغا معقدا خاصة مع التجاهل التام للسلطة المعنية بمعاناة الناس ومشاكلهم؛ فغلاء المعيشة وفقدان كثير من المواد الغذائية الأساسية من الأسواق الناتج عن سياسة رفع الدعم تتعمد الحكومة تجاهله وعدم الاكتراث له، فهي لا تحرك ساكنا في الغرض وتقوم بتصريحات قليلة لا تزيد الوضع إلا سوءا بسبب إيهامهم للتجار بالاحتكار من جهة ولوم الناس على لهفتهم من جهة أخرى أو بالنفي التام لرفع الرئيس للدعم، وكيل التهم للمعارضة بغرض تعطيل مسار الديمقراطية.
وبالتجاهل نفسه تجابه مشكلة المعلمين النواب المعتصمين في مندوبيات التعليم وتعطل الدروس وحرمان عدد كبير من التلاميذ من العودة المدرسية حتى هذا التاريخ، فلا الحكومة ولا رئيسها يبدون أي اهتمام بالموضوع، بل بقي الملف يراوح مكانه بين مكر الوزارة وتحايلها على المعلمين وتجييش الأولياء ضدهم ومداهنة الاتحاد وتلاعبه بمصيرهم مقابل الحفاظ على الالتزام التام بشروط صندوق النقد الدولي.
وكذلك مشكلة النفايات بمدينة صفاقس وما انجر عن تكدس الفضلات في الشوارع وانتشار الحرائق والروائح الكريهة في الأنهج والأحياء والطرقات العامة والمؤسسات، والتهديد المتفاقم للبيئة ولصحة الناس، فلم نسمع لهذه السلطة القائمة صوتا ولم نرَ لها حركة رغم إقرار رئيسة الحكومة بأهمية المحافظة على البيئة أثناء حضوره في قمة المناخ بمصر منذ مدة قصيرة، وظلت مدينة صفاقس غارقة في النفايات وعجز نظر الدولة عن رؤية الكارثة فلم يعرها أي اهتمام بل لعل الرئيس يعلمنا حين يتفرغ للنظر في مشاكل رعاياه بأن للمعارضة يدا في تكدس الفضلات ضمن مخطط إفشال مساره الديمقراطي!
أما مشكلة أهلنا في جرجيس فهي الأوضح في كشف العمالة والتفاني في خدمة المشغل المباشر للحكام مقابل الإهمال الكلي للرعية، حيث إن السلطات في جرجيس تجاهلت العائلات الباحثة عن أبنائها ولم تلتفت لخوفهم على مصير أبنائهم قبل التأكد من غرقهم، ولما تأكدوا من غرقهم كان الكذب وسيلتهم للتغطية على الجريمة المتمثلة في انتشال الجثث ودفن بعضها في مقبرة الغرباء دون التثبت من هويتها، ورغم تحركات الناس في مدينة جرجيس فإن الحكومة ورئيس الدولة لم يكترثوا للأمر ولم يتخذوا أي إجراء وكأن الكارثة حدثت في كوكب آخر! لكن حين هدد الأهل بالتنقل إلى جربة، هنا فقط بدأت الحكومة في إرسال طلبات التفاوض، ولم تسمع السلطة صرخات المنكوبين في جرجيس إلا حين بدأ التهديد يطال مصلحة من مصالح المستعمر! حكومة لم تكلف نفسها حتى التنقل من أجل الاطلاع على الموضوع ولكنها تتحول بكل ثقلها لافتتاح القرية الفرنكفونية ولحضور القمة!
مفارقة عجيبة أن تقام قرية للفرنكوفونية في جربة – القريبة من جرجيس – في اليوم نفسه الذي تنصب فيه خيمة لاعتصام أهالي الضحايا بعد أكثر من 50 يوماً من البحث والمطالبة بالحقيقة!
ومن المفارقات أيضا أن المستعمر الذي قاومه الأجداد وماتوا من أجل طرده تفتح له الأبواب مشرعة ويدخل البلاد من أوسع أبوابها وسط استعدادات دامت أكثر من سنتين تجندت لها كل الوزارات والإدارات وحتى الجمعيات…
هذه بعض المشاكل التي باتت تؤرق الناس في بلادنا، وهذا دون الحديث عن أزمة الصحة وما فيها من إشكاليات كبيرة، ولا أزمة النقل وما نعانيه من اهتراء البنية التحتية، وما وصل له الوضع في قطاعات عدة، فكلها تجابه بالتجاهل والإهمال!
في مقابل كل هذا نجد الحكومة كلها تتحول إلى جزيرة جربة ونشاهد ما قامت به من استعدادات لإنجاح القمة وما وقع تهيئته لاستقبال الضيوف دون ادخار أي جهد، ونرى تفانيهم في خدمة أسيادهم ونسمعهم يعبرون عن فرحهم ويتباهون بثناء الضيوف على ما بذلوه في سبيل توفير الأجواء الملائمة لحسن سير وتأمين القمة وكل تظاهراتها. والأدهى من ذلك تصريحهم بأنهم وصلوا ليلهم بنهارهم لإنجاح القمة رغم أن الفائدة الوحيدة لبلادنا من وراء عقدها هي التسويق لصورة جزيرة جربة السياحية والسعي لقبول منظمة التراث العالمي تسجيل الجزيرة في قائمتها – هذا بحسب تصريح وزيرة الثقافة – وأي فائدة ترجى من إدراج جربة في قائمة كهذه؟!
هذه هي انتظارات حكومتنا من القمة، أما انتظارات الفرنكفونية من عقد هذه القمة فهي متنوعة ومتعددة؛ فقد ورد في موقع باب بنات على الفيسبوك في 13/11/2022: “وينتظر أن تتمخض عن قمة جزيرة جربة، نتائج على درجة من الأهمية في بلورة مستقبل المنظمة الدولية للفرنكفونية، من خلال التفاعل بين الوفود. ومن شأن الأنشطة المنظمة إدخال مزيد من الفاعلية على عمل المنظمة، كما ينتظر أن يتم اعتماد قرارات حول مسائل ذات أولوية بالنسبة إلى المجموعة الفرنكفونية، ومنها الشباب والرقمنة والمرأة والتضامن والذكاء الصناعي”.
وخلاصة القول إن المستفيد الوحيد من كل هذا هو الفرنكفونية وهي منظمة أوروبية، والأصل أن لا تكون لنا بها صلة خاصة وأنها نتاج فرنسا المستعمرة التي نكلت بكل بلد استعمرته وعاثت فسادا في بلادنا وهي إلى اليوم تنهب خيراتنا، ومهما حاول الإعلام إيهامنا بأهمية القمة ومدى مردوديتها على التنمية والعلاقات والصفقات فلا يعدو عن كونه تضخيماً للحدث وإمعاناً في العمالة وتفانياً في خدمة الأسياد على حساب أهل البلد، وبهذا نخلص إلى أن من يحكموننا لا يعدون عن كونهم مكلفين بمهمة ينتهون متى انتهت مهمتهم، ولا يشغلهم شاغل عنها، فهي فقط سبب وجودهم في السلطة، وإذا كنا كشعب وأمة نرغب في أن يكون حكامنا يرعون شؤوننا ويحبوننا ونحبهم فلا سبيل لتحقيق ذلك إلا بقلع الاستعمار وعملائه، والحكم بما أنزل الله، وذلك لا يتحقق إلا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فهي وحدها التي تحقق لنا ذلك.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سهام عروس

CATEGORIES
Share This