القيروان: ندوة حول ” اتفاقية أليكا :“بين طالب لتحسين شروط التفاوض, وآخر مناد باستبدال مستعمر جديد, يبرز رافض للاستعمار كلّيّا
نظم فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقيروان ندوة بعنوان: “اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي أليكا “، وقد تعرض المنتدى من خلال ورشة عمل إلى خطورة الاملاءات الأوروبية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والفلاحية على البلاد.
وفي هذا السياق قدم المحاضرون بسطة عن هذه الاتفاقية وشروط الاتحاد الأوروبي على تونس, حيث أوضحت سوسن الجعدي المنسقة العامة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقيروان، أن المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر لم تراع فيها المصلحة الاقتصادية لتونس، حيث اقترح الاتحاد الأوروبي على تونس إرساء نظام تحكيم بين الدولة والمستثمرين تحت ما يسمى بالمحاكم الخاصة بالمستثمرين، و هو اقتراح يشكل خطراً على سيادة الدولة. هذا و حضر هذه الندوة ممثل مكتب الدراسات الاقتصادية في المنتدى ماركو جونفيل.
وجدير بالذكر ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد كان قد أعلن سابقا أن حكومته ستوقّع على الاتفاقية في موفى سنة 2019 وهي تتضمن شروطا جديدة أضيفت إلى اتفاقية 1995 ومنها في المجال الاقتصادي والفلاحي والخدماتي, دون أخذ في الاعتبار مدى خطورتها على مستوى الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
وقد عبر المتدخلون عن تخوفهم من خطورة هذه المسائل التي تمس في الأول والأخير من الاقتصاد العام للبلاد خصوصا في المجال الفلاحي والخدمات.. وأنها تفتح بابا لاستعمار جديد, خاصة وأن مفاوضي الإتحاد الأوروبي رفضو الخوض في ملف الهجرة الذي يعتمده الطرف التونسي في جلسات التفاوض, وقد عبّر آخرون عن امتعاضهم من هذه الاتفاقية الغير المتكافئة بين الجانبين, وأن الطرف التونسي تسرع في قبول مبدأ التفاوض دون أخذ الإعتبار أولا للتقييم الأولي للإتفاق الأول لسنة 1995الذي جاء وبالا على الاقتصاد التونسي وخاصة في قطاع النسيج وصناعة الأحذية والملابس الجاهزة, وبالتالي قبل إعطاء الموافقة الأولية لهذه الاتفاقية, اذ كان من الواجب طرحها على كل المنظمات والأحزاب والأطراف المعنية بالشأن الاقتصادي والاجتماعي للبلاد, وتشريكهم في تفاصيلها, مع علمهم بمدى خطورتها وهي الطامة الكبرى.
ومن ناحية أخرى شدد آخرون على البحث عن شريك اقتصادي آخر عوض الإتحاد الأوروبي مثل – الصين أو الهند أو أمريكا, وهو ما يجعل هذه الإتفاقية تكون ملغاة, وقدّموا دولة رواندا كمثال, وهنا يأتي المأزق الآخر, وهو أن جميع المتدخلين في الندوة علاوة على كونهم مقتنعين بخطورة هذه الإتفاقية ونتائجها المدمرة على الإقتصاد عموما وعلى كافة القطاعات وفي كل المجالات, إلا أنهم يريدون من خلالها إمّا تحسين ظروف التفاوض بعد مراجعة كل الأطراف وتهيئة الظروف الاقتصادية على طاولة النقاش في سياق مبدأ – الند للند – أو استبدال الاتحاد الاوروبي باتفاقيته الاستعمارية بطرف استعماري آخر يمكن التفاوض معه بشروط أقل وطأة على الاقتصاد التونسي. فيا للعجب أنهرب من الرمضاء الى النار! أم نرضى بالاستعمار ونفاوض على أساليبه ودرجاته؟؟ أليس لنا للخلاص منه نهائيا من سبيل؟؟
وتجدر الاشارة إلى أن مفاوضي الاتحاد الاوروبي وسفيره كانوا قد صرحوا في وقت سابق أن تونس لن تستطيع التفاوض لتغيير أي بند فيها وهي عاجزة عن ذلك لأنها دولة مدينة للعالم وخاصة للشريك الأوروبي. وحجم الصادرات بين تونس والإتحاد الأوروبي يصل الى حدود 60 في المائة خصوصا في المجالات الزراعية وقطع الغيار واستيراد السيارات والمعدات الصناعية.
ولقد كان للأستاذ سمير معمر عضو حزب التحرير بالقيروان مداخلة بين فيها طبيعة هذه الإتفاقية ومدى خطورتها على الإقتصاد في تونس وكيف تفتح المجال لإستعمار جديد في كل القطاعات المرتبطة بأساسيات حياة التونسي, وكيف انه استعمار مقنن عن طريق كمّ من الإتفقيات المبرمة بين تونس والإتحاد الأوروبي. وقال انه بتفعيل هذه الاتفاقية سيكون الاستعمار مباشرا, اذ بمجرد دخولها حيز التنفيذ ستبدأ الشركات الرأسمالية الأوروبية بالانتصاب فعلا ومباشرة مهام النهب وسلب كل مدخرات البلاد في كل المجالات غير عابئة بضعف المؤسسات والشركات المحلية الغير قادرة على منافستها لا على مستوى الانتاجية ولا على مستوى جودة المنتوج, ما من شأنه أن يدمر عديد الشركات المحلية ويفقدها القدرة على التواجد في السوق التونسية وتقطع ارزاق الالاف من أهل البلد. ما يجعل البلاد في تبعية مطلقة ورتهان تام لدى الغرب بعد أن تفقد ما بقي لها من اقتصاد محلي ذاتي.
وأكّد الأستاذ سمير أن الحكومة ورئيسها على علم بكل هذا, وعلى يقين تام بالنتائج الكارثية التي ستؤدي اليها هذه الاتفاقية. وأوّلها أنهاهي ستجعل الشركات الاجنبية العظمى المتحكم الرئيسي في الاقتصاد المحلي, وأن الوضع في البلاد بعد الثورة مر بأزمات سياسية وخاصة أزمة الحكم وأن دستور البلاد الذي لا يجرم أي تدخل أجنبي في كل المجالات هو أس الداء ومن ورائه النظام القائم, وقد وجب علينا تغييره تغييرا جذريا واستبداله بنظام آخر يحل محله وهو نظام الإسلام.
وقال ان المسؤولية كلها يتحملها من هم في الحكم سواء رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة وكذلك أعضاء مجلس النواب لسعيهم لإدخال تونس تحت طائلة الاستعمار الاقتصادي أولا والاستعمار المباشر. وأن كل المحاولات الساعية لتحسين ظروف التفاوض مع الإتحاد الأوروبي ماهي إلا زيادة في جرعة الاستعمار وتأكيد على تثبيته في تونس, وأن أية محاولة لإستبدال مستعمر بآخر في إطار شراكة اقتصادية هي بمثابة إستعمار آخر سيدخل على البلاد متحكما حسب شروطه.
وقد طرح سؤال – من الذي يحمي يوسف الشاهد وهو الذي قبل مبدأ التفاوض على هذه الإتفاقية وهو من يسعى لإبرامها في موفى سنة 2019 ومن خول له كل هذه الصلاحيات لبيع البلاد والعباد للمستعمر الجديد وهل هي تكملة لشروط الصندوق النقد الدولي الساعي عن طريق أدواته في المنطقة لبسط سيطرته وهيمنته على دول الحوض المتوسطي عموما وعلى دول الشمال الإفريقي خاصة ومنها تونس؟
وفي الختام أكد منظموا المنتدى عزمهم القيام بندوة اقتصادية كبرى تضم معظم الخبراء الاقتصاديين وعديد السفراء المتقاعدين ودعوة كذلك المنظمات في تونس والأحزاب السياسية والجمعيات المختصة في المجال الاقتصادي, وشخصيات عامة, و ذلك يومي 11 و 12 أكتوبر 2018 لتكون المناسبة فرصة لنقاش معمق في خصوص هذه الشراكة قبل الدخول في مفاوضات جديدة في شهر ديسمبر الجاري من قبل الطرف التونسي وممثلي الإتحاد الأوروبي.
سمير معمر