المؤسسات الدولية تفضح الحكومة في أزمة الصيدلية المركزية

المؤسسات الدولية تفضح الحكومة في أزمة الصيدلية المركزية

             تتتالى المصائب على الامة تباعا حتى انه لا يكاد يمر يوم او يومين دون ان نصحو على خبر نكتشف به أننا أصبحنا أقل درجة في السلم الاجتماعي إما بفعل انهيار الدينار أو غلاء الاسعار أو بصعوبات جديدة تحول دون الحصول على أحدى حاجاتنا الاساسية أو خدماتنا الاجتماعية. وما تحاول هذه الحكومة الفاشلة إخفائه من عجز وإهمال وسوء تقدير تفضحه القوائم السوداء والتصنيفات التي تصدرها المؤسسات الدولية.

التصنيفات الدولية تفضح الحكومة

            فقد تداول الناس في الاسبوع الماضي خبران يعكسان حالة الفوضى والتسيّب الذي يعيشه القطاع الصحي في بلادنا, فعى المستوى الدولي أعلنت اكاديمية العلوم الامريكية PNAS  في تقريرها لسنة 2015  أن  تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في تصنيف الدول الاكثر استهلاكا للمضادات الحيوية, وهو ما يعني ان معدل استهلاك الفرد للدواء في تونس هو  اكثر من كل الدول المتقدمة  مالا وعلما و… !!! هذه الفضيحة السياسية  تم تجاهلها نسبيا للحديث عن الخبر الثاني على المستوى المحلي وهو الانكشاف المالي والعجز الذي تعانيه لصيدلية المركزية وعدم قدرتها على توفير الادوية للمستشفيات والصيدليات مما يشكل تهديدا حقيقيا لصحة الناس وأمنهم الدوائي.

       كعادتهم حاول المسئولون البحث عن تبريرات لتفسير هذا العجز مثل عدم استخلاص الديون المتخلدة  بذمة المستشفيات وصندوق التامين على المرض لفائدة الصيدلية المركزية.  هذه التبريرات الهزيلة فيها قدر كبير من الاستخفاف بعقول الناس , فالصيدلية المركزية والمستشفيات وصندوق التامين على المرض كلها مؤسسات عمومية , وهي خاضعة لإشراف الدولة المباشر,وان الإحتجاج بعدم دفع المستحقات من الديون لا يكفي لحجب حالة الاهمال والتسيب التي يعاني منها القطاع الصحي, كما أن تعمد الحكومة ابراز عدم نجاعة وفاعلية المؤسسات العمومية وإظهار الاعباء المالية التي تتحملها الدولة لضمان سيرها هي محاولة مكشوفة لتبرير سياسة التخلي عن المرافق العمومية الصحية ومنها الصيدلية المركزية لفائدة القطاع الخاص.

تجار الادوية يتربصون بالصيدلية المركزية

       إن “لوبيات” الصناعات الدوائية التي تجد من يمثلها في الحزب الحاكم وفي البرلمان يسيل لعابها تجاه صفقات الادوية الكبيرة التي تمر حاليا عبر الصيدلية المركزية. لذلك فلا غرابة ان يتم الاهمال المتعمد وترك الامور تتعفن حتى تتوفر الظروف المناسبة لتحرير سوق الادوية بالكامل وإخراجه من سلطة الدولة الى سلطة الرأسماليين والمضاربين وكلاؤهم المحليين ولو على حساب الامن الدوائي لأغلبية الناس والفقراء وفاقدي السند.

          لا يحتاج الامر الى كثير بيان حول فساد هذه السياسة وأثرها المدمر على السلم الاهلي والأمن الصحي, ولئن امكن تطبيق هذه السياسة في بعض البلدان الرأسمالية الغنية اين توجد الرواتب العالية والبطالة المتدنية فان تطبيق هذه السياسة في بلد مثل تونس برواتبها الضعيفة ونسب البطالة المرتفعة سيؤدي حتما الى ازدياد الفوارق الطبقية في الحصول على الخدمات الصحية وإلى تحكم المضاربين في  الدواء كما تحكموا في اقوات الناس.

أزمة الصحة: فساد سياسي وفشل اداري

        ان السبب الحقيقي وراء ازمة الصيدلية المركزية ونقص تزويد المستشفيات والصيدليات بالأدوية وتدني الخدمات الصحية ليس خللا في  الموازنة العامة كما تدعي الحكومة بل هي السياسة الصحية المتمثلة في التخلي التدريجي عن الخدمات الصحية العمومية لفائدة القطاع الخاص وتحديد سقف الانفاق الحكومي في الصحة العامة خضوعا لشروط صندوق النقد الدولي, والذي أدي الى جعل الخدمات الصحية نوعا من الرفاهية التي لا يحصل عليها إلا القادرون علة دفع ثمنها. وما تصدر تونس المرتبة الثانية لقائمة الدول المستهلكة للأدوية إلا دليل على وجود افراط في الاستهلاك نتيجة عدم تنظيم القطاع واستفادة شركات الادوية من هذه الفوضى نتيجة الاهمال الحكومي.أي أن السبب متعلق بقدرة الدولة على توفير هذه الخدمة الانسانية والأساسية لكل الناس بأقل التكاليف الممكنة بعيدا عن جشع “لوبيات” الصناعات الدوائية.

         ان خضوع حكام تونس للسياسة الرأسمالية في ادارة شؤون البلاد وخصوصا في الاقتصاد والخدمات الاجتماعية هو الذي حول تونس الغنية بخيراتها الطبيعية من غاز وبترول وفسفاط إلى بلد يرزخ تحن المديونية بعد ان تم التفريط في هذه الموارد للشركات الرأسمالية ألاستعمارية, وها هي الحكومة تعتمد نفس الرؤية الرأسمالية في القطاع الصحي وقد اصبح لدينا نظام صحي متطور للقادرين على دفع الثمن ونظام صحي عمومي متهالك مرتبط  بصناديق اجتماعية غارقة في الديون. وبالرغم من انكشاف عجز هذه السياسة وعدم قدرتها على الوفاء بحاجات المجتمع فلا يبدوا ان الحكومة تفكر في الرجوع عن هذه السياسة بعد ان فقدت زمام المبادرة وأصبح اتخاذ القرار السياسي بيد خبراء البنوك الدولية.

 محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This