المال السياسي القذر الذي أفسد الحياة السياسية والإعلامية في تونس

المال السياسي القذر الذي أفسد الحياة السياسية والإعلامية في تونس

في إطار الحديث عن الصعوبات المالية التي يعيشها الإعلاميون، قال الإعلامي برهان بسيس منذ أسبوع في مداخلة له على أمواج إذاعة اي اف ام في برنامج “راف ماغ” أن الإعلاميين عموما يعيشون صعوبات مالية وأن له مستحقات مالية عند بعض المحطات الإعلامية ولم يستلمها بعد، وأضاف “لولا السفارات الأجنبية لما… ثم سمت وكأنه أحسّ بفلتة لسانه التي أماطت اللثام عن التمويل الأجنبي لبعض الإعلاميين في تونس، وفي تسريب لمحادثة على الواتساب لإحدى الصحافيات الاستقصائيات في إحدى الصحف المشهورة، سألت هذه الصحفية زملاءها في إحدى المجموعات الإعلامية عن رقم هاتف المستشار الإعلامي للسفارة البريطانية وتبين من خلال المحادثة بأنها تريد أن تأخذ مستحقاتها المالية.

لا شك أن التمويل الأجنبي لا يقتصر على بعض الإعلاميين وإنما تجاوز الأمر إلى إرشاء محطات إعلامية إذاعية ومرئية من أجل دعم سياسيين بعينهم وفرض مشهد سياسي يتوافق مع مصالح الجهات الأجنبية الداعمة، فقد نشرت صحيفة ‘الغارديان” أنّ الحكومة البريطانية دفعت لشركة الإشهار العالمية ”Saatchi M&C” ما يقارب 25 مليار من المليمات لإدارة حملة إعلاميّة بهدف دعم حكومة يوسف الشاهد السابقة لتشويه الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عدّة مناطق في تونس خلال شهر جانفي 2018 على خلفية قانون المالية الذي فرض ضرائب جديدة دون مراعاة القدرة الشرائية للشعب التونسي.

وحسب الوثائق التي تمتلكها الصحيفة فانّ تلك الحملة استهدفت التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 عاما، لأنّهم هم من أطلقوا الإحتجاجات والحملات للتنديد بسياسة حكومة الشاهد والترفيع المطّرد في أسعار المواد الأساسية وفرض ضرائب جديدة استجابة لاملاءات صندوق النقد الدولي المسماة بالاصلاحات الكبرى التي تقضي بتسليم ما تبقى من مقدرات الشعب التونسي للشركات الأجنبية بعد تسليم الثروات الباطنية من نفط وغاز ومعادن.

ونقلت صحيفة “الغارديان” تصريحا لعضو البرلمان البريطاني لويد روسل قال فيه إنّ حكومة بلاده بصدد إنفاق المال العام لدعم حملة ضد مطالب شعبية لتخفيض الأسعار في تونس، معتبرا هذا الأمر مدعاة للسخرية. وأوضحت الصحيفة البريطانية أنّ لجنة التدقيق في المساعدات بالبرلمان البريطاني فتحت تحقيقا في طريقة عمل البرنامج وتتبع ملفّ تمويل الحملة في تونس “خاصة في علاقة بانتهاك حقوق الإنسان التي دعمها الصندوق بشكل غير مباشر في احتجاجات جانفي 2018”

ولا يقتصر المال السياسي القذر على التمويل الأجنبي بل إن رؤوس المال الفاسدين يسيطرون على معظم المحطات الاعلامية المرئية والسمعية والمقروءة، والتوجيه الإعلامي والخط التحريري لهذه المحطات واضح لكل متابع، حتى أن معظم التلفزيونات يملكها رؤوس أموال وبسببها كاد بعضهم أن يصل إلى رئاسة الدولة ووصل بعضهم الى الحكم عبر الانتخابات البرلمانية.

الخطورة هو أن الإعلام يمثل رأس الحربة في الثورة المضادة ضد تطلعات الأمة في التحرر من الهيمنة الغربية وأدواتها المحلية، وإذا استثنينا بعض الإعلاميين المخلصين لدينهم وأمتهم، فإن أغلب الإعلاميين قد انخرط باختياره والبعض الآخر مكرها في الحملة التي تستهدف توجيه الرأي العام بما يتماشى مع المصالح الغربية وذلك بفرض مشهد سياسي حارسا للمنظومة الغربية، مدافعا عن مصالح الغرب الاقتصادية والسياسية، متصديا لكل نفس إسلامي مخلص يرنو للانعتاق من الهيمنة الغربية، لذلك نجد المنابر تفتح على مصراعيها لكل من ينتقد ثورة الأمة التي انطلقت من بوزيد الأبية ولكل من يتهجم على الإسلام السياسي باعتباره البديل الحضاري القادر على إحداث التغيير المنتج على أنقاض الرأسمالية التي تعيش أزمة على جميع المستويات.

فالإعلامي زياد كريشان على سبيل المثال يعتبر منظومة الحلال والحرام تطرفا ويحرض الأمن ضد من يؤمن بالحلال والحرام كطريقة عيش باعتبارها ليست وجهة نظر لتناقش بالفكر، وتجده يوميا يبث سمومه من محطة إعلامية إلى أخرى ليسفه الثورة ورموزها ويتهجم على المشروع الحضاري الإسلامي متمثلا بكيانه السياسي الخلافة، وغيره كثير من الإعلاميين الذين أسندت لهم مهمة الحفاظ على مكتسبات الغرب الحضارية التي فُرضت على تونس منذ زمن الاستعمار البغيض.

وحتى يتسنى لهذه الفئة المأجورة من اللعب وحدها في الساحة الإعلامية والسياسية فإنه يقع محاربة الإسلام السياسي بالقوانين الجائرة والملاحقات والتضييق وخاصة التعتيم الإعلامي على الأصوات المخلصة لدينها ولأمتها، إذ كيف نفسر السكوت المطبق عن الحملة التي يخوضها حزب التحرير ضد الخيانة العظمى التي اقترفتها حكومة المشيشي بموافقة الرئيس قيس سعيّد والمتمثلة في توقيع اتفاقية خارطة الطريق الأمريكية التي سلمت حدودنا وأبناءنا في الأمن والجيش للقوات الأمريكية الصليبية، فالإعلام لم يكتف بعدم التشهير بهذه الاتفاقية المخزية، بل يتآمر بالتعتيم على من يكشفها للأمة ويفضح من اقترفها.

وما يجدر ذكره أنه منذ إعلان الرئيس السابق الباجي قايد السبسي في غرة سبتمبر2016 أمام مجلس الأمن القومي بضرورة إيجاد حل لحزب التحرير، إنخرطت أغلب الوسائل الإعلامية في تعتيم مطبق على أخبار وأنشطة حزب التحرير وبانضباط تام يذكرنا بإعلام الأنظمة الشمولية التي تضبط توجهاتها أجهزة المخابرات ورؤوس المال الفاسدين، فهل يعقل أن تتفق كل الوسائل الإعلامية والصفحات الفايسبوكية التعتيم على مؤتمر الخلافة الذي انعقد في قلب العاصمة تونس في 28 أفريل 2018، إلا إذا كانت المخابرات لا تريد لهذا العنوان “الخلافة القوة القادمة” كيف سيوصل حزب التحرير الإسلام إلى الحكم، أو هذه الرسالة أن تصل إلى الفئات القادرة على إيصال الإسلام إلى سدة الحكم.

 لقد درج حزب التحرير على دعوة وسائل الإعلام المختلفة بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الاتصال المباشر لتغطية فعالياته السياسية من ندوات صحفية ومؤتمرات ووقفات وغير ذلك إلا أن دعواته قوبلت بالإهمال باستثناء البعض والسبب الوحيد في ذلك أن ما يطرحه حزب التحرير من مشروع حضاري إسلامي يهدد المنظومة الغربية وأدواتها المحلية التي تحرسها بعض المنابر الإعلامية، وتتخذها ركيزة لمحاربة الإسلام كمنهج حياة، بحيث لم تقتصر على إقصاء المشروع الإسلامي من منابرها بل أصبحت منطلقا لتشويه الإسلام والعاملين له.

فإذاعة “موزاييك اف ام” على سبيل المثال استضافت يوم 18 ماي 2020 الإعلامي زياد كريشان في برنامج “ميدي شو” ليشن هجوما على المباشر على كل الجماعات التي تعتبر الإسلام منهاج شامل للحياة وتتبنى منظومة الحلال والحرام، واصفا إياها بالتطرف، دون أن ينسى الإشارة لبعضها بالاسم كحزب التحرير وحركة النهضة والسلفيين، ولما طالب حزب التحرير بحق الرد، وعدت الإذاعة بتمكينه من ثلاثين ثانية مسجلة ولم تفي بذلك بسبب أوامر فوقية، فالدفاع عن مقياس الحلال والحرام الذي عاش وفقه الشعب التونسي أكثر من 13 قرن لا يستحق أكثر من ثلاثين ثانية عند القائمين على إذاعة “موزاييك اف ام”، والأنكى من ذلك أنها لم تفي بما وعدت واعتمدت المماطلة والكذب وعدم الوفاء.

ورغم المال السياسي القذر المحلّي والخارجي فإن الكلمة الصادقة والمشروع الحضاري الصحيح يكتسح الساحات يوما بعد يوم ويحقق انتصارا في معركة العقول والقلوب التي تدور رحاها الآن على أرض الخضراء، لأنه مشروع نابع من عقيدة الشعب التونسي المسلم، ولم تكن صرخة زعيمهم ماكرون من باريس حول أزمة الإسلام والإستشهاد بتونس على وجه الخصوص إلا محاولة يائسة لاستنفار ما تبقى لهم من قوة لمجابهة إعصار الإسلام القادم خاصة بعدما أطلق حزب التحرير دعوة لأهل الفكر والرأي أن يلتفتوا للمشروع الإسلامي الذي يضعه بين أيديهم، والحزب يقترب يوما بعد يوم من تحقيق غايته بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ويندم الخائنون والمنافقون ولات ساعة مندم.

قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ”.

د. الأسعد العجيلي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This