المجاهِرون بمعاداة أحكام الله .. لا في العير هم، ولا في النفير. صراع الأمة مع الغرب الكافر… أكبر منهم

المجاهِرون بمعاداة أحكام الله .. لا في العير هم، ولا في النفير. صراع الأمة مع الغرب الكافر… أكبر منهم

        تنادى ليوم السبت 10 مارس من عامنا هذا بقايا ما خلّفت فينا الثقافة الإستعمارية والتي فُرضت علينا بقوة الحديد والنار، إلى مسيرة أريد لها أن تملأ المساحة الزمنية التي تركها تأجيل طرح تقرير اللجنة التي كلفها الباجي قائد السبسي لإكمال، ما خلفه بورقيبة في حربه على شرع الله، من فصول ما أسموه مساواة المرأة بالرجل. وأريد لها أن تكون وجهتها إلى برلمان لا يملك أعضاؤه الإرادة ولا القدرة على التعبير عمن يفترض أنهم يمثلونهم من أبناء أمة الإسلام في هذه الرقعة من الأرض، تونس، لأن كلا الطرفين أعضاء البرلمان والسائرون في هذه المسيرة يرنون بأبصارهم، ويصيخون بأسماعهم، ومتعلقة أفئدتهم بردة فعل السيد الغربي وليّ نعمتهم، ونظرته إليهم، وانتظار شهادة الرضا منه على تحركاتهم ومواقفهم ونتائج سحره فيهم ومدى “شفائهم” من “لوثة” ثقافة ورثوها عن الآباء والأجداد، بعد أن صار الدستور الذي قدّه لهم، من رحم سيطرته على عقولهم وهيمنته عليهم وهزيمتهم أمامه، هو المعيار الذي تقاس به نجابتهم وحسن تتلمذهم عليه ودرجة رضاه عنهم رغم ما شهدوا ويشهدون من تتالي هزائمهم السياسية وفشلهم في كل شأن  من شؤون الرعاية العامة لقضايا الناس والدرك المتدني الذي أوصلوا البلاد والعباد إليه حين وضعوا هذا الدستور موضع التنفيذ.

   مسيرة وإن قصرها منظموها على مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث فهي تنطلق من فكرة عشّشت في أدمغة “عقلانيي” هذه المرحلة البائسة من حياتنا، وهي فكرة المساواة التامة بينهما في كل مناحي الحياة، والتي اتُخذت رأس حربة في حربهم على مفاهيم الإسلام عن الحياة، يدفعهم في ذلك انبهار غبي بثقافة الغرب المستعمر واستنكاف من كل ما يمت إلى وجهة نظر الأمة بحجة العقلانية والحداثة، دون النظر إلى حقيقة الإنسان وعلاقته بالوجود.

   فالمرأة التي يتباكى على قضيتها هؤلاء ويسعون إلى مساواتها بالرجل، قد انتقص هؤلاء المتثاقفون والمتعالمون والمتاجرون بمآسي الناس من إنسانيتها حين امتطوا هذا المركب الصعب على غير العقلاء. لم يدرك هؤلاء أن المرأة ليست أقل من الرجل ولا هي أعلى منه في الإنسانية. فمن أين أتوا بمسألة المساواة أو المفاضلة؟ فكلاهما يتمتع بنفس الخصائص التي تعنيها كلمة الإنسان، فإن كانوا يرونها اليوم أقلّ درجة من الرجل أو قد انتُقص من حقها فبفعل النظم التي شرّعها الإنسان. فالأرض اليوم، خالية من مكان تطبق فيه أحكام الله. أما حربهم على الإسلام والتي فضحتها شعاراتهم التي رفعوها، دلّت بشكل صفيق أن قضية المرأة لم تكن إلا مطية امتطوها ظنّا منهم أنّهم أصابوا من دين الله وطرا. فالله العزيز الحكيم حين خاطب الإنسان بقوله: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ” أو بقوله سبحانه: ”  يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” أو بقوله تبارك وتعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ “، أين وجدوا مفاضلة الرجل عن المرأة وعن أي مساواة يبحثون؟ وحين خصّ المؤمنين بالخطاب من مثل قوله جلّ وعلا: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين”َ أوفي قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”، أليس أمره بالكون مع أهل الصدق، أو أمره سبحانه وتعالى بالتثبّت في خبر الفاسق ليحتاط له، ونهيه عزَّ وجلَّ عن اتباع سبيل المفسدين هو خطاب للرجل والمرأة بنفس درجة التّكليف؟ ألم يتسمعوا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ” لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى”  فكيف أخرجوا العربية والأعجمية والبيضاء والسوداء من خطابه عليه الصلاة والسلام؟ ألم يقل ابن خلدون: ” إن المغلوب مولع أبدًا بتقليد الغالب”.

   إلّا أنّ المولى عز وجلّ حين خاطب الإنسان بوصفه ذكرا قال سبحانه: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم”،لخصوصية الذكورة، وحين خاطب الإنسان بوصفه أنثى قال سبحانه: “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها”، لخصوصية الأنوثة، ثم خاطب الحق تبارك وتعالى في ختام نفس الآية الإنسان من حيث هو إنسان فقال عزّ من قائل: “وتوبوا الى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”

       أما تعلّلهم بما تكسبه المرأة اليوم من مال للطعن في قوله سبحانه وتعالى “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” فقد غرّتهم بضع مئات من الدنانير ساقها الله إليهنّ فكفروا نعمته وجحدوا فضله، وكم يبلغ ماعندهنّ ممّا كسبته نساء المسلمين حين كانت أحكام الله مطبقة ولم يكلّفهن شرع ربهنّ شيئا إلابطيب خاطرهن  ولم يجعل لرجالهنّ حق في أموالهنّ إلّا فضلا، مع عمى العيون عن قوله سبحنه: ” فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله“.

    فمن المفضلة عندكم من القرشيتين، أم المؤمنين رضوان الله عليها “خديجة” أم ” أم جميل حمالة الحطب ” ؟ فساووا بينهما! ومن المفضل عندكم ” فرعون ” الرجل أم زوجه “آسيا بنت مزاحم المرأة “؟

   صراع الأمة مع الغرب الكافر المهيمن على العالم والضاغط على البشرية بكلكله، نساء ورجالا، أكبر من أن تدركه عقول من انضبع بفكر سيده حتى يغدو لا يرى إلّا ما يريه ذلك السيّد، فيغفل عمّا  تهدف إليه تلك التشريعات والقوانين الناظمة لعلاقات المجتمع وماهية القيم التي وضعها المفكرون أو المشرعون لنمط العيش الذي يهدفون إليه،والخطر الذي تمثله تلك التشريعات والقوانين والقيم على الإنسان وحقيقة وجوده في هذا الكون.وأكبر من أن يدركوا ( أن الله تعالى حصر حق التشريع به وحده، لتحقيق العدل وإقامة ميزان القسط في الأرض، فإن خلت مسألة من تشريعٍ متصل بالوحي فإن هذا مدخل لوجود الظلم بالتشريع البشري في تلك المسألة، فلا بد أن تحفظ الشريعة بقرآنها وسنتها لإتمام النعمة بإقامة ميزان العدل والقسط.) هنا جوهر الصراع مع هذا الغرب وهو مالا يدركه هؤلاء فهم أقل من أن يكونوا عقبة حقيقية أمام صحوة الأمة ونهضتها، ولاهم هم ذوي نفع لها،  بل هم لا في العير ولا في النفير.

عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This