المجلس التأسيسي والدستور الجديد
تواتر الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع وكثرت التصريحات حتى من أعضاء المجلس التأسيسي نفسه حول تأثير وضغط الجهات الأجنبيّة، بل أكّد البعض تواجد عملاء للاستخبارات الأجنبية، فعلى سبيل المثال صرّح مراد العمدوني النائب عن التيار الشعبي بأن المخابرات الأجنبية تجوب أروقة المجلس الوطني التأسيسي وتحاول الضغط لتمرير بعض المضامين كما تحاول منع تمرير تجريم التطبيع مع الصهيونية.ولعلّ من أبرز الشخصيّات التّي شوهد في المجلس، الكاتب والمفكّر الأمريكي نوح فيلدمان، وهو أستاذ قانون دستوري يدرّس في جامعة يسيبنسمن الأمريكيّة، عمل مستشارا لبول بريمر في فترة الحرب على العراق، وتحوم حوله شائعات كونه وراء كتابة دستور العراق وأفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي،نوح فيلدمان حضر مناقشات فصول الدستور في أكثر من مناسبة وقد قام بإدخاله أعضاء من المجلس، ولكن نائب رئيس المجلس الوطني التأسيسي والمكلف بالعلاقات مع المجتمع المدني بدر الدين عبد الكافي قد نفى في تصريح لجريدة الشروق بأن يكون لنوح فيلدمان أية مشاركة في مناقشة مسودة الدستور، إلاّ أنّ بدر الدين عبد الكافي لمينف وجود جمعيات أجنبيّة، حيث قال: “إنه لم يقع استدعاؤه أبدا بل حضرت بعض الجمعيات المعروفة على الصعيد العالمي”. نعم، كما قال بدر الدين عبد الكافي، تحضر العديد من الجمعيّات والمنظمات وتشارك المشرّعين في التشريع عن طريق النصّح والتّوجيه والتكوين ولعلها أحيانا تصل درجة الضّغط والإملاء، ومن أبرز تلك المنظمات مؤسسة ويستمنستر للديمقراطية الممولة من الخارجيّة البريطانيّة والتّي ترفع تقرير نفقاتها وتحاسب عليه أمام البرلمان البريطاني، قد حافظت على تواجدها في تونس منذ بداية الثورة وكانت لها مساهمة كبيرة في إعداد النواب وتأطيرهم وذلك من خلال عملها المكثف مع أعضاء المجلس طوال الثلاث سنوات التّي قضّاها المجلس لإتمام الدستور والمصادقة عليه نهائيا في جانفي 2014 فكانت المؤسسة وراء إيجاد علاقات الشراكة بين الأحزاب الممثلة في المجلس والأحزاب البريطانية في إطار توطيد العلاقات تحت مسمى الترشيد السياسي، كما أشرفت على ورشات تدريب متكررة للعديد من أعضاء المجلس في إطار تعزيز الوظيفة التشريعية للمجلس. كما قد كان للمنظّمات الدولية التابعة للأمم المتحدة الأثر الكبير في صياغة العديد من مواد الدّستور على غرار فصل حرية الضمير وغيرها من الفصول التّي تمّ تمريرها تحت غطاء حقوق الإنسان تلك الفصول المخالفة صراحة لأحكام الشّريعة الإسلامية على غرار حريّة الضّمير وفصول المساوات بين الرجل والمرأة التّي مهّدت لنقاشات ومحاولات انتزاع البقية الباقية من أحكام الشريعة المتعلقة بالارث والزواج…
إنّه من الواضح والجليّ أنّ الدستور الجديدلم يكن بدعا من الدساتير التّي سنّت في العالم الإسلامي منذ القرن الأخير للخلافة العثمانية وإلى الآن، فدستور محمد الصادق باي في 1861 ودساتير ما بعد الاستعمار العسكري الغربي في القرن الماضي مرورا بدستور بول بريمر للعراق في 2003 وانتهاءا بدستور الجمهوريّة الثانية في 2014، كلّها تشترك في كونها مملولة من الغرب وغير مستمدّة من الوحي وتشرف عليها ثلة منبهرة بالثقافة الغربيّة غير مطلعة بشكل كاف على كنوز الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية بشكل عامة، ولهذا كانت تلك الدساتير ومازالت غريبة عن الشارع ولهذا السبب تلاقى بالإهمال من قبل الشارع لتناقضها مع ما هو كامن في وجدانهم…
سلمان لغرايري