المخدرات في تونس..والمسكوت عنهم .

في إحدى الإحصائيات التي صدرت خلال الأسبوع المنصرم، أعلنت بعض الجمعيات بأن الإحصائيات تؤكد على أن  كل واحد من أربع تونسيين هو مدمن لمادة القنب الهندي “الزطلة “، وبأن أثني عشر ألفا من الشباب  يقبعون بالسجون التونسية من أجل استهلاك هذا المخدر لقضاء العقوبة التي تخضع لتعريفة السنة سجن والألف دينار خطية..

ولأن رقم المدمنين حسب هذه البلاغات الكاذبة يقارب الثلاث ملايين نسمة مما يفترض معه أن نرى في الشوارع قرابة نصف الناس في حالة تخدير- باعتبار النساء والشيوخ والأطفال والنساء اللاتي يقبعن في المنازل-، فإن هذه الأرقام وغيرها من النداءات الصادرة عن المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية تتنزل في إطار الحملة التي يخوضها مستهلكي “الزطلة” وتجارها من أجل رفع القيود القانونية والعقوبات على الاستهلاك، وذلك في انتظار تقنين الاتجار والترويج لهذه المادة التي دمرت بها الرأسمالية شعوب أمريكا اللاتينية وإفريقيا وحتى شعوبها.

في هذا المستوى نؤكد على أن السياسات الردعية التي جسمها قانون سنة 1992 لم تؤت أكلها لأن المشكلة ليست في خطورة الفعلة ولا في قسوة العقوبة ، بل تتمثل هذه المعضلة في سببين :

-الأول: تجسمه السياسيات الثقافية التي يساق إليها شباب المسلمين بتصوير الغاية من الحياة بالنسبة إليهم هي نيل أكبر قدر ممكن من المتع الجسدية أو “تحقيق فرحة الحياة كما كان يسميها بورقيبة”، ومن هنا اقتصر تفكير الناس بصفة عامة على تحقيق المتع الجسدية،وانحصر لدى الشباب والشابات في النجاح في الدراسة وبأن يكون لكل منهما صديق أو صديقة في انتظار التخرج والظفر بمهنة ، ثم الزواج وإنجاب الأطفال ، هذا إذا لم تزل بهم القدم إلى طريق الانحراف في الأثناء .

وهكذا كان تصوير الحياة في المنظومة الثقافية التي رسمتها السياسات الاستعمارية ونفذها علينا وكلاءهم مرتبط بمتطلبات العيش الذي تشترك فيه كل الكائنات الحية لتعلقه بالغرائز،أما مقتضيات الحياة الإسلامية التي يفترض أن يقع تثقيف المسلمين بها وهو السعي في هذه الحياة الدنيا لنيل رضوان الله ، فهذا شأن ليس من شؤون الدولة التي تفصل الدين عن الحياة ، بل كان همها الوحيد منذ الاستقلال المزعوم هو المحافظة على النمط المجتمعي الذي فرضه علينا الاستعمار،فهي دائبة على محاربة الصحوة الإسلامية بكل قواها الفكرية والسياسية “سياسة تجفيف المنابع”، والأمنية عن طريق الزج بالناس في السجون بتهم تختلقها فرق الإرشاد وأمن الدولة، والإعلامية ببث برامج تلفزيونية من المواخير أو منوعات مباشرة من العلب الليلية والخمارات، أو باختلاق الأزمات الكروية لصرف الجماهير الرياضية عن الاهتمام بالشأن السياسي والعودة إلى حالة التخدير التي فرضها عليهم نظام بن علي.

-الثاني، فيتمثل في أن كبراء تجار المخدرات وروافدهم الاستعمارية والمتواطئين معهم من أبناء هذا البلد الطيب عادة ما ينجون من العقوبة التي تعتبر تافهة بالنسبة لجرائمهم ، فلقد جرت العادة على أن يقع الزج في السجون بصبيانهم أو كما يصطلح عليهم “بحمّالي النّوازل”، أما المعارك الفوقية فهي مناطق محرمة على الأمن والقضاء ، ولعل المطلع على قضية “الكسكسي التونسي” وكيفية تصفية المنصف بن علي شقيق الرئيس المخلوع في أحد مصحّات العاصمة  خلال التسعينات من القرن الماضي،يدرك بأن حل المشكل لا يمكن اختزاله في تخفيض العقوبة بالنسبة للمستهلكين الذين زلت بهم القدم لأول مرة لأنه في حقيقة الأمر تأبيد للمشكل وتعميمه وتعويمه ليصبح أمرا واقعا ومعيشيا ،بل يكمن الحل في أن ينبت في هذه الأرض المسلمة حكاما شجعان لا يخافون إلا الله فيشنون حربا فعلية وحقيقية ضد هذه الآفة وضد السياسات الاستعمارية التي تنفذها، إنها حرب حقيقية لا بد أن تخوضها دولة مخلصة لله ولرسوله وللمؤمنين، لأن القضاء على التلوث في نهر لا يتأتى إلا إذا وقع إغلاق مصدره

     أ-عمــــــاد الديـن حـــــــــدّوق

CATEGORIES
TAGS
Share This