مارس, شهر ألبسوه ثوب النسوية وأطلقوا عليه _ودون أن يكون له رأي في ذلك– شهر المرأة والأم و الأرض: احتفى فيه النظام العلماني في تونس بالمرأة أيَما احتفال وأكرمها أيَما إكرام فمنذ انطلاق الشهر انطلقت معه حملة مركزة مكثفة جنَد فيها الأقلام والإعلام والبيادق في الصحف والندوات والحوارات, للاعتداء على عقيدتها التي اختارت, ودينها الذي اعتزت, مدعين انه في سبيل حريتها وضمان حقوقها, يريدون مساواتها بالرجل في الزواج والميراث وكل شاردة وواردة في الأرض والسماء ضاربين بأحكام خالق الأرض والسماء.ولو دققنا في الأسباب الخفية والدوافع الحقيقية لهاته الحملة لوجدنا أن نسخا شقيقة لها في كل بلاد الإسلام, ففي السعودية مثلا, شرع آل سعود في حملتهم أيضا بين إقامة لحفلات المجون والرقص والهزَ والطًبل بحضور فنانين ماجنين- لم يكونوا ليحلموا بالدّوس على أرض الرسول {ص} الطاهرة لو كان في البلاد رجال ودولة – ونساء وذكور يتراقصون و يتخمَرون كالمهابيل فرحا بخيبتهم ووكستهم مستمدين شرعيَة ما يعملون من فتاوى وصكوك غفران من شيوخ احترفوا تجارة الدين صنعة. فبعد أن كانوا يُكفَرون ويصفون بالفسق والفجور كل امرأة خرجت للناس كاشفة وجهها وهو أمر لم ينزل الله به من سلطان, فسبحان مغير الأحوال أن أشرقت في أذهانهم الحكمة والمعرفة و صار مباحا للمرأة أن ترقص وتغني في الشوارع!.
وفي فلسطين المجاهدة, الأرض التي تُعَلَم الأم فيها أبناءها منذ نعومة الأظافر: أن عيشوا دنياكم ودينكم: فان حييتم فأحيوها بشرعكم وإسلامكم مجاهدين مناضلين وأسرى في سبيل الله والعقيدة, وإن مِتُّم فموتوا رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وكونوا شهداء يرضى الله عنهم و يتقبلهم عنده حسن القبول. هذه المرأة التي أثارت حفيظة العدو وقهرته, صارت برعاية نظام عباس وأزلامه تخرج حاسرة القدَ في سروال الجينز ترقص في رام الله أطول دبكة في العالم فوق تربة أرض لم تجف بعد ولازالت ندية بدماء الشهداء ودموع القدس الأسير. إن هاته الأمثلة من البلاد المسلمة المنتهكة حرمتها تأتي على سبيل الذكر لا الحصر, وهو دليل على أن ما يحدث لم يأتي في سياقات منفصلة, بل أمر ممنهج يعمل عليه الحكام العبيد ليلا نهارا امتثالا لأوامر سادتهم الغربيين فالصحف الأمريكية “كالواشطن بوست” لم تكُفَ منذ انقلاب آل سلمان عن اللهج بذكر مناقب تحفتهم محمد بن سلمان وما يقوم به من “إصلاحات” خرقاء في المقابل تسهب أوروبا في مدح وإغداق تونس بالمراتب الريادية في مجال حقوق المرأة طبعا. وحكامنا مُسَخرون لخدمة مشاريع الغرب الهدامة, يتفننون في تطبيق توصيات الاتحاد الأوروبي 2016 حول المساواة بحذافيرها.
أوّل حقوق المرأة عندهم: الإعتداء على مناضلات حزب التحرير
وليختم مهرجانه الاحتفالي بالمرأة وتكريسا لسياسته في دفع المرأة نحو المشاركة في الحياة العامة والاهتمام بالشأن السياسي قام أعوان هذا النظام بصبَ جام حرصه ضربا وتعنيفا على الناطقة الإعلامية باسم حزب التحرير -القسم النسائي – الأستاذة حنان الخميري وأطفالها. وفي إطار تربية الشباب الناشئ على الوعي والفكر.. وهم مستقبل هذه البلاد والثورة, اعتقل تلميذة الباكالوريا ذات 19 ربيعا أربعة أيام لأنها كتبت تدوينات فايسبوكية عن الخلافة ووجوب حكم الإسلام وتحرير فلسطين, فعوض أن يشجع النظام شبابنا على الاهتمام بقضاياهم المركزية والارتقاء بفكرهم في بلد يعاني أزمة تربوية وأخلاقية يعاني المربون فيها الأمرين من جنوح التلاميذ من مخدرات وعلاقات جنسية وعنف واضطرابات نفسية وانتحار وضياع الهوية والأخلاق.. يهرع النظام فزعا تحت التوصيات الغربية لاعتقاله وقهر روح الوعي فيه. وليزيد الطين بلة أضاف النظام في كراس آثامه اعتقال شابة ثالثة من حزب التحرير وهي طالبة تُهمتها صورة على الفايسبوك تحمل راية العقاب راية رسول الله {ص} : والحال أن راية التوحيد ليست مجرد شعار حزبي أو تنظيمي بل هي حكم شرعي وفرض من عند الله فالرسول {ص} حين أقام دولة المسلمين رفع الراية التي تحمل شعار لا إلاه إلا الله محمد رسول الله, و كان جيش المسلمين يحملها في حروبه وحملاته ويقاتل تحت لواءها بل يتسابق الجنود على شرف حملها ويستميتون في الدفاع عنها ومنع سقوطها من أيديهم, لكن غيض المستعمر الغربي منها وما تحمله من دلالات العزة والتمكين لأمة الإسلام جعله يهاجمها فتارة يشوهها بربطها بوهم داعش المخابراتية أكذوبة القرن 21 و أخرى بالتخويف والترهيب مثل الاعتقال الذي تم مؤخرا, ولم يكتفي بذلك, وتوكيدا على تكريمه للمرأة, اعتقل كل الذين قدموا لنصرة ودعم الشابة المعتقلة, نساء ورجالا وفيهم المرضعة و أمُ الأطفال..
أُسدل الستار على شهر مارس وكان شهر النساء بامتياز, قلبا وقالبا خرج فيه النظام علينا بسوءته : رجلا أمام النساء نعامة أمام الغرب, فبان عُواره. لكن في خضم كل هذا الكرنفال التهريجي الذي قدمه, علينا أن نشكره -النظام- لأنه اسقط ورقة التوت الأخيرة عن العلمانية ومتاجرتها بقضية المرأة التي خرجت اليوم للنضال والعمل السياسي فتلقاها بالتعنيف والهرسلة والاعتقال لأنها لم تلتزم بالخط الذي رسمه لها, فهو يريد أن يفكر و يخطط ويرسم لها خ”ّ الحركة المسموح لها بها من قِبَل سيّده, وهي لها أن تكتفي بأن تكون عروس الحلوى التي تلعب الدور دون تفكير, ولكنها أجابته بهيهات, واختارت دينها وإسلامها وخلافتها ورايتها فصار كالثور المسعور يضرب يمينا, وينطح شمالا.. فاضحا نفسه وشعاراته تتهاوى كأوراق الخريف فلا حرية ولا كرامة وغيرها من وجوه التسويق المعهودة عنده…
ختاما : الحمد لله على نعمة الإسلام التي أعزتنا رجالا ونساء, ونذكر قول الله تعالى :” الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا” النساء 139