المرابون في تونس يحقّقون 4000 مليارا في 2018 والبلد في أزمة..

المرابون في تونس يحقّقون 4000 مليارا في 2018 والبلد في أزمة..

طالعتنا وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي بخبر مفاده أنّ 10 بنوك في تونس حقّقت أرباحا صافية وصلت إلى 4000 مليار، وتساءلت وسائل الإعلام عن سرّ هذه الأرباح القياسيّة في زمن يعيش فيه المجتمع والدّولة أزمة اقتصاديّة خانقة، مع العلم أنّ تحقيق البنوك أرباحا قياسيّة لم يقتصر على هذه السّنة بل هو أمر متواصل في ظلّ الأزمة التي تعيشها تونس وكانت وسائل الإعلام في سنوات سابقة نشرت أعلى الرّواتب في تونس وكانت أعلى 10 رواتب 7 منها لمدراء البنوك وصل أعلاها في السنة قبل الماضية إلى مليار ونصف أي ما يعادل عمل عامل لمدّة 400 عام، أو عمل أستاذ لمدّة 100 عام.
تبدو هذه الأرقام مدهشة وصادمة خاصّة في ظلّ الأزمة اقتصاديّة. تثير الأسئلة وتستفزّ العقول، فمن أين جاءت هذه الأموال؟ ولم انحصرت في فئة قليلة لا تتجاوزالـ1 في المائة؟ وما حال الـ99 في المائة الباقين ولم تعتصرهم الأزمة اعتصارا يكاد يسحقهم؟ ألم يقولوا أنّ البلاد لا مال فيها؟ فمن أين حصّت 10 بنوك فقط ما عجزت الدّولة عن تحصيله؟ ثمّ إذا حصّلت البنوك هذه الأرباح القياسيّة أين النموّ والتنمية والإنتاج؟؟؟

تُعتبر هذه الأرقام مؤشّرا على فساد النّظام الرّأسمالي وأنّه هو السبب الرئيسيّ في الأزمة وتعقيد الأوضاع، وتكذّب القول بأنّ سبب الأزمة  نقص الأموال والثروات وقلّة الإنتاج وكثرة المطلبيّة. وتكشف أنّ المنظومة البنكيّة باعتبارها الدّعامة الأولى للنّظام الرأسمالي هي اليد الخفيّة التي تعبث بقوت النّاس ومصائرهم، وأنّها سبب المصائب والويلات التي تصيب المجتمعات،

  1. في طبيعة النّظام الرّأسمالي وحقيقة المنظومة البنكيّة:

  • طبيعة النّظام الرّأسمالي: قويّ يأكل الضعيف

النّظام الرأسمالي، هو نظام وضعيّ من وضع البشر قام على فصل الدّين عن الحياة وفي تونس قام على إبعاد الإسلام من التّشريع والسياسة، ثمّ هو يقول بإطلاق حريّة التملّك بما تعنيه من الحدّ من تدخّل الدّولة في المسائل الاقتصاديّة وأن تترك حرّيّة المبادرة الفرديّة وتدعمها بالقوانين والتشريعات. وهو بالتّالي نظام فرص للأقوياء ولا يعتبر الضعفاء وكأنّه لا حقّ لهم في الوجود.والقولبإطلاق الحريّة للأقوياء لم ينتج عنه في كلّ مكان تمّ فيه اعتناق الرّأسماليّة إلا احتدام الصّراع بين الأقوياء على التملّك ولم يبق في الميدان إلا الأقوى المتغلّب وهم قلّة اصطُلح على تسميتها بفئة الـ1 في المائة. وفي كلمة فالنّظام الرّأسمالي هو “نظام” يأكل فيه القويّ الضعيف، ولكنّ هذا الأكل سيكون مغلّفا بالقانون تحميه مؤسّسات في بهرج من الزينة زائف خادع.

  • حقيقة البنوك:

تمثّل البنوك أحد أعمدة النّظام الرّأسمالي الثلاثة (البنوك، الشركات، النّظام النقدي). وهي تمثّل منظومة أساسهاالوحيد هو تحقيق المنفعة المادية. ولا اعتبار لأيّ قيمة أخرى سوى القيمة الماديّة. فالبنوك مؤسسات ضخمة تتشكل في غالبها عن طريق مؤسسات خاصة يملكها شخص أو مجموعة من الأشخاص، أو تتشكل بنظام الشركات المساهمة، عن طريق ما يودعه الناس من أموال في هذه المؤسسات الماليّة.
أمّا طبيعة أعمالها فربويّة، فهي لا تعمل في مجال الإنتاج الحقيقي إنّما تقوم بجمع المال من أيدي الناس متفرقاً بنسب ربا قليلة، لتقرضه آخرين بنسبة ربا مرتفعة، في ما يسمّونه بتمويل المشاريع.

  1. في أنّ المنظومة البنكيّة الرّأسماليّة لا تخلّف إلا الدّمار والتبعيّة:

إنّ الدّور الذي تضطلع به المؤسسات البنكيّة يبدو في ظاهره بسيطا مساعدا لمن يريد العمل والإنتاج على إيجاد حلّ لمشاكل التّمويل وتعطيه فرصا لإنشاء المشروع الذي يريد، ولكنّ الحقيقة مخالفة تماما لظاهر الأمر وإليك في عجالة بعض الحقائق عن حقيقة دور البنوك بصفة عامّة ومنها البنوك الـ10 التي حقّقت أرباحا صافية قدرها 4000 مليار في سنة واحدة:

  • البنوك جعلت المال الكثير (4000 مليار)يتركّز بين أيدي فئة قليلة في المجتمع (لا تتجاوز في أحسن الأحوال الـ5 في المائة) وتحرم بقية الناس من تداول هذا المال، فعن طريق الإغراء بالفائدة الربويّة تمّ سحب المال من أيدي الناس، وعن طريقها كذلك تمّ تمكين قلّة من كبار الرأسماليين القادرين على الاستثمار والسداد من أخذ كميات كبيرة من المال من هذه البنوك.أمّا البقيّة فلا حقّ لهم في قروض استثماريّة بذريعة أنّهم غير قادرين على السّداد أو أنّ مشاريعهم غير مضمونة، ويقتصر دورهم على إيداع الأموال بل هناك اتّجاه في تونس ليُجبر الجميع (باقي فئات الشعب (95 في المائة)) بقوّة القانونعلى إيداع أموالهم في البنوك، ويقال لهم بالتضليل والتزييف أنّ الادّخار أو المساهمة ستجلب لهم فوائد وأرباحا، ليصبح البنك آلة جهنّميّةتجلب الشرور على الجميع بعكس ما وقع الترويج لها أنها ستجلبالخير والسّعادة، ثمّ يتحوّل فتات الفوائد الربويّة التي يأخذها عامّة النّاس من البنوك شرياناً جديداً يصب في روافد الأغنياء بطريقة أو بأخرى.

  • فيزداد الأغنياء غنى أمّا الفقراء فلا يزدادون إلا فقراً وأمّا ما يُسمّونها الطّبقة الوسطى فتمكّنها البنوك من قروض استهلاكيّة أي يُمكّنونهم من بعض المال لتلبية حاجات أساسيّة (المسكن، السيّارة، …) ويجعلونهم يشتغلون السنوات الطّوال لتسديد قروضهم فيكونون بذلك الوقود الذي يحترق من أجل أن تنتفخ جيوب الأغنياء وبطونهم.

  • فمنظومة البنوك الربويّة تعيّن من تشاء لإنشاء المشاريع الضخمة التي تتحكم في اقتصاد البلد، فتصير البنوك هي اليد الخفيّة التي تتحكّم في البلاد وتسيّرها كيف تشاء. فتعيّن ما يتمّ الاستثمار فيه وما لا يتم، أمّا الغالبيّة فيعيشون تحت رحمة هذه الفئة يحدّدون مصيرهم، يحدّدون لهم أعمالهم ويحدّدون لهم ما يمكنهم استهلاكه وما لا يُمكنهم استهلاكه،

  • هذه الفئة القليلة من أصحاب البنوك هي التي ستحدّد من يمكنه أن يكون في فئة الأغنياء وهي التي تطرد من تشاء من “جنّتها” وهي كذلك التي تفرض القوانين وتحدّدها لا البرلمان كما يزعمون إذ لا يصل إلى البرلمان أو الحكم إلا من كان قادرا على تمويل حملته الانتخابيّة، ولك أن تسأل عن مصدر الأموال من أين تأتي؟؟؟ ومن يسمح بمرورها؟؟؟؟

  • البنوك هي أحد العناصر الفاعلة في غلاء الأسعار، ذلك بسبب احتكار المشاريع من قبل الرأسماليين والذين بدورهم يفرضون الأسعار التي يرونها، فيقومون برفع السعر أو بسحب البضاعة أو بطرحها متى شاءوا، وبسبب الفوائد البنكية المستحقة على أصحاب الشركات والتي تدفعهم لسداد هذه الفوائد في أقرب وقت ممكن عن طريق رفع الأسعار على المستهلكين. وقد تتدخّل الدولة أحيانا بتسعير بعض السلع الأساسيّة أو باستيراد سلع معينة وطرحها في السوق لخفض الأسعار. غير أنّ تدخّل الدّولة هذا يبقى تحت تحكّم كبار الأثرياء لا يسمحون لها بالتّدخّل إلا في حالات قليلة لمنع الانفجار

  • وللبنوك في تونس خاصيّة أخرى أخطر من سابقاتها فهي في أغلبها بنوك خاصّة 3 منها فقط عموميّة (ينادي الجميع بخوصصتها)، وهذه البنوك الخاصّة دخلت فيها شركات أجنبيّة بمساهمات معتبرة ممّا يعني أنّ الأرباح لم تدخل جيوب تونسيين فقط إنّما كان للأجنبيّ فيها نصيب ولعلّه النّصيب الأوفر، فماذا لو قرّر هؤلاء الأجانب الرّحيل؟؟ وماذا لو قرّروا ترحيل أرباحهم؟؟؟ أليست البنوك في هذه الحال وسيلة للقوى الاستعماريّة وبنوكها وشركاتها في إفلاس تونس وأهلها؟؟؟

  هذا بعض الدّمار الذي تسببه البنوك في تونس،فهي اليد الخفيّة المتلاعبة بمعيشة أهل تونس بل بمصيرهم، ومكمن الخطورة في البنوك أنّها وسيلة أكسبت الشرعيّة القانونيّة حتّى تتحكّم في الدّورة الاقتصاديّة وأبيح لها التعامل مع  بنوك الدّول الاستعماريّة فصارت بحقّ طابورا خامسا وحصان طروادة تُدخل الأعداء وتمكّنهم لا من ثروة النّاس وأموالهم فحسب بل تُحدّد أعمالهم ونوعها وإنتاجهم وكمّيّاته.

  وفي هذا المقام نذكّر بقوله تعالى: (أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوَى مِن اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهارَ بِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ واللهُ لا يَهْدي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)التوبة109.

محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This