المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية: ندوة حول التعليم الديني في تونس

المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية: ندوة حول التعليم الديني في تونس

انعقدت بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية ندوة حول التعليم الديني في تونس، وذلك يوم الثلاثاء 25 ديسمبر 2018، حيث افتتح مدير المعهد ناجي جلول الندوة بقوله إن مدنية الدولة وقع حسمها في حين يبقى الجدل قائما حول هوية الشعب التونسي وحول القيم والحضارة، مؤكدا على أن تدريس مادة التربية الإسلامية يجب أن يكون في سياق أننا ننتمي أولا إلى القيم الإنسانية، وأن لا يمس من هويتنا التونسية، داعيا إلى الرجوع إلى الفكر الزيتوني الذي حرر المرأة حسب رأيه.

وقد كان لعضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير الدكتور الأسعد العجيلي تعقيب على مداخلة المدير ناجي جلول، حيث أبرز عضو المكتب الإعلامي التناقض الذي وقع فيه المدير، هذا نصه: إن القول بأن مدنية الدولة قد وقع حسمها في حين أن الجدل قائما حول هوية الشعب التونسي، قول غير دقيق لأن الدولة هي كيان تنفيذي لمجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلها الناس، فالدولة تعكس الحالة الفكرية للشعب، وبما أن مفاهيم الناس وأفكارهم لم يقع الحسم فيها وما زال الجدل قائم حولها، فمن الخطأ القول بأن مدنية الدولة قد وقع حسمها عند الشعب التونسي، إلا إذا أريد بالحسم فرض الدولة المدنية على الشعب من خلال وسائل الإكراه، وسيبقى الصراع قائما ولن يحسم إلا بأحد أمرين: إما أن يتخلى الشعب التونسي عن هويته لصالح الحضارة الغربية، أو يتصالح الشعب التونسي مع هويته الإسلامية فيقيم دولة الإسلام، وباعتباري عضوا بالمكتب الإعلامي لحزب التحرير فإني أبشركم بأن حزب التحرير قد أطلق حملة بعنوان ”ومن أحسن من الله حكما” يهدف من خلالها تغيير الهوية السياسية للدولة التونسية، بإقامة دولة الإسلام.

وقد تخلل تلك الندوة العديد من التدخلات كان من أبرزها تدخل مفتي الجمهورية عثمان بطيخ الذي سرد مراحل التدريس في تونس، منكرا أن يكون قد درس حول دولة الخلافة أثناء دراسته التعليم الزيتوني في تونس، وكأنه بذلك يوحي بأن هذا الفكر دخيل على المجتمع التونسي، مظهرا بذلك موقفه من نظام الخلافة، مستشهدا موقف رابطة العالم الإسلامي بأن الدولة الإسلامية لن تكون و قد حل محلها الدولة الخصوصية ويقصد بذلك الدولة القطرية. وهو بذلك يكون قد خالف شيخ المالكية الطاهر بن عاشور الذي يعتبر الخلافة جزء جوهريا في الدين.

وكان هذا تفسير الشيخ للآية 30 من سورة البقرة في كتابه التحرير والتنوير في مجلده الأول: ” فكانت الآية من هذا الوجه إيماءً إلى حاجة البشر إلى إقامة خليفة لتنفيذ الفصل بين الناس في منازعاتهم إذ لا يستقيم نظام يجمع البشر بدون ذلك، وقد بعث الله الرسل وبين الشرائع فربما اجتمعت الرسالة والخلافة وربما انفصلتا بحسب ما أراد الله من شرائعه إلى أن جاء الإسلام فجمع الرسالة والخلافة لأن دين الإسلام غاية مراد الله تعالى من الشرائع وهو الشريعة الخاتمة ولأن امتزاج الدين والمُلْك هو أكمل مظاهر الخطتين قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 64‏]‏ ولهذا أجمع أصحاب رسول الله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الخليفة لحفظ نظام الأمة وتنفيذ الشريعة ولم ينازع في ذلك أحد من الخاصة ولا من العامة إلا الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، من جُفاة الأعراب ودُعاة الفتنة فالمناظرة مع أمثالهم سُدًى‏.‏ “

 ولم يتسنى لعضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير أن يعلمه بأنه قد درس شخصيا في سنة 1988 بالسنة الخامسة علوم تجريبية بالمعهد الفني بتونس المواضيع التالية: الحكومة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، الخلافة باعتبارها واجب ديني، القضاء في الإسلام، الجهاد، وغيرها من المواضيع المتعلقة بالدولة والمجتمع، والتي شن عليها وزير التعليم محمد الشرفي هجوما كاسحا فور تسلمه الوزارة وغيرها بمناهج جديدة تحت عنوان الإجتهاد والتجديد.

وللعلم فإن محمد الشرفي فرنكفوني المذهب والهوى، وقد جرى تعيينه فوز زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتيرون لتونس في سنة 1988، وعلى إثر تلك الزيارة وقع تعيين محمد الشرفي وزيرا جديدا للتعليم، كما وقع الإنطلاق في بث القناة الفرنسية  الثانية a2.

أما الكلمات الأخرى التي ألقيت خلال الندوة فقد كانت تتمحور حول النجاح في غلق الروضات القرانية، ودور وزارة الشؤون الدينية و الكلية الزيتونية في تأطير أئمة الجمعة باعتبارهم يتوجهون في خطبهم إلى ما يقارب 5 ملايين تونسي أسبوعيا، وإلى مدى تأثير مادة التربية الإسلامية في تلاميذ المعاهد و ضرورة تغييرها أو تطعيمها بمادة التفكير الإسلامي، التي في حقيقتها تجرد الإسلام من ثوابته العقدية والفقهية بدعوى الاجتهاد والتجديد وفقه المصالح وتغير العصر وما شاكل ذلك.

وفي هذا الإطار أشار المتفقد العام والخبير في التربية السيد محمد سخانة أثناء مداخلته حول معنى القيم في تدريس التربية الإسلامية، إلى دراسة ميدانية قام بها في المعاهد حول موقف التلاميذ و مدى اهتمامهم بمادة التربية الإسلام، حيث توصل إلى أن نسبة كبيرة لا تهتم بهذه المادة و تعتبرها مملة مع احترامها الكبير للإسلام باعتباره دينهم، وهو ما أشار إليه مدير المعهد ناجي جلول خلال ندوة صحفية تتعلق بالتعليم الديني في تونس إلى أن عدة استبيانات تؤكد أن عدد كبير من التلاميذ يقرون بأن دينهم الإسلام لكن درس التربية الإسلامية ممل ولا جدوى منه، لذا وجب تدعيم مادة التربية الإسلامية وتقويتها حسب تعبيره.

إن هذه الدراسة تدل بشكل لا لبس فيه تمكن الإسلام في نفوس التلاميذ بالرغم من المحاولات التي بذلها بن على والحكومات التي تعاقبت على الحكم من بعده في تفريغ الإسلام من أي تأثير على التلاميذ، فكانت النتيجة عدم اهتمام التلاميذ بمادة التربية الإسلامية التي حددت مواضيعها وزارة التربية، و لكنه لم يؤثر في موقف التلميذ التونسي من الإسلام المتأصل في نفسه، وسيبقى هذا الإسلام الصافي النقي الذي يخالج القلوب و يوافق فطرة التلاميذ متقدا في القلوب حتى تحسم معركة الهوية بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.

د. الأسعد العجيلي

CATEGORIES
TAGS
Share This