المساعدات الأمريكية…. السم القاتل

المساعدات الأمريكية…. السم القاتل

بدعوة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدى رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بداية من يوم الأحد 9 جويلية 2017 زيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة تدوم 4 أيام. ويتضمن برنامج الزيارة، التي تكتسي طابعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع مسؤولين من الإدارة الأمريكية وكذلك مع ممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وأبرزهم المدير العام المساعد للصندوق “دافيد ليبتون”. ووزير الخارجية الأمريكي “راكس تليرسون” ووزير الدفاع “جايمس متيس” ووزير الخزانة “ستيفن منوشن”. ومن بين منجزات هذه الزيارة حصول تونس على المزيد من المساعدات الأمريكية خاصة في المجال العسكري وهو ما سنتكلم عنه في هذا المقال تحديدا.

“سم المساعدات يفتك بالعدو كما بالصديق”

إن العاقل فينا ليتبين بما لا يدع مجالا للشك تعدد أساليب المكر الاستعماري ومنذلك “اتخاذ التعاون مع أهل البلاد أسلوباً من أساليب النفاذ إلى المنطقة”….أي أن المساعدات المسمومة التي أطلقوا عليها “التعاون”-زورا وبهتانا- هي من صلب سياسة أمريكا للنفاذ إلى أعماق المنطقة وصناعة العملاء، ونهب الثروة وامتصاص الدماء… وقد استعملت أمريكا أسلوب المساعدات في استعمار إندونيسيا أيضا فلما رفض سوكارنو في الخمسينات المساعدات الأمريكية استمرت في مضايقته بالتهديد والوعيد إلى أن قبل المساعدات ومن ثم دخل النفوذ الأمريكي إندونيسيا ولازال حتى اليوم. وهكذا فإن ما تسميه أمريكا في قاموسها مساعدات إنسانية هي مشاريع استعمارية بواجهة اقتصادية حتى لأصدقائها!  فإن مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية المعنون “إنقاذ أوروبا” كان مدخلاً للشركات الأمريكية لتكون شريكاً فاعلاً في مفاصل كثيرة للاقتصاد الأوروبي، وما إن مرت بضع عشرة سنة حتى صارت اقتصاديات أوروبا بشكل عام ملكاً للشركات الأمريكية. ومع أنها خفت بعض الشيء في السنوات الأخيرة إلا أن تأثير الشركات الأمريكية في الاقتصاد الأوروبي لازال قائماً حتى اليوم.

“الهيمنة شعار المستعمر الأمريكي”

إن المساعدات شرٌّ كلها، فالواقع ينطق بأن الدول الكافرة المستعمرة، وبخاصة أمريكا، لاتقدم مساعدات إلا لبسط النفوذ والهيمنة، وخدمة مصالحها. وقد وضعت الإدارة الأمريكية مفهوما للهيمنة، والذي تمت صياغته في تقرير للبنتاغون بعنوان دليل الخطة الدفاعية DPG :Defense Planning Guidance 94-92 الذي أعدّه كل من “بول فولفيتز” نائب وزير الدفاع في حكومة بوش الابن، ولويس ليبي مدير ديوان نائب الرئيس الأمريكي، وكان أهم ما خلص إليه هذا التقرير هو: منع كل قوة إقليمية من السيطرة على الموارد التي قد تجعلها قوة عظيمة، والسير نحو بناء القواعد العسكرية التابعة للإدارة الأمريكية في مناطق توافر الموارد الطبيعية، وكذلك التشويش على أي قوة صناعية قادرة على منافسة الريادة الأمريكية.

“أمريكا وعقلية الغاب”

لا نكون مبالغين إذا قلنا أن النفعية الأمريكية هي بالأساس”منطق الغاب الهمجي”، اذ تقود المصلحةُ العقلَ الأمريكي إلى ارتكاب ما لا يتصوّر من الحماقات والتجاوزات، وقد يصل الأمر إلى إبادة شعب بأكمله وإحراق دولة، وفي بداية تأسيس الإمبراطورية الأمريكية دليل قوي على هذا الزعم، فعلى يد السكان الجُدد الوافدين من أوروبا العجوز أبيد شعب الهنود الحمر، لترتفع على أنقاض دولتهم رايات الإمبراطورية الجديدة، وبمنطق الغاب حوَّل الأمريكيون مدينة هيروشيما اليابانية إلى كومة رماد، وقضوا على حياة ما يقارب من (70000) إنسان في بضعة ساعات، وإلى الآن نرى صدى لهذه الحماقات في دولنا العربية والإسلامية، كما نرى في أفغانستان والعراق وغيرها من الدول التي تتلاعب بها سياسات المصلحة الأمريكية.

“مسرحية الابتزاز”

ومما يلفت النظر في أعقاب هذه الزيارة تلك المسرحية المهينة حيث يتبادل الكونغرس الأمريكي والإدارة الامريكية عملية الابتزاز السياسي المفضوح ليخرُج “جون ماكين” في ثوب العابد الناسك الذي يرفض التخفيض في قيمة المساعدات لفائدة تونس…وينتهي المشهد الدرامي بفوز إرادة الخير الأمريكي ويحصل ماكين وفريقه “الرحمة على الوالدين”.

” منطقة شمال افريقيا الصراع الأمريكي الأوروبي وأهل البلد”

لا يخفى على المتابع للشأن السياسي الإقليمي والدولي احتدام التدخلات الاستعمارية في شؤون شمال افريقيا بين أوروبا وأمريكا وقد يكون التدخل عسكريا على الأرض كما يحصل في ليبيا من خلال حلف الناتو أو يكون التدخل اقتصاديا بتحريك دبابات القتل الاقتصادي للأمم كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وان هذه المساعدات لتندرج في إطار المحاولات الحثيثة للمستعمر الأمريكي من أجل مزاحمة المستعمر الأوروبي على منطقة شمال افريقيا.وإذا كان هذاالموقع-شمال افريقيا-بهذه الأهمية في السياسة الخارجية للدول الاستعمارية فأهل البلد أولى بهذا الموقع…ولماذا لا تكون شمال افريقيا مرتكزا لدولة عظمى تقطع الطريق امام مشاريع القوى الناهبة من جهة، وتزيل عنا البَلادة السياسية لملوك الطوائف حكامنا حكام المسلمين من جهة أخرى… ولماذا لا نقاطع أمريكا كما يقاطع بوجناح وكلنا يعلم ان الكيان الصهيوني هو الابن المدلل لأمريكا والغرب باعتبار أهمية هذا الكيان فيزرع الألم في جسد الامة والحيلولة دون استعادة عافيته…. بل ان أمريكا وغيرها من الدول الغربية يمدون الكيان الإسرائيلي بما يبقي عليه سرطانا حيّا ينخر المسجد الأقصى وما جاوره من بلاد المسلمين.

“العيش في جلباب الغرب”

…لماذا يريد الساسة في بلادنا تكرار الارتماء في أحضان الغرب للخروج من أزماتهم لماذا يحاولون الانتقال من “سايكس بيكو” أوروبا الى “فوضى أمريكا الخلاقة” انها عقول العيش في الحفر شعارهم “القفص أو الكماشة” ويضربون عن مشروع الخلافة الضديد السياسي الفعلي لإسقاط مشاريع الغرب ومخططاته… يقول أبو القاسم الشابي ومن لا يحب صعود الجبال. يعش أبد الدهر بين الحفر…لماذا يسعى المستحكمون في مستقبل البلد استدامة “التسول” على أعتاب المستعمرينمن أجل الاستبقاء على حالة الذلة والعبودية فيصور حالنا كالأيتام على مائدة اللئام نرضى بالفتات أذلة ونقتات من فواضل العم سام خاسئين.

اما ان وصل عجزكم السياسي الى حد “الرقص مع الذئاب” والتهاون بمستقبل البلد فلا يسعنا الا ان نقول لكم ارحلوا عنا واتركوا السياسة لأهلها فأنتم لم تقدروا ولن تقدروا على ترك عقلية السمسرة والمتاجرة بالأرض.

“ماالعمل”

ان الرؤية الواضحة أن هذا الاتفاق بين الأقوى والأضعف هو في نهايته أن تكون تونس خاصة وبلاد المسلمين عامة بوابة ينطلق منها الغرب الأمريكي في تحقيق أطماعه. بكل أسف وحرقة أن تكون تونس الخضراء قنطرة يمر عليها الحلم الأمريكي.

فالواجب اذا أن نبادر برفض هذه المساعدات، وهو ما يجب أن نعلنه ونبذل الوسع فيه ،أمام من يشيعونه عمّا يصيب البلاد من فقر وأزمات اقتصادية إن لم تكن هذه المساعدات، فهو قول مريض سقيم، فإن فقر بلاد المسلمين هو فقر مصطنع من قلة تتربع على الحكم وعلى مصادر القرار، فتضيع ثروة الأمة وملكيتها العامة في مسالك فاسدة ضارة بالبلد وأهله، فبدل أن توزع الملكية العامة على الأمة وهو حقها، فإنها تستقر في جيوب تلك الحيتان وفي الحسابات البنكية الداخلية والخارجية، السرية منها والعلنية… ثم تربط البلاد بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبسموم أمريكا المسماة مساعدات… هذا هو سبب الفقر في بلاد المسلمين، وإلا فهي زاخرة بما منحها الله من ثروة تفيض عن حاجتها إذا أُحسن وضعها في مواضعها التي بينها اللطيف الخبير.

 وإنّيْ أقولُ في نهايةِ مقالي هذا: أليسَ لنا نحن المسلمون مِنَ المدونة التشريعية الدستورية التي تنبثق من عقيدتنا الاسلامية ما يُمْكِنُ أن نهيمنَ بهِ على العالمِ بأسرِه؟ نقولُ جميعا: نعمْ لنا ذَلِكَ بلا شكٍّ ولا ريبٍ، ولكنّ السيفَ بالضاربِ، فأينَ الضاربُ؟ الضارب خليفة يطبق الشرع.

بقلم :محمد السحباني.

CATEGORIES
TAGS
Share This