المسلمون والنظام العالمي الجديد) الجزء الأوّل)
منذ بداية تسعينات القرن الماضي أعلن جورج بوش الرئيس الأمريكي ولادة نظام عالمي جديد في أعقاب السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية وفي أعقاب حرب الخليج الأولى، والعالم منذ ذلك الوقت يعيش تغيرات بنسق سريع ومتواتر وأكثر المناطق تأثرا بهذه المتغيرات هي البلاد الإسلامية.
فالمتتبع للأحداث في العالم يلحظ بكل يسر أن الحروب تقع في البلاد الإسلامية -في معظمها- (حرب الخليج الأولى والثانية، الحرب في أفغانستان، حرب الصومال، حرب اليمن، الأحداث في تونس وليبيا، الحرب في سوريا، الاحتلال الصهيوني لفلسطين، أزمة الصحراء الغربية، تقسيم السودان) هذا كله يدل دلالة واضحة على أن المسلمين والأمة الإسلامية غير فاعلة على الساحة الدولية وأن البلاد الإسلامية هي المجال الرئيسي الذي يقع فيه الصراع بين الدول الإسلامية الكبرى لتحقيق الهيمنة وضمان استمرار المصالح. هذا الوضع يطرح تساؤلات عديدة:
لماذا البلاد الإسلامية (من بين جميع بلدان العالم) هي الأكثر عرضة للتدخلات الأجنبية والأكثر تضررا منها؟ وكيف تمكنت الدولة الاستعمارية من بسط هيمنتها السياسية والاقتصادية على البلاد الإسلامية؟ وهل إن المسلمين قادرون على العودة إلى الساحة الدولية– كخطوة أولى – في ظل ما يشهدونه من تخلف واستعمار؟.
إن الحديث عن “النظام العالمي” هو حديث عن “الموقف الدولي” الذي هو ” هيكل العلاقات بين الدول الفاعلة في المسرح الدولي” أي الحالة التي تكون عليها الدولة الأولى في العالم والدول التي تزاحمها على المرتبة الأولى، ويجب أن يكون واضحا أن الموقف الدولي لا يلزم حالة واحدة، وإنما هو متغير ومتبدل تبعا لواقع كل دولة فاعلة على الساحة الدولية، فيعتريه التغير والتبدل وفق متغيرات الأحداث السياسية وما تتطلبه قوة وضعفا.
إن أساس عمل الدولة على المسرح الدولي إنما هو لإيجاد المصالح وحمايتها وضمان بقائها، وبالأخص منها تلك التي تكون خارج حدودها، وهي عديدة:
- منها ما يتعلق بالمبدأ مثل إيجاد الظروف الملائمة لنشر المبدأ والحفاظ على تطبيقه وفرضه ان لزم الأمر.
- ومنها المعنوي مثل الحفاظ على هيبة الدولة وكرامتها.
- ومنها المادي المتعلقة بالأمن مثل المواقع الإستراتيجية أو تلك المتعلقة بالمنافع مثل الحصول على المواد الخام واكتساح الأسواق التجارية لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والفلاحي.
إن هذا النظام العالمي الجديد ما هو إلا استمرار للنظام العالمي الاستعماري القديم وبالتالي فإنّ لفظة “جديد” تعني:
“هيمنة الغرب الاستعماري الامبريالي على العالم فكرا وثروات بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، بعد انتهاء فترة القطبية الثنائية بسقوط المعسكر الشرقي”
انطلاقا من هذا لا نجد دولة واحدة في البلاد الإسلامية قاطبة تمثل طرفا في الموقف الدولي، اي لديها القدرة على التأثير وتحديد مصالحها والدفاع عنها وحمايتها، بل كلّ الدّول في العالم الإسلامي دون استثناء خاضعة لتدخلات القوى الفاعلة على الساحة الدولية وبالتحديد الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا. وقد وضعت هذه القوى كل ثقلها في بلاد المسلمين. تحرّكها في ذلك مجموعة من المصالح الحيوية وهي:
– الإسلام وخطورته على الغرب وحضارته المترنّحة المتهاوية.
– الموقع الاستراتيجي
– الكيان اليهودي.
– الاستعمار.
أمّا ما يخص الإسلام وخطورته على الغرب، فحرِيّ بنا أن نذكر ما ورد في “وثيقة كامبل بانرمان” في سياق حديثها عن البحر المتوسط : ” يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان” وقد جاء في توصيات المؤتمرين ‘ بريطانيا، فرنسا ، هولاندا ، بلجيكيا، إسبانيا، إيطاليا) بخصوص هذه المنطقة التي صنفوها ضمن الفئة 3 التي تقع ضمن المنطقة الخضراء ( رمز العفن في الحضارية الغربية) وهي “دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها والواجب هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال, ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية ومحاربة اي توجه وحدوي فيه” يفهم من هذا أن الإسلام هو العدو الوحيد للغرب خاصة بعد سقوط الفكر الشيوعي ودولته وذلك لان هذه البقعة من الأرض“.
كما ورد في الوثيقة: ” تحتوي على منظومة قيمية منافسة للغرب صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ إجراءاتها لمنع اي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية او إحدى دولها لأنها مهدد للنظام القيمي الغربي”
هذا الكلام مرتكز على حقيقتين إحداهما أن الإسلام حكم العالم لمدة تزيد عن 13 قرنا والحقيقة الثانية أن الإسلام قادر على العودة للساحة الدولية بعقيدته ومنظومته التشريعية ورؤيته للعلاقات الدولية.
أما فيما يخص الموقع الاستراتيجي ورد في نفس الوثيقة ” ان البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يربط الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الأسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الحضارات والأديان”
فالأهمية الإستراتيجية للبلاد الإسلامية أنها توجد في منطقة التقاطع بين القارات القديمة الثلاث ( إفريقيا وأوربا وآسيا) مما يجعله يتحكم في المواصلات، فالبلاد الإسلامية تطل على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي وتشرف على مجموعة من المضائق الهامة جدا عالميا: مضيق جبل طارق، مضيق صقلية، مضيق باب المندب ، مضيق هرمز, إضافة الى قناة السويس التي تربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي عبر المتوسط. إضافة إلى كونه ملتقى طرق مواد الخام والبضائع بين القارات الثلاث. (….يتبع)
معز بن ابراهيم