المشهد السياسي وحرب التموقعات

المشهد السياسي وحرب التموقعات

في ظل تآكل حزب نداء تونس جراء نزيف الاستقالات، تبرز على الساحة حرب التموقعات، فحركة نداء تونس لا زالت تطالب رئيس الحكومة بتقديم استقالته أو التوجه للبرلمان لطلب الثقة، رغبة منها في الاطاحة به، مع علمها بعدم قدرتها على ذلك إذا لم تكن حركة النهضة في صفها، سبب جعل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ينهي التوافق مع رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي.

أما حركة النهضة فقد عقدت اجتماعات يومي السبت والاحد، السادس والسابع من أكتوبر 2018 لبحث موقف موحد تجاه الصراع المحتدم بين الرئاسة و الحكومة، خاصة بعد الرسالة التي وجهها يعض قياديي الحركة إلى الشيخ راشد الغنوشي يطالبونه فيها بإعادة التوافق مع رئيس الدولة وعدم الزج بالحركة في هذا الصراع، إلا أنه يبدو أن الحركة لم تكن مخيرة في تموقعها وانحيازها ليوسف الشاهد، وأن ما راج حول تراجع الغنوشي عن وعده للباجي بتغيير الشاهد بعبد الكريم الزبيدي لم يكن سوى خضوعا لإرادة الاتحاد الاوروبي حسب ما أورده موقع الاخبار التونسية نقلا عن جريدة المغرب.

أما يوسف الشاهد فقد فهم بأن الامور ممسوكة من الخارج وأن من أراد أن يحكم فعليه أن يحصل على الرضا الغربي، لذلك توجه للقوى الحقيقية التي تسند الحكم في تونس، فتعهد أمام الاتحاد الاوروبي أثناء زيارته لبروكسل في الشهر الرابع من هذه السنة بتوقيع اتفاق الاليكا قبل موفى 2019، بالرغم من أن هذا الاتفاق سيقضي على الانتاج الزراعي التونسي وسيضر بالفلاحين الصغار الذين يوفرون 80% مما تحتاجه تونس في الزراعة، وهو ما يهدد الامن الغذائي للبلاد، كما تعهد يوسف الشاهد بتنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي، فأعلن السير في الاصلاحات الكبرى وعلى رأسها التفويت في المؤسسات العمومية للشركات الاجنبية ، لالتهام ما تبقى من مقدرات البلاد بعد تسليمهم الثروات الطبيعية من نفط وغاز ومعادن.

إلا أن يوسف الشاهد يدرك أن الغرب براغماتي و يمكن أن يتخلى عنه إذا وجد من يأمن له مصالحه، فالغرب لا صديق له ولا يكترث بالعملاء و يتركهم لمصيرهم، بل يعطي الضوء الاخضر للإطاحة بهم اذا استنفذ دورهم، لذلك يسعى الشاهد لإيجاد حزام سياسي يجعل منه رجل الغرب المناسب خاصة وأن حركة النهضة رضت بالمشاركة في الحكم دون أن تتصدر المشهد السياسي وحزب نداء تونس يتلاشى بفعل تصرفات ابن أبيه الذي ليس له أي خبرة في قيادة الاحزاب ولا في الممارسة السياسية، لذلك يرى الشاهد أن الباب مفتوح لا يجاد له موقع صلب في المشهد السياسي فصار يغازل كتلة الائتلاف الوطني التي تدعمه سياسيا، وهي خليط بين نواب من الائتلاف الوطني الحر وبعض المستقلين والمنشقين عن نداء تونس، ما يجعل ذوبان هذا الخليط في مشروع سياسي جديد يقوده الشاهد لن يكون سهلا ما لم تتحد معالمه و افاقه، خاصة أن سليم الرياحي رئيس الائتلاف الوطني الحر طلب لقاء الباجي قائد السبسي وقد يحاول أن يصلح ما أفسدته المصالح الشخصية.

في نفس الوقت وجه يوسف الشاهد الخميس 4 أكتوبر رسائل طمأنه للحرس القديم من الدستوريين و التجمعيين، بالإضافة إلى حركة النهضة، متعهدا بعدم اقصاء أي طرف في العمل السياسي طالما امن بالدستور والديمقراطية على حد قوله.

العقبة الكـأداء التي تقف أمام الطبقة السياسية برمتها هو انعدام الثقة بينها وبين الشعب الذي يتموقع خارج السرب، وستشكل الازمة الاقتصادية الخانقة الفتيل الذي سيشعل ثورة تعصف بالوسط السياسي القديم لتستبدله برجال دولة ينبعون من صميم الجمهور ويملكون مشروعا حضاريا تحرريا، يحرر البلاد والعباد من قبضة المستعمر وعملائه المحليين.

د. الأسعد العجيلي

CATEGORIES
TAGS
Share This