تعرض مشروع القانون المسمى ب”زجر الاعتداء على القوات المسلحة” إلى كمّ هائل من الانتقادات حيث عبرت عدة أحزاب ومنظمات عن رفضها القاطع لهذا القانون بالرغم من التعديلات التي طالت بعض فصوله. وتعلل الرافضون لمشروع القانون بكونه يحدّ من الحريات ويؤسس لعودة دولة البوليس ويشرع للاستبداد والقمع. كما أنهم يعتبرونه غير ذي جدوة في ظل وجود قوانين المجلة الجزائية كفيلة بحماية موظفي الدولة بما فيهم الأمنيين علاوة على أنه يمثل سابقة خطيرة يمكن أن تفتح الباب أمام قطاعات أخرى للمطالبة بقوانين مماثلة مما يفرغ مفهوم المساواة بين التونسيين من محتواه كما جاء في بيان أصدرته منظمة “أنا يقض”.
وقد جاء مشروع قانون “زجر الاعتداء على القوات المسلحة” بعد ارتفاع عدد القتلى والجرحى في صفوف القوات المسلحة في السنوات الثلاث الأخيرة على وجه الخصوص جراء عمليات استهدفت رجال الشرطة والحرس والجيش. وعليه لم يكن الجدل حول جدوى هذا القانون من عدمها بالأمر الجديد فكل القوانين المنبثقة من النظام الوضعي غالبا ما يثار حولها غبار الجدل وتنقسم المواقف بين رافض وقابل إما مزايدة وإما عدم اقتناع بتلك القوانين ودوما ما يكون الدستور هو مرجع الرافضين أو المرحبين على حد السواء وهذا يعني أن الدستور وما يحتويه من فصول وبنود غير قادر على أن يكون جامعا للمتشبثين بتلابيبه رغم أنهم جميعا يحتكمون إليه ولا يبغون عنه حولا. يمتدحون في الصباح وينتقدونه في المساء وهذا ينطبق على سائر القوانين الوضعية، وهنا سوف لن نتحدث عن الذين يستغلون مثالب القوانين للمزايدة على خصومهم ولتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.
والذي يعنينا أولئك الذين يعضون على النظام الوضعي ودستوره وقوانينه بالنواجذ إيمانا منهم بقدرته على معالجة المشاكل وبأنه هو الكافل الوحيد لجعل الناس ينعمون بالعيش الكريم ويجعلهم سواسية ولا يفرق بين أحد منهم سواء كل له واجبات عليه القيام بها وحقوق لا تهضم مهما كانت وظيفته أو صفته. وهؤلاء كلما بانت لهم سوءة من سوأت النظام الوضعي تداعوا إلى أوراقه ليواروا ما بدا من سوأته ويكثر الهرج والمرج وتعلوا الأصوات من هنا وهناك مطالبة بوجوب احترام الدستور الذي في الوقت نفسه تنتقده وتقر بعدم جدواه ونجاعته.. وقد يبلغ بهم الأمر حد المطالبة بتغييره ولكن تغيره بماذا؟ تغيره بدستور مماثل تصوغه الأهواء والعقول البشرية طبقا لما يفرضه عليهم النظام الوضعي. والمضحك في الأمر أن منتقدي الدساتير وقوانينها الوضعية في تفصيل ما، غالبا ما يرددون القانون كذا أو الدستور ليس بالقرآن الكريم حتى لا ينتقد أو يقع تعديله أو حتى تغييره.أي هم يقرون بقدسية القرآن ويخالفون أحكامه بل يصرون على مخالفتها ويعبرون صراحة على أنها غير صالحة أو غير قابلة للتطبيق ويحاربون كل من يدعو إلى الاحتكام له ويعمل على إقامة دولة أمر الله بإجادها تطبق ما جاء فيه من أحكام وفي سنته صلى الله عليه وسلم.
حين تسمعهم يشتكون من تفاقم الفقر وتفشي البطالة واستفحال الأمراض وتدهور كل الأوضاع المعيشية وينتقدون تقاعس الدولة وتراخيها في حماية أرواح الناس وأعراضهم وتركها للبلاد مرتعا للغاصبين والناهبين وكل من لا يرقب فينا إلا ولا ذمة ينتابك شعور بأنهم حتما سيولون وجوههم تلقاء بديل غير الذي تسبب ويتسبب في كل تلك المآسي لكنهم في خاتمة عويلهم ونحيبهم, يعودون مهرولين مسرعين إلى أحضان النظام الذي اشتكوا وبكوا من تداعياته وإفرازاته وكل قاذوراته. يكفرون ببعض تفاصيله ويخرون له سجدا. يطالبون بسن قوانين غير التي اكتوى الناس بلهيبها ويستظلون برمضائه.
وصفوة القول: إن ما ينشده هؤلاء لن يضفروا به في دهاليز النظام الوضعي وإنما في رحاب الإسلام بوصفه نظاما يشمل جميع جوانب الحياة ولا يترك كبيرة ولا صغيرة من المشاكل إلا ويعالجها، وعليه المطلوب هو زجر هذا النظام الوضعي وإزاحته بشكل بات من حياة الناس التي ملاءها شظفا وضنكا ولم يفرق في ذلك بين القوات الحاملة للسلاح أو الحاملة للمعاول فالكل في ظله حامل للبأساء والضراء..